الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿حُورٌ مَقْصُوراتٌ في الخِيامِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكْرامِ﴾ "خَيْراتٌ" جَمْعُ "خَيْرَةٍ" وهي أفْضَلُ النِساءِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: (p-١٨٢) ؎ ولَقَدْ طَعنتُ مَجامِعَ الرَبَلاتِ رَبَلاتِ هِنْدٍ خَيْرَةِ المَلِكاتِ وقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُا: «قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ أخْبِرْنِي عن قَوْلِهِ تَعالى: "خَيْراتٌ حِسانٌ "، قالَ: "خَيْراتُ الأخْلاقِ، حِسانُ الوُجُوهِ"» وقَرَأ أبُو بَكْرِ بْنِ حَبِيبٍ السَهْمِيُّ: "خَيِّراتٌ" بِشَدّ الياءِ المَكْسُورَةِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو بِفَتْحِ الياءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "مَقْصُوراتٌ" مَعْناهُ: مَحْجُوباتٌ مَصُوناتٌ، وكانَتِ العَرَبُ تَمْدَحُ النِساءَ بِمُلازَمَةِ البُيُوتِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ .......... ∗∗∗ وتَغْفُلُ عن إتْيانِهِنَّ فَتُعْذَرُ يَصِفُ أنَّ جِيرانَها يَزُرْنَها ولا تَزُورُهُنَّ، ويُرْوى أنَّ بَيْتَ الأعْشى قَدْ ذَمَّ، وهو قَوْلُهُ: ؎ كَأنَّ مِشْيَتَها مِن بَيْتِ جارَتِها ∗∗∗ مَرُّ السَحابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلٌ (p-١٨٣)فَقِيلَ في ذَمِّهِ: هَذِهِ جَوّالَةٌ خَرّاجَةٌ ولّاجَةٌ، ومِن مَدْحِ القَصْرِ قَوْلُ كُثَيِّرٍ: ؎ وأنْتِ الَّتِي حَبَّبْتِ كُلَّ قَصِيرَةٍ ∗∗∗ إلَيَّ ولَمْ تَشْعُرْ بِذاكَ القَصائِرُ ؎ أُرِيدُ قَصِيراتِ الحِجالِ ولَمْ أُرِدْ ∗∗∗ قِصارَ الخُطى، شَرُّ النِساءِ البَحاتِرُ وقالَ الحَسَنُ: مَقْصُوراتٌ في الخِيامِ: لَيْسَ بِطَوّافاتٍ في الطُرُقِ. و"الخِيامِ": البُيُوتُ مِنَ الخَشَبِ والثُمامِ وسائِرِ الحَشِيشِ، وهي بُيُوتُ المُرْتَحِلِينَ مِنَ العَرَبِ. وخِيامُ الجَنَّةِ: بُيُوتُ اللُؤْلُؤِ، قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: هي دُرٌّ مُجَوَّفٌ، ورَواهُ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَبِيِّ ﷺ، وإذا كانَ عِنْدَ المَسْكَنِ عِنْدَ العَرَبِ مَن شِعْرٍ فَهو بَيْتٌ، ولا يُقالُ لَهُ خَيْمَةٌ، ومِن هَذا قَوْلُ جَرِيرٍ: ؎ مَتى كانَ الخِيامُ بِذِي طُلُوحٍ ∗∗∗ سَقَيْتُ الغَيْثَ أيَّتُها الخِيامُ (p-١٨٤)وَمِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ: ؎ أمْرَخٌ خِيامُهم أمْ عُشُرُ؟.... فاسْتَفْهَمَ: هَلْ هم مُنْجِدُونَ أمْ غائِرُونَ؟ لِأنَّ العُشُرَ مِمّا لا يَنْبُتُ إلّا في تِهامَةَ والمَرْخُ مِمّا لا يَنْبُتُ إلّا في نَجْدٍ. و"الرَفْرَفُ": ما تَدَلّى مِنَ الأسْرَةِ مِن غالِي الثِيابِ والبَسْطِ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الرَفْرَفُ رِياضُ الجَنَّةِ، والأوَّلُ أصْوَبُ وأبْيَنُ، ووَجْهُ قَوْلِ ابْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ مِن: رَفَّ النَبْتُ إذا نَعُمَ وحَسُنَ. وما تَدَلّى حَوْلَ الخِباءِ مِنَ الخِرْقَةِ الشَفّافَةِ يُسَمّى رَفْرَفًا، وكَذَلِكَ يُسَمِّيهِ الناسُ اليَوْمَ، وقالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: الرَفْرَفُ: المَرافِقُ، و"العَبْقَرِيُّ": بُسُطٌ حِسانٌ فِيها صُوَرٌ وغَيْرُ ذَلِكَ تُصْنَعُ بِعَبْقَرٍ، وهو مَوْضِعٌ يَعْمَلُ فِيهِ الوَشْيُ والدِيباجُ ونَحْوُهُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: العَبْقَرِيُّ: الزَرابِيُّ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هي الطَنافِسُ، وقالَ مُجاهِدٌ: هي الدِيباجُ الغَلِيظُ، وقَرَأ زُهَيْرٌ الفَرْقَبِيُّ: "رَفارِفُ" بِالجَمْعِ وتَرْكِ الصَرْفِ، وقَرَأ أبُو طَمِعَةَ المَدَنِيُّ، وعاصِمٌ -فِي بَعْضِ ما رُوِيَ عنهُ-: "رَفارِفٍ" بِالصَرْفِ، وكَذَلِكَ قَرَأ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ "رَفارِفٍ وعَباقِرِيٍّ" بِالجَمْعِ والصَرْفِ، ورُوِيَتْ عَنِ النَبِيِّ ﷺ، وغَلِطَ الزَجّاجُ والرُمّانِيُّ هَذِهِ القِراءَةَ، وقَرَأ أيْضًا عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ في بَعْضِ ما رُوِيَ عنهُ: "عَباقَرَيَ" بِفَتْحِ القافِ والياءِ، وهَذا عَلى أنَّ اسْمَ المَوْضِعِ "عَباقَرَ" بِفَتْحِ القافِ، والصَحِيحُ في اسْمِ المَوْضِعِ "عَبْقَرَ"، قالَ امْرُؤُ القَيْسَ:(p-١٨٥) ؎ كَأنَّ صَلِيلَ المَرْوِ حِينَ تَشُذُّهُ ∗∗∗ صَلِيلُ زُيُوفٍ يَنْتَقِدْنَ بِعَبْقَرا قالَ الخَلِيلُ والأصْمَعِيُّ: العَرَبُ إذا اسْتَحْسَنَتْ شَيْئًا واسْتَجادَتْهُ قالَتْ: عَبْقَرِي. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ الناسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ "» وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما: العَبْقَرِيُّ سَيِّدُ القَوْمِ وعَيْنُهُمْ، وقالَ زُهَيْرٌ: ؎ بِخَيْلٍ عَلَيْها جَنَّةُ عَبْقَرِيَّةٌ ∗∗∗ جَدِيرُونَ يَوْمًا أنْ يَنالُوا فَيَسْتَعْلُوا ويُقالُ: عَبْقَرٌ: مَسْكَنٌ لِلْجِنِّ، وقالَ ذُو الرُمَّةِ:(p-١٨٦) ؎ حَتّى كَأنَّ رِياضَ القُفِّ ألْبَسُها ∗∗∗ مِن وشْيِ عَبْقَرَ تَجْلِيلٌ وتَنْجِيدُ وقَرَأ الأعْرَجُ: "خُضُرٌ" بِضَمِّ الضادِ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "ذِي الجَلالِ" عَلى اتِّباعِ "الرَبِّ"، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأهْلُ الشامِ: "ذُو الجَلالِ" عَلى اتِّباعِ "الِاسْمِ"، وكَذَلِكَ في الأوَّلِ، وفي حَرْفِ أُبَيٍّ، وابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "ذِي الجَلالِ" في المَوْضِعَيْنِ، وهَذا المَوْضِعُ مِمّا أُرِيدَ فِيهِ بِالِاسْمِ مُسَمّاهُ، والدُعاءُ بِهاتَيْنِ الكَلِمَتَيْنِ حَسَنٌ مَرْجُوُّ الإجابَةِ، وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "ألَظُّوا بَيا ذا الجَلالِ والإكْرامِ"». كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ الرَحْمَنِ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب