الباحث القرآني

وَقوله عزّ وجلّ: ﴿كَأنَّهُنَّ الياقُوتُ والمَرْجانُ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلا الإحْسانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿وَمِن دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿مُدْهامَّتانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِما فاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمّانٌ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ (p-١٨٠)"الياقُوتُ والمَرْجانُ" مِنَ الأشْياءِ الَّتِي قَدْ بَرَعَ حُسْنُها، واسْتَشْعَرَتِ النُفُوسُ جَلالَتُها، فَوَقَعَ التَشْبِيهُ بِها لا في جَمِيعِ الأوصافِ لَكِنْ فِيما يُشَبَّهُ ويَحْسُنُ بِهَذِهِ المُشَبَّهاتِ، فالياقُوتُ في إمْلاسِهِ. وشُفُوفِهِ، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ في صِفَةِ المَرْأةِ مِن نِساءِ أهْلِ الجَنَّةِ: « "يَرى مُخَّ ساقِها مِن وراءِ العَظْمِ"،» والمَرْجانُ في إمْلاسِهِ وجَمالِ مَنظَرِهِ، وبِهَذا النَحْوِ مِنَ النَظَرِ سَمَّتِ العَرَبُ النِساءَ بِهَذِهِ الأشْياءِ كَدُرَّةِ بِنْتِ أبِي لَهَبٍ، ومَرْجانَةَ أُمِّ سَعِيدٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلا الإحْسانِ﴾ آيَةٌ، وعَدَ وبَسَطَ لِنُفُوسِ جَمِيعِ المُؤْمِنِينَ لِأنَّها عامَّةٌ، قالَ ابْنُ المُنْكَدِرِ، وابْنُ زَيْدٍ، وجَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: هي لِلْبَرِّ والفاجِرِ، والمَعْنى: أنَّ جَزاءَ مَن أحْسَنَ بِالطاعَةِ أنْ يُحْسِنَ إلَيْهِ بِالتَنْعِيمِ، وحَكى النَقّاشُ «أنَّ النَبِيَّ ﷺ فَسَّرَ هَذِهِ الآيَةِ فَقالَ: "هَلْ جَزاءُ التَوْحِيدِ إلّا الجَنَّةُ"؟» وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ اخْتَلَفَ الناسُ في مَعْنى "مِن دُونِهِما"، فَقالَ ابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهُ: مَعْناهُ أنَّ هاتَيْنِ دُونَ تَيْنِكَ في المَنزِلَةِ والقَدْرِ، والأُولَيانِ جَنَّتا السابِقِينَ (p-١٨١)والأُخْرَيانِ جَنَّتا أصْحابِ اليَمِينِ، قالَ الرُمّانِيُّ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الجَنّاتُ الأرْبَعُ لِلْخائِفِ مَقامَ رَبِّهِ تَعالى، وقالَ الحَسَنُ: الأُولَيانِ لِلسّابِقِينَ والأُخْرَيانِ لِلتّابِعِينَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: المَعْنى: مِن دُونِهِما في القُرْبِ إلى المُنْعِمِينَ، وهاتانِ المُؤَخِّرَتانِ في الذِكْرِ أفْضَلُ مِنَ الأُولَيَيْنِ، يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أنَّهُ وصَفَ عَيْنِيَّ هَذِهِ بِالنَضْخِ والأُخْرَيَيْنِ بِالجَرْيِ فَقَطْ، وجَعَلَ هاتَيْنِ مُدْهامَّتَيْنِ مِن شِدَّةِ النِعْمَةِ والأُولَيَيْنِ ذَواتا أفْنانٍ، وكُلُّ جَنَّةٍ ذاتُ أفْنانٍ وإنْ لَمْ تَكُنْ مُدْهامَّةً. وأكْثَرُ الناسِ عَلى التَأْوِيلِ الأوَّلِ، وهَذِهِ اسْتِدْلالاتٌ لَيْسَتْ بِقَواطِعَ، ورُوِيَ عن أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: جَنَّتانِ لِلْمُقَرَّبِينَ مِن ذَهَبٍ، وجَنَّتانِ لِأهْلِ اليَمِينِ مِن فِضَّةٍ هُما دُونَ الأوَّلِينَ. و"مُدْهامَّتانِ" مَعْناهُ: قَدْ عَلا لَوْنَها دُهْمَةٌ وسَوادٌ مِنَ النَضْرَةِ والخُضْرَةِ، كَذا فَسَّرَهُ ابْنُ الزُبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عنهُما عَلى المِنبَرِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِي أخْرَجَ المَرْعى﴾ [الأعلى: ٤] ﴿فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوى﴾ [الأعلى: ٥]. و"النَضّاخَةُ": الفَوّارَةُ الَّتِي يَهِيجُ ماؤُها، قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: المَعْنى: نَضّاخَتانِ بِأنْواعِ الفاكِهَةِ، وهَذا ضَعِيفٌ. وكَرَّرَ تَعالى "النَخْلُ والرُمّانُ" لِأنَّهُما لَيْسا مِنَ الفاكِهَةِ، وقالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وغَيْرُهُ، كَرَّرَهُما - وهُما مِن أفْضَلِ الفاكِهَةِ - تَشْرِيفًا لَهُما، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَمَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ﴾ [البقرة: ٩٨].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب