الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿ذَواتا أفْنانٍ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِما مِن كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِن إسْتَبْرَقٍ وجَنى الجَنَّتَيْنِ دانٍ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾
"مِن" في قَوْلِهِ تَعالى: "وَلِمَن خافَ" يُحْتَمَلُ أنْ تَقَعَ عَلى جَمِيعِ المُتَّصِفِينَ بِالخَوْفِ الزاجِرِ عن مَعاصِي اللهِ تَعالى، ويُحْتَمَلُ أنْ تَقَعَ لِواحِدٍ مِنهُمْ، وبِحَسَبِ هَذا قالَ بَعْضُ الناسِ في هَذِهِ الآيَةِ: إنَّ كُلَّ خائِفٍ لَهُ جَنَّتانِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ جَمِيعَ الخائِفِينَ لَهم جَنَّتانِ، و"المَقامُ" هو وُقُوفُ العَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ تَعالى، يُفَسِّرُهُ: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الناسُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦]، وأضافَ المَقامُ إلى اللهِ تَعالى مِن حَيْثُ هو بَيْنَ يَدَيْهِ. قالَ الثَعْلَبِيُّ: "مَقامَ رَبِّهِ" قِيامُهُ عَلى العَبْدِ، بَيانُهُ ﴿أفَمَن هو قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ﴾ [الرعد: ٣٣]، وحَكى الزَهْراوِيُّ هَذا المَعْنى عن مُجاهِدٍ، وفي هَذِهِ الإضافَةِ تَنْبِيهٌ عَلى صُعُوبَةِ المَوْقِفِ، وتَحْرِيضٌ عَلى الخَوْفِ الَّذِي هو أسْرَعُ المَطايا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وقالَ قَوْمٌ: أرادَ جَنَّةً واحِدَةً وثَنّى عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألْقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ﴾ [ق: ٢٤]، وقَوْلُ الحَجّاجِ: يا غُلامُ اضْرِبا عُنُقَهُ، وهَذا ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ مَعْنى التَثْنِيَةِ مُتَّجِهٌ بِلا وجْهٍ لِلْفِرارِ إلى هَذِهِ الشاذَّةِ، ويُؤَيِّدُ التَثْنِيَةَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَواتا أفْنانٍ﴾ وهي تَثْنِيَةُ "ذاتِ" لِأنَّ أصْلَ "ذاتٍ" ذَواتٌ.
و"الأفْنانِ" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَمْعٌ فَنَنٍ وهو الغُصْنُ، وهَذا قَوْلُ مُجاهِدٍ، فَكَأنَّهُ تَعالى مَدَحَها بِظِلالِها وتَكاثَفَ أغْصانَها، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَمْعُ فَنٍّ، وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ (p-١٧٨)رَضِيَ اللهُ عنهُما، فَكَأنَّهُ تَعالى مَدَحَها بِكَثْرَةِ أنْواعِ فَواكِهِها ونَعِيمِها. و"زَوْجانِ" مَعْناهُ: نَوْعانِ، و"مُتَّكِئِينَ" حالٌ، إمّا مِن مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: يَتَنَعَّمُونَ مُتَّكِئِينَ وإمّا مِن قَوْلِهِ تَعالى: "وَلِمَن خافَ"، و"الِاتِّكاءُ": جَلْسَةُ المُتَنَعِّمِ المُتَمَتِّعِ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "فُرُشٍ" بِضَمِّ الراءِ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "فُرْشٍ" بِسُكُونِ الراءِ، ورُوِيَ في الحَدِيثِ «أنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: هَذِهِ البَطائِنُ مِن إسْتَبْرَقٍ فَكَيْفَ الظَواهِرُ؟ قالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: "هِيَ مِن نُورٍ يَتَلَأْلَأُ"،» و"الإسْتَبْرَقُ" ما خَشُنَ وحَسُنَ مِنَ الدِيباجِ، و"السُنْدُسُ" ما رَقَّ مِنهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في لَفْظَةِ الإسْتَبْرَقِ، وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ: "مِن اسْتَبْرَقٍ" عَلى أنَّهُ فِعْلٌ والألِفُ وصْلٌ.
"والجَنى" ما يُجْتَنى مِنَ الثِمارِ، ووَصَفَهُ بِالدُنُوِّ لِأنَّهُ فِيما رُوِيَ في الحَدِيثِ يَتَناوَلُهُ الرَجُلُ عَلى أيِّ حالَةٍ كانَ مِن قِيامٍ أو جُلُوسٍ أوِ اضْطِجاعٍ لِأنَّهُ يَدْنُو إلى مُشْتَهِيهِ.
(p-١٧٩)والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: " فِيهِنَّ" لِلْفُرْشِ، وقِيلَ: لِلْجَنّاتِ؛ إذِ الجَنَّتانِ جَنّاتٌ في المَعْنى.
و: "قاصِراتُ الطَرْفِ" هُنَّ الحُورُ العَيْنُ قَصَرْنَ ألْحاظَهُنَّ عَلى أزْواجِهِنَّ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو عَنِ الكِسائِيِّ وحْدَهُ، وطَلْحَةُ، وعِيسى، وأصْحابُ عَلَيٍّ، وابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "يَطْمِثُهُنَّ" بِضَمِّ المِيمِ، وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "يَطْمِثُهُنَّ" بِكَسْرِ المِيمِ، والمَعْنى: لَمْ يَفْتَضِضْهُنَّ؛ لِأنَّ الطَمْثَ دَمُ الفَرْجِ فَيُقالُ لِدَمِ الحَيْضِ: طَمْثٌ، ويُقالُ لِدَمِ الِافْتِضاضِ: طَمْثٌ، فَإذا نُفِيَ الطَمْثُ فَقَدْ نُفِيَ القُرْبُ مِنهُنَّ بِجِهَةِ الوَطْءِ، قالَ الفَرّاءُ: لا يُقالُ "طَمْثٌ" إلّا إذا افْتَضَّ، وقالَ غَيْرُهُ: "طَمْثٌ" مَعْناهُ: جامَعَ بِكْرًا أو غَيْرَها.
واخْتَلَفَ الناسُ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: "وَلا جانَّ" - فَقالَ مُجاهِدٌ: الجِنُّ قَدْ تُجامِعُ نِساءَ البَشَرِ مَعَ أزْواجِهِنَّ إذا لَمْ يَذْكُرِ الزَوْجُ اللهَ تَعالى، فَتَنْفِي هَذِهِ الآيَةُ جَمِيعَ المُجامَعاتِ، وقالَ حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ: الجِنُّ في الجَنَّةِ لَهم قاصِراتُ الطَرْفِ مِنَ الجِنِّ نَوْعُهُمْ، فَنَفى في هَذِهِ الآيَةِ الِافْتِضاضَ عَنِ البُشْرَياتِ والجِنِّيّاتِ، ويَحْتَمِلُ اللَفْظُ أنْ يَكُونَ مُبالَغَةً وتَأْكِيدًا كَأنَّهُ تَعالى قالَ: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ شَيْءٌ، أرادَ العُمُومَ التامَّ لَكِنَّهُ صَرَّحَ مِن ذَلِكَ بِالَّذِي يَعْقِلُ مِنهُ أنْ يَطْمِثَ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ والطَبَرِيُّ: إنَّ مِنَ العَرَبِ مَن يَقُولُ: ما طَمَثَ هَذا البَعِيرُ حَبْلَ قَطُّ، أيْ: ما مَسَّهُ، فَإنَّ كانَ هَذا المَعْنى: ما أدْماهُ حَبْلٌ، فَهو يَقْرُبُ مِنَ الأوَّلِ، وإلّا فَهو مَعْنًى آخَرُ غَيْرُ ما قَدَّمْناهُ. وقَرَأ الحَسَنُ، وعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ: "وَلا جَأْنٌ" بِالهَمْزِ.
{"ayahs_start":46,"ayahs":["وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","ذَوَاتَاۤ أَفۡنَانࣲ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِمَا عَیۡنَانِ تَجۡرِیَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِمَا مِن كُلِّ فَـٰكِهَةࣲ زَوۡجَانِ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَاۤىِٕنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقࣲۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَیۡنِ دَانࣲ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","فِیهِنَّ قَـٰصِرَ ٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ یَطۡمِثۡهُنَّ إِنسࣱ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَاۤنࣱّ","فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"],"ayah":"فِیهِنَّ قَـٰصِرَ ٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ یَطۡمِثۡهُنَّ إِنسࣱ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَاۤنࣱّ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق