الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ كالفَخّارِ﴾ ﴿وَخَلَقَ الجانَّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ﴾ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ قالَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: "الإنْسانَ": آدَمُ عَلَيْهِ السَلامُ، وقالَ آخَرُونَ: أرادَ اسْمَ الجِنْسِ، وساغَ ذَلِكَ مِن حَيْثُ إنَّ أباهم مَخْلُوقٌ مِنَ الصَلْصالِ. واخْتَلَفَ الناسُ في اشْتِقاقِ الصَلْصالِ، فَقالَ مَكِّيٌّ -فِيما حَكى- والنَقّاشُ: هو "مِن صَلَّ اللَحْمُ وغَيْرِهِ" إذا أنْتَنَ، فَهي إشارَةٌ إلى الحَمْأةِ، وقالَ الطَبَرِيُّ وجُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: هو مِن "صَلَّ" إذا صَوَّتَ، وذَلِكَ في الطِينِ لِكَرَمِهِ وجَوْدَتِهِ، فَهي إشارَةٌ إلى ما كانَ في تُرْبَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَلامُ مِنَ الطِينِ الحُرِّ، وذَلِكَ أنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَهُ مِن طِينٍ طَيِّبٍ وخَبِيثٍ ومُخْتَلِفِ اللَوْنِ، فَمَرَّةً ذَكَرَ في خَلْقِهِ هَذا ومَرَّةً هَذا، وكُلُّ ما في القُرْآنِ في ذَلِكَ صِفاتٌ تَرَدَّدَتْ عَلى التُرابِ الَّذِي خُلِقَ مِنهُ. والفَخّارُ: الطِينُ الطَيِّبُ إذا مَسَّهُ الماءُ فَخَرَّ أيْ: رَبا وعَظُمَ. و"الجانَّ": اسْمُ جِنْسٍ كالجِنَّةِ، و"المارِجُ": اللهَبُ المُضْطَرِبُ مِنَ النارِ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ (p-١٦٥)رَضِيَ اللهُ عنهُما: وهو أحْسَنُ النارِ المُخْتَلِطِ مِن ألْوانِ الشَتّى، «وَقالَ النَبِيُّ ﷺ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عنهُما: "كَيْفَ بِكَ إذا كُنْتَ في حُثالَةٍ مِنَ الناسِ قَدْ مَرَجَتْ عُهُودُهم وأمانَتُهُمْ".» وكَرَّرَ قَوْلَهُ تَعالى: ( فَبِأيِ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) تَأْكِيدًا وتَنْبِيهًا لِنُفُوسٍ وتَحْرِيكًا لَها، وهَذِهِ طَرِيقَةٌ مِنَ الفَصاحَةِ مَعْرُوفَةٌ، وهي مِن كِتابِ اللهِ تَعالى في مَواضِعَ، وفي حَدِيثِ النَبِيِّ ﷺ، وفي كَلامِ العَرَبِ. وذَهَبَ قَوْمٌ مِنهُمُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وغَيْرُهُ إلى أنَّ هَذا التَكْرارَ إنَّما هو لَمّا اخْتَلَفَتِ النِعَمُ المَذْكُورَةُ كَرَّرَ التَوْقِيفُ مَعَ كُلِّ واحِدَةٍ مِنها وهَذا أحْسَنُ، قالَ الحُسَيْنُ بْنُ الفَضْلِ: التَكْرارُ لِطَرْدِ الغَفْلَةِ والتَأْكِيدِ. وخَصَّ تَعالى ذِكْرَ المَشْرِقَيْنِ والمَغْرِبَيْنِ بِالتَشْرِيفِ في إضافَةِ الرَبِّ إلَيْهِما لِعَظْمِهِما في المَخْلُوقاتِ، وأنَّهُما طَرَفا آيَةٍ عَظِيمَةٍ وعِبْرَةٍ وهي الشَمْسُ وجَرْيُها، وحَكى النَقّاشُ أنَّ "المَشْرِقَيْنِ" هُما مَشْرِقُ الشَمْسِ والقَمَرِ، و"المَغْرِبَيْنِ" كَذَلِكَ، عَلى ما في ذَلِكَ مِنَ العِبَرِ، وكُلٌّ مُتَّجَهٌ، ومَتى وقَعَ ذِكْرُ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ فَهي إشارَةٌ إلى الناحِيَتَيْنِ بِجُمْلَتِهِما، ومَتى وقَعَ ذِكْرُ المَشارِقِ والمَغارِبِ فَهي إشارَةٌ إلى مَشْرِقِ كُلِّ يَوْمِ ومَغْرِبِهِ، ومَتى ذَكَرَ المَشْرِقانِ والمَغْرِبانِ فَهي إشارَةٌ إلى نِهايَتِيِ المَشارِقِ والمَغارِبِ؛ لِأنَّ ذِكْرَ نِهايَتِيِ الشَيْءِ ذِكْرٌ لِجَمِيعِهِ، وقالَ مُجاهِدٌ: هو مَشْرِقُ الصَيْفِ ومَغْرِبُهُ ومَشْرِقُ الشِتاءِ ومَغْرِبُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب