الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ أنْذَرَهم بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُذُرِ﴾ ﴿وَلَقَدْ راوَدُوهُ عن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهم فَذُوقُوا عَذابِي ونُذُرِ﴾ ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهم بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾ ﴿فَذُوقُوا عَذابِي ونُذُرِ﴾ ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ ﴿وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُذُرُ﴾ ﴿كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأخَذْناهم أخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ ﴿أكُفّارُكم خَيْرٌ مِن أُولَئِكم أمْ لَكم بَراءَةٌ في الزُبُرِ﴾ ﴿أمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ﴾ المَعْنى: ولَقَدْ أنْذَرَ لُوطٌ قَوْمَهُ أخَذْنا إيّاهم وبَطَشْنا بِهِمْ، أيْ: عَذابُنا لَهُمْ، و"تُمارَوْا" مَعْناهُ: تَشَكَّكُوا وأهْدى بَعْضُهُمُ الشَكَّ إلى بَعْضٍ بِتَعاطِيهِمُ الشُبَهَ والضَلالَ، و"النُذُرُ" جَمْعُ نَذِيرٍ وهو المَصْدَرُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِالنُذُرِ هُنا وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ (p-١٥٢)بِالنُذُرِ﴾ [القمر: ٣٣] جَمْعُ نَذِيرٍ الَّذِي هو اسْمُ الفاعِلِ. و"الضَيْفُ" يَقَعُ لِلْواحِدِ والجَمِيعِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أضْيافِهِ وقِصَصِهِمْ مُسْتَوْعِبًا. وقَوْلُهُ تَعالى: "فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ" قالَ قَتادَةُ: هي حَقِيقَةٌ، جَرَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ شَيْئًا مِن جَناحِهِ عَلى أعْيُنِهِمْ فاسْتَوَتْ مَعَ وُجُوهِهِمْ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: مَطْمُوسَةٌ بِجِلْدٍ كالوَجْهِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والضَحّاكُ: هي اسْتِعارَةٌ، وإنَّما حَجَبَ إدْراكَهم فَدَخَلُوا المَنزِلَ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَجَعَلَ ذَلِكَ كالطَمْسِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "بُكْرَةً" قِيلَ: كانَ ذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَمْسِ، وأدْغَمَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ الدالَّ في الصادِ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: "وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ"، والجُمْهُورُ عَلى غَيْرِ الإظْهارِ، و"بُكْرَةً" نَكِرَةٌ هاهُنا فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ. وقَوْلُهُ تَعالى: "فَذُوقُوا عَذابِي" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِ اللهِ تَعالى لَهُمْ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِ المَلائِكَةِ، و"نُذُرِ" جَمْعُ المَصْدَرِ، أيْ: وعاقِبَةُ نُذُرِي الَّتِي كَذَّبْتُمْ بِها، وقالَ تَعالى: "مُسْتَقِرٍّ" في صِفَةِ العَذابِ لِأنَّهُ لَمْ يَكْشِفْ عنهم كاشِفٌ بَلِ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِمْ، وهم مُدَّةُ مَوْتِهِمْ تَحْتَ الأرْضِ مُعَذَّبُونَ بِانْتِظارِ جَهَنَّمَ ثُمَّ يَتَّصِلُ ذَلِكَ بِعَذابِ النارِ فَهو أمْرٌ مُتَّصِلٌ مُسْتَقِرٌّ، وكَرَّرَ قَوْلُهُ تَعالى: ( فَذُوقُوا عَذابِي ونُذُرِ ) تَأْكِيدًا وتَوْبِيخًا، ورَوى ورْشٌ عن نافِعٍ: "وَنُذُرِي" بِياءٍ. و"آلَ فِرْعَوْنَ" قَوْمُهُ وأتْباعُهُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ فَلا تَبْكِ مَيْتًا بَعْدَ مَيْتٍ أجَنَّهُ عَلِيٌّ وعَبّاسٌ وآلُ أبِي بَكْرِ يُرِيدُ المُسْلِمِينَ في مُواراةِ النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِـ "آلِ فِرْعَوْنَ" قَرابَتُهُ عَلى عُرْفِ الآلِ، وخَصَّهم بِالذِكْرِ لِأنَّهم عُمْدَةُ القَوْمِ وكُبَراؤُهم. وقَوْلُهُ تَعالى: "كَذَّبُوا بِآياتِنا" يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ آلَ فِرْعَوْنَ المَذْكُورِينَ أخَذْناهم كَذَلِكَ، يُرِيدُهم بِالضَمِيرِ لِأنَّ ذَلِكَ الإغْراقَ الَّذِي كانَ في البَحْرِ كانَ بِالعِزَّةِ والقُدْرَةِ، ويَكُونُ قَوْلُهُ: "بِآياتِنا" يُرِيدُ بِها التِسْعَ، ثُمَّ أكَّدَ بِقَوْلِهِ: "كُلَّها"، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَبارَكَ وتَعالى: ﴿وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُذُرُ﴾ كَلامًا تامًّا ثُمَّ يَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَّبُوا بِآياتِنا (p-١٥٣)كُلِّها﴾ يَعُودُ الضَمِيرُ في "كَذَّبُوا" عَلى جَمِيعِ مَن ذَكَرَ مِنَ الأُمَمِ، ويَجِيءُ جَمِيعُ الآياتِ مُسْتَقِيمًا، ويَجِيءُ قَوْلُهُ تَعالى: "فَأخَذْناهُمْ" كَذَلِكَ يَعُودُ عَلى جَمِيعِ الأُمَمِ المَذْكُورَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أكُفّارُكم خَيْرٌ مِن أُولَئِكُمْ﴾ الآيَةُ... خِطابٌ لِقُرَيْشٍ، وقَّفَهم عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ، أثَمَّ خَصْلَةٌ مِن مالٍ أو قُوَّةُ أبْدانٍ وبَسْطَةٌ أو عَقْلٌ أو غَيْرُ ذَلِكَ مِمّا يَقْتَضِي أنَّكم خَيْرٌ مِن هَؤُلاءِ المُعَذَّبِينَ لَمّا كَذَّبُوا، فَيُرْجى لَكم -بِذَلِكَ الفَضْلِ- النَجاةُ مِنَ العَذابِ حِينَ كَذَّبْتُمْ رَسُولَكُمْ؟ أمْ لَكم في كُتُبِ اللهِ تَعالى المُنَزَّلَةِ بَراءَةٌ مِنَ العَذابِ؟ قالَهُ الضَحّاكُ، وابْنُ زَيْدٍ، وعِكْرِمَةُ. ثُمَّ قالَ تَعالى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: أمْ يَقُولُونَ جَمِيعٌ واثِقُونَ بِأنّا مُنْتَصِرُونَ بِقُوَّتِنا عَلى جِهَةِ الإعْجابِ والتَعاطِي، سَيُهْزَمُونَ فَلا يَنْفَعُ جَمْعُهُمْ، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "أمْ تَقُولُونَ" بِالتاءِ مِن فَوْقٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب