الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ المَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثى﴾ ﴿وَما لَهم بِهِ مِن عِلْمٍ إنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَنَّ وإنَّ الظَنَّ لا يُغْنِي مِن الحَقِّ شَيْئًا﴾ ﴿فَأعْرِضْ عن مَن تَوَلّى عن ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إلا الحَياةَ الدُنْيا﴾ ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهم مِنَ العِلْمِ إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عن سَبِيلِهِ وهو أعْلَمُ بِمَن اهْتَدى﴾ ﴿وَلِلَّهِ ما في السَماواتِ وما في الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءُوا بِما عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أحْسَنُوا بِالحُسْنى﴾ ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ هم كُفّارُ العَرَبِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيُسَمُّونَ المَلائِكَةَ﴾ مَعْناهُ: لَيَصِفُونَ المَلائِكَةَ بِأوصافِ الأُنُوثَةِ، وأخْبَرَ اللهُ تَعالى عنهم أنَّهم لا عِلْمَ لَهم بِذَلِكَ، وإنَّما هي ظُنُونٌ مِنهم لا حُجَّةَ لَهم عَلَيْها، وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "مِن عِلْمٍ إلّا اتِّباعَ الظَنِّ"، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنَّ الظَنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا﴾ يَعْنِي: في المُعْتَقَداتِ والمَواضِعِ الَّتِي يُرِيدُ الإنْسانُ أنْ يُحَرِّرَ ما يَفْعَلُ ويَعْتَقِدُ، فَإنَّها مَواضِعُ حَقائِقَ لا تَنْفَعُ الظُنُونُ فِيها، وأمّا في الأحْكامِ وظَواهِرِها فَيُجْتَزَأُ فِيها بِالمَظْنُوناتِ. ثُمَّ سَلّى تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ وأمَرَهُ بِالإعْراضِ عن هَؤُلاءِ الكَفَرَةِ، وما في الآيَةِ مِن مُوادَعَتِهِمْ مَنسُوخٌ بِآيَةِ السَيْفِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَمْ يُرِدْ إلا الحَياةَ الدُنْيا﴾ مَعْناهُ لا يَصْدُقُ بِغَيْرِها، وسَعْيُهُ وعَمَلُهُ إنَّما هو لِدُنْياهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهم مِنَ العِلْمِ﴾ مَعْناهُ: هُنا انْتَهى تَحْصِيلُهم مِنَ المَعْلُوماتِ، وذَلِكَ أنَّ المَعْلُوماتِ مِنها ما هي مَعْقُولاتٌ نافِعَةٌ في الآخِرَةِ، ومِنها ما هي أُمُورٌ فانِيَةٌ (p-١٢٠)وَأشْخاصٌ بائِدَةٌ كالفَلّاحَةِ وكَثِيرٌ مِنَ الصَنائِعِ وطَلَبُ الرِياسَةِ عَلى الناسِ بِالمُخْرِقَةِ، وكُلُّها مَعْلُوماتٌ ولَها عِلْمٌ، ومَبْلَغُ عِلْمِ الكَفَرَةِ إنَّما هو في هَذِهِ الدُنْياوِيّاتِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ﴾ الآيَةُ... مُتَّصِلٌ في مَعْنى التَسْلِيَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأعْرِضْ عن مَن تَوَلّى عن ذِكْرِنا﴾، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ هو أعْلَمُ﴾ الآيَةُ... وعِيدٌ لِلْكُفّارِ ووَعْدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وأسْنَدَ الضَلالَةَ والهُدى إلَيْهِمْ بِكَسْبِهِمْ وإنْ كانَ الجَمِيعُ خَلْقًا لَهُ واخْتِراعًا، واللامُ في قَوْلِهِ: "لِيَجْزِيَ" مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: "ضَلَّ"، وبِقَوْلِهِ تَعالى: "اهْتَدى"، فَكَأنَّهُ تَعالى قالَ: لِيَصِيرَ أمْرُهم جَمِيعًا إلى أنْ يُجْزِيَ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ ما في السَماواتِ وما في الأرْضِ﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ الكَلامَيْنِ، وقالَ بَعْضُ النَحْوِيِّينَ: اللامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِما في المَعْنى مِنَ التَقْدِيرِ، لِأنَّ تَقْدِيرَهُ: ولِلَّهِ ما في السَماواتِ وما في الأرْضِ يَضِلُّ مَن يَشاءُ ويَهْدِي مَن يَشاءُ لِيَجْزِيَ. والنَظَرُ الأوَّلُ أقَلُّ تَكَلُّفًا مِن هَذا الإضْمارِ، وقالَ قَوْمٌ: اللامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى في أوَّلِ السُورَةِ: ﴿إنْ هو إلا وحْيٌ يُوحى﴾ [النجم: ٤] وهَذا بَعِيدٌ. و: "الحُسْنى" هي الجَنَّةُ، ولا حُسْنى دُونَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب