الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿واسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ المُنادِ مِن مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَيْحَةَ بِالحَقِّ ذَلِكَ يَوْمَ الخُرُوجِ﴾ ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِي ونُمِيتُ وإلَيْنا المَصِيرُ﴾ ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عنهم سِراعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ﴾ ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَن يَخافُ وعِيدِ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: "واسْتَمِعْ" هو بِمَنزِلَةٍ، "وانْتَظِرْ"، وذَلِكَ أنَّ مُحَمَّدًا ﷺ لَمْ يُؤْمَرْ بِأنْ يَسْتَمِعَ في يَوْمِ النِداءِ لِأنَّ كُلَّ مَن فِيهِ يَسْتَمِعُ، وإنَّما الآيَةُ في مَعْنى الوَعِيدِ لِلْكُفّارِ، وقِيلَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ تَحَسَّسْ وتَسَمَّعْ هَذا اليَوْمَ وارْتَقِبْهُ فَإنَّ فِيهِ تَبْيِينُ صِحَّةِ ما قُلْتَهُ، وهَذا كَما تَقُولُ لِمَن تَعِدُهُ بِوُرُودِ فَتْحٍ: اسْتَمِعْ كَذا وكَذا، أيْ كُنْ مُنْتَظِرًا لَهُ مُسْتَمِعًا، فَعَلى هَذا فَنَصَبَ "يَوْمَ" إنَّما هو عَلى المَفْعُولِ الصَرِيحِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ "المُنادِي" بِالياءِ وصْلًا ووَقْفًا عَلى الأصْلِ الَّذِي هو ثُبُوتُها؛ إذًا الكَلامُ غَيْرُ تامٍّ، وإنَّما الحَذْفُ أبَدًا في الفَواصِلِ وفى الكَلامِ التامِّ تَشْبِيهًا بِالفَواصِلِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ بِالوَقْفِ بِغَيْرِ ياءٍ لِأنَّ الوَقْفَ مَوْضِعُ تَغْيِيرٍ، ألا تَرى أنَّها تُبَدَّلُ مِنَ التاءِ فِيهِ الهاءُ في نَحْوِ " طَلْحَةُ " و" حَمْزَةُ "، ويُبَدِّلُ مِنَ التَنْوِينِ الألِفُ، ويَضْعُفُ فِيهِ الحَرْفُ كَقَوْلِكَ: هَذا فَوْجٌ، ويُحْذَفُ فِيهِ الحَرْفُ (p-٥٩)فِي القَوافِي. وقَرَأ الباقُونَ، وطَلْحَةُ، والأعْمَشُ، وعِيسى بِحَذْفِ الياءِ وصْلًا ووَقْفًا، اتِّباعًا لِخَطِّ المُصْحَفِ، وأيْضًا فَإنَّ الياءَ تُحْذَفُ مَعَ التَنْوِينِ، فَوَجَبَ أنْ تُحْذَفَ مَعَ مُعاقِبِ التَنْوِينِ، وهُما الألِفُ واللامُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن مَكانٍ قَرِيبٍ﴾، قِيلَ وصَفَهُ بِالقُرْبِ مِن حَيْثُ يَسْمَعُ جَمِيعَ الخَلائِقِ، ورُوِيَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ: «أنَّ مَلَكًا يُنادِي مِنَ السَماءِ: أيَّتُها الأجْسامُ الهامِدَةُ، والعِظامُ البالِيَةُ، والرِمَمُ الواهِيَةُ، هَلُمَّ إلى الحَشْرِ والوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعالى.» وقالَ كَعْبُ الأحْبارِ، وقَتادَةُ، وغَيْرُهُما: المَكانُ صَخْرَةُ بَيْتِ المَقْدِسِ، واخْتَلَفُوا في مَعْنى صِفَتِهِ بِالقُرْبِ، فَقالَ قَوْمٌ: وصْفُها بِذَلِكَ لِقُرْبِها مِنَ النَبِيِّ ﷺ أيْ: مِن مَكَّةَ، وقالَ كَعْبُ الأحْبارِ: وصْفُها بِالقُرْبِ مِنَ السَماءِ، ورُوِيَ أنَّها أقْرَبُ الأرْضِ إلى السَماءِ بِثَمانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، وهَذا الخَبَرُ إنْ كانَ بِوَحْيٍ، وإلّا فَلا سَبِيلَ لِلْوُقُوفِ عَلى صِحَّتِهِ.
و"الصَيْحَةُ" هي صَيْحَةُ المُنادِي، و"الخُرُوجِ" هو مِنَ القُبُورِ، و: "يَوْمَهُ" هو يَوْمَ القِيامَةِ، و"يَوْمُ الخُرُوجِ" في الدُنْيا هو يَوْمُ العِيدِ، قالَ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ:
؎ ولَأنْتَ أحْسُنُ إذْ بَرَزَتْ لَنا يَوْمَ الخُرُوجِ بِساحَةِ القَصْرِ
مِن دُرَّةٍ أغْلى بِهامِلِكَ مِمّا تَرَبَّبَ حائِرُ البَحْرِ
قَوْلُهُ تَعالى: "يَوْمَ تَشَقَّقُ"، العامِلُ في "يَوْمَ" هو "المَصِيرُ". وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ بِتَشْدِيدِ الشِينِ، والباقُونَ خَفَّفُوها. و"سِراعًا" حالٌ، قالَ بَعْضُ النَحْوِيِّينَ: هي مِنَ الضَمِيرِ في قَوْلِهِ تَعالى: "عنهُمْ"، والعامِلُ في الحالِ "تَشَقَّقُ"، وقالَ بَعْضُهُمُ التَقْدِيرُ: يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عنهم يَخْرُجُونَ سِراعًا، فالحالُ مِنَ الضَمِيرِ في (p-٦٠)"يَخْرُجُونَ"، والعامِلُ "يَخْرُجُونَ"، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ﴾ مُعادِلٌ لِقَوْلِ الكَفَرَةِ: ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ [ق: ٣].
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَحْنُ أعْلَمُ بِما يَقُولُونَ﴾ وعِيدٌ مَحْضٌ لِلْكَفَرَةِ، واخْتَلَفَ الناسُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبّارٍ﴾ فَقالَ قَتادَةُ: نَهى اللهُ تَعالى عَنِ التَجَبُّرِ، وتَقَدَّمَ فِيهِ، فَمَعْناهُ: وما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِمُتَعَظِّمٍ، مِنَ الجَبَرُوتِ، وقالَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ: مَعْناهُ: وما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَلِّطٍ تَجَبُّرَهم عَلى الإيمانِ، ويُقالُ: جَبَرْتُهُ عَلى كَذا، أيْ قَسَرْتُهُ، فَـ "جَبّارٌ" مُبالَغَةٌ مِن جَبَرَ، وأنْشَدَ المُفَضَّلُ:
؎ عَصَيْنا عَزْمَةَ الجَبّارِ حَتّى ∗∗∗ صَحِبْنا الخَوْفَ إلْفًا مُعَلِّمِينا
قالَ: أرادَ بِالجَبّارِ النُعْمانَ بْنَ المُنْذِرِ لِوِلايَتِهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ نَصْبَ "عَزْمَةَ" عَلى المَصْدَرِ وأرادَ: عَصَيْنا مُقْدِمِينَ عَزْمَةَ جَبّارٍ، فَمَدَحَ نَفْسَهُ وقَوْمَهُ بِالعُتُوِّ والِاسْتِعْلاءِ، أخْلاقُ الجاهِلِيَّةِ والحَياةِ الدُنْيا، ورَوى ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما «أنَّ المُؤْمِنِينَ قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، لَوْ خَوَّفْتَنا، فَنَزَلَتْ: ﴿فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَن يَخافُ وعِيدِ﴾.»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولَوْ لَمْ يَكُنْ هَذا سَبَبًا فَإنَّهُ لَمّا أعْلَمَهُ أنَّهُ لَيْسَ بِمُسَلَّطٍ عَلى جَبْرِهِمْ أمَرَهُ بِالِاقْتِصارِ عَلى تَذْكِيرِ الخائِفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ.
كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ ق
{"ayahs_start":41,"ayahs":["وَٱسۡتَمِعۡ یَوۡمَ یُنَادِ ٱلۡمُنَادِ مِن مَّكَانࣲ قَرِیبࣲ","یَوۡمَ یَسۡمَعُونَ ٱلصَّیۡحَةَ بِٱلۡحَقِّۚ ذَ ٰلِكَ یَوۡمُ ٱلۡخُرُوجِ","إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِۦ وَنُمِیتُ وَإِلَیۡنَا ٱلۡمَصِیرُ","یَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعࣰاۚ ذَ ٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَیۡنَا یَسِیرࣱ","نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا یَقُولُونَۖ وَمَاۤ أَنتَ عَلَیۡهِم بِجَبَّارࣲۖ فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن یَخَافُ وَعِیدِ"],"ayah":"یَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعࣰاۚ ذَ ٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَیۡنَا یَسِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق