الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عن مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ﴿تَرى كَثِيرًا مِنهم يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهم أنْفُسُهم أنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وفي العَذابِ هم خالِدُونَ﴾ ﴿وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ والنَبِيِّ وما أُنْزِلَ إلَيْهِ ما اتَّخَذُوهم أولِياءَ ولَكِنَّ كَثِيرًا مِنهم فاسِقُونَ﴾
ذَمَّ اللهُ تَعالى هَذِهِ الفِرْقَةَ المَلْعُونَةَ بِأنَّهم ﴿كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عن مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ ؛ (p-٢٢٩)أيْ أنَّهم كانُوا يَتَجاهَرُونَ بِالمَعاصِي؛ وإنْ نَهى مِنهم ناهٍ فَعن غَيْرِ جَدٍّ؛ بَلْ كانُوا لا يَمْتَنِعُ المُمْسِكُ مِنهم عن مُواصَلَةِ العاصِي ومُؤاكَلَتِهِ وخُلْطَتِهِ؛ ورَوى ابْنُ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: « "إنَّ الرَجُلَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ كانَ إذا رَأى أخاهُ عَلى ذَنْبٍ نَهاهُ عنهُ تَعْزِيرًا؛ فَإذا كانَ مِنَ الغَدِ لَمْ يَمْنَعْهُ ما رَأى مِنهُ أنْ يَكُونَ خَلِيطَهُ وأكِيلَهُ؛ فَلَمّا رَأى اللهُ ذَلِكَ مِنهم ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضِهِمْ عَلى بَعْضٍ؛ ولَعَنَهم عَلى لِسانِ نَبِيِّهِمْ داوُدَ؛ وعِيسى - عَلَيْهِما السَلامُ"؛ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وكانَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مُتَّكِئًا فَجَلَسَ؛ وقالَ: "لا واللهِ حَتّى تَأْخُذُوا عَلى يَدَيِ الظالِمِ فَتَأْطُرُوهُ عَلى الحَقِّ أطْرًا".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: والإجْماعُ عَلى أنَّ النَهْيَ عَنِ المُنْكَرِ واجِبٌ لِمَن أطاقَهُ؛ ونَهى بِمَعْرُوفٍ؛ وأمِنَ الضَرَرَ عَلَيْهِ وعَلى المُسْلِمِينَ؛ فَإنْ تَعَذَّرَ عَلى أحَدٍ النَهْيُ لِشَيْءٍ مِن هَذِهِ الوُجُوهِ؛ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ الإنْكارُ بِقَلْبِهِ؛ وألّا يُخالِطُ ذا المُنْكَرِ.
وقالَ حُذّاقُ أهْلِ العِلْمِ: لَيْسَ مِن شُرُوطِ الناهِي أنْ يَكُونَ سَلِيمًا مِنَ المَعْصِيَةِ؛ بَلْ يَنْهى العُصاةُ بَعْضُهم بَعْضًا؛ وقالَ بَعْضُ الأُصُولِيِّينَ: فَرْضٌ عَلى الَّذِينَ يَتَعاطَوْنَ الكُؤُوسِ أنْ يَنْهى بَعْضُهم بَعْضًا؛ واسْتَدَلَّ قائِلُ هَذِهِ المَقالَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: "يَتَناهَوْنَ"؛ و"فَعَلُوهُ"؛ يَقْتَضِي اشْتِراكَهم في الفِعْلِ؛ وذَمَّهم عَلى تَرْكِ التَناهِي.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ ؛ اَللّامُ لامُ قَسَمٍ؛ وجَعَلَ الزَجّاجُ "ما" مَصْدَرِيَّةً؛ وقالَ: اَلتَّقْدِيرُ: "لَبِئْسَ شَيْئًا فِعْلُهُمْ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفي هَذا نَظَرٌ؛ وقالَ غَيْرُهُ: "ما" نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ؛ التَقْدِيرُ: "لَبِئْسَ الشَيْءُ الَّذِي كانُوا يَفْعَلُونَ فِعْلًا".
وقَوْلُهُ تَعالى لِمُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: ﴿تَرى كَثِيرًا﴾ ؛ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ رُؤْيَةَ قَلْبٍ؛ وعَلى هَذا فَيُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: مِنَ الأسْلافِ المَذْكُورِينَ؛ أيْ: "تَرى الآنَ إذا خَبَّرْناكَ"؛ ويُحْتَمَلُ (p-٢٣٠)أنْ يُرِيدَ: مِن مُعاصِرِي مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ لِأنَّهُ كانَ يَرى ذَلِكَ مِن أُمُورِهِمْ؛ ودَلائِلِ حالِهِمْ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ رُؤْيَةَ عَيْنٍ؛ فَلا يُرِيدَ إلّا مُعاصِرِي مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهم أنْفُسُهُمْ﴾ ؛ أيْ: قَدَّمَتْهُ لِلْآخِرَةِ واجْتَرَحَتْهُ؛ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾ ؛ فَإنَّ "سَخِطَ"؛ في مَوْضِعِ بَدَلٍ مِن "ما"؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَقْدِيرُ: "هُوَ أنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ"؛ وقالَ الزَجّاجُ: "أنْ"؛ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى تَقْدِيرِ: "بِأنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ".
وقَوْلُهُ تَعالى: "والنَبِيِّ" - إنْ كانَ المُرادُ الأسْلافَ - فالنَبِيُّ داوُدُ؛ وعِيسى - عَلَيْهِما السَلامُ -؛ وإنْ كانَ المُرادُ مُعاصِرِي مُحَمَّدٍ فالنَبِيُّ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -؛ و﴿ "الَّذِينَ كَفَرُوا"؛﴾ هم عَبَدَةُ الأوثانِ؛ وخُصَّ الكَثِيرُ مِنهم بِالفِسْقِ؛ إذْ فِيهِمْ قَلِيلٌ قَدْ آمَنَ.
وذَهَبَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿تَرى كَثِيرًا مِنهُمْ﴾ ؛ كَلامٌ مُنْقَطِعٌ مِن ذِكْرِ بَنِي إسْرائِيلَ؛ وأنَّهُ يُعْنى بِهِ المُنافِقُونَ؛ وقالَ مُجاهِدٌ - رَحِمَهُ اللهُ -: ﴿وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ يُعْنى بِها المُنافِقُونَ.
{"ayahs_start":79,"ayahs":["كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرࣲ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ","تَرَىٰ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ یَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ وَفِی ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَـٰلِدُونَ","وَلَوۡ كَانُوا۟ یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِیِّ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِیرࣰا مِّنۡهُمۡ فَـٰسِقُونَ"],"ayah":"كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرࣲ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق