الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَصارى أولِياءَ بَعْضُهم أولِياءَ بَعْضٍ ومَن يَتَوَلَّهم مِنكم فَإنَّهُ مِنهم إنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظالِمِينَ﴾ ﴿فَتَرى الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسى اللهُ أنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ أو أمْرٍ مِن عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أسَرُّوا في أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ﴾
نَهى اللهُ تَعالى المُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الآيَةِ عَنِ اتِّخاذِ اليَهُودِ والنَصارى أولِياءَ في النُصْرَةِ؛ والخُلْطَةِ المُؤَدِّيَةِ إلى الِامْتِزاجِ؛ والمُعاضَدَةِ؛ وحُكْمُ هَذِهِ الآيَةِ باقٍ؛ وكُلُّ مَن أكْثَرَ مُخالَطَةَ هَذَيْنِ الصِنْفَيْنِ فَلَهُ حَظُّهُ مِن هَذا المَقْتِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: "فَإنَّهُ مِنهُمْ"؛ وأمّا مُعامَلَةُ اليَهُودِيِّ والنَصْرانِيِّ مِن غَيْرِ مُخالَطَةٍ ولا مُلامَسَةٍ؛ فَلا تَدْخُلُ في النَهْيِ؛ وقَدْ عامَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَهُودِيًّا ورَهَنَهُ دِرْعَهُ.
واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في سَبَبِ هَذِهِ الآيَةِ؛ فَقالَ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ ؛ والزُهْرِيُّ ؛ وابْنُ إسْحاقَ ؛ وغَيْرُهُمْ: سَبَبُها أنَّهُ لَمّا انْقَضَتْ بَدْرٌ وشَجَرَ أمْرُ بَنِي قَيْنُقاعَ؛ أرادَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قَتْلَهُمْ؛ فَقامَ دُونَهم عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ؛ وكانَ حَلِيفًا لَهُمْ؛ وكانَ لِعُبادَةَ بْنِ الصامِتِ مِن حِلْفِهِمْ مِثْلُ ما لِعَبْدِ اللهِ؛ فَلَمّا رَأى عُبادَةُ مَنزَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وما سَلَكَتْهُ يَهُودٌ مِنَ المُشاقَّةِ لِلَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ جاءَ إلى النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ؛ إنِّي أبْرَأُ إلى اللهِ مِن حِلْفِ يَهُودٍ ووَلائِهِمْ؛ ولا أُوالِي إلّا اللهَ ورَسُولَهُ؛ وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ: أمّا أنا فَلا أبْرَأُ مِن ولاءِ يَهُودٍ؛ فَإنِّي لا بُدَّ لِي مِنهُمْ؛ إنِّي رَجُلٌ أخافَ الدَوائِرَ.
وحَكى ابْنُ إسْحاقَ في السِيَرِ «أنَّهُ قامَ إلى رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَأدْخَلَ يَدَهُ في جَيْبِ دِرْعِهِ وقالَ: يا مُحَمَّدُ؛ أحْسِنْ في مُوالِيَّ؛ فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "أرْسِلِ الدِرْعَ مِن يَدِكَ"؛ (p-١٩٠)فَقالَ: لا واللهِ؛ حَتّى تَهَبَهم لِي؛ لِأنَّهم ثَلاثُمِائَةِ دارِعٍ وأرْبَعُمِائَةِ حاسِرٍ؛ أفَأدَعُكَ تَحْصُدُهم في غَداةٍ واحِدَةٍ؟ فَقالَ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: "قَدْ وهَبْتُهم لَكَ"؛» ونَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ.
وقالَ السُدِّيُّ: سَبَبُ هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لَمّا نَزَلَ بِالمُسْلِمِينَ أمْرُ أُحُدٍ فَزِعَ مِنهم قَوْمٌ؛ وقالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: نَأْخُذُ مِنَ اليَهُودِ عَصْمًا لِيُعاضِدُونا إنْ ألَمَّتْ بِنا قاصِمَةٌ مِن قُرَيْشٍ وسائِرِ العَرَبِ؛ فَنَزَلَتِ الآيَةُ في ذَلِكَ.
وقالَ عِكْرِمَةُ: سَبَبُ الآيَةِ أمْرُ أبِي لُبابَةَ بْنِ عَبْدِ المُنْذِرِ؛ وإشارَتِهِ إلى قُرَيْظَةَ أنَّهُ الذَبْحُ؛ حِينَ اسْتَفْهَمُوهُ عن رَأْيِهِ في نُزُولِهِمْ عَلى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعاذٍ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وكُلُّ هَذِهِ الأقْوالِ مُحْتَمَلٌ؛ وأوقاتُ هَذِهِ النَوازِلِ مُخْتَلِفَةٌ.
وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ؛ وابْنُ عَبّاسٍ: "لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَصارى أرْبابًا بَعْضُهُمْ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَعْضُهم أولِياءُ بَعْضٍ﴾ ؛ جُمْلَةٌ مَقْطُوعَةٌ مِنَ النَهْيِ؛ تَتَضَمَّنُ التَفْرِقَةَ بَيْنَهم وبَيْنَ المُؤْمِنِينَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهم مِنكم فَإنَّهُ مِنهُمْ﴾ ؛ إنْحاءٌ عَلى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ؛ وكُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِفَةِ مِن مُوالاتِهِمْ؛ ومَن تَوَلّاهم بِمُعْتَقَدِهِ؛ ودِينِهِ؛ فَهو مِنهم في الكُفْرِ؛ واسْتِحْقاقِ النِقْمَةِ؛ والخُلُودِ في النارِ؛ ومَن تَوَلّاهم بِأفْعالِهِ مِنَ العَضُدِ؛ ونَحْوِهِ؛ دُونَ مُعْتَقَدٍ؛ ولا إخْلالٍ بِإيمانٍ؛ فَهو مِنهم في المَقْتِ؛ والمَذَمَّةِ الواقِعَةِ عَلَيْهِمْ؛ وعَلَيْهِ؛ وبِهَذِهِ الآيَةِ جَوَّزَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ ذَبائِحَ النَصارى مِنَ العَرَبِ؛ وقالَ: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهم مِنكم فَإنَّهُ مِنهُمْ﴾ ؛ فَقالَ: مَن دَخَلَ في دِينِ قَوْمٍ فَهو مِنهُمْ؛ وسُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ - رَحِمَهُ اللهُ - عن رَجُلٍ أرادَ بَيْعَ دارِهِ مِن نَصارى يَتَّخِذُونَها كَنِيسَةً؛ فَتَلا هَذِهِ الآيَةَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظالِمِينَ﴾ ؛ عُمُومٌ؛ فَإمّا أنْ يُرادَ بِهِ الخُصُوصُ (p-١٩١)فِيمَن سَبَقَ في عِلْمِ اللهِ ألّا يُؤْمِنَ؛ ولا يَهْتَدِيَ؛ وإمّا أنْ يُرادَ بِهِ تَخْصِيصُ مُدَّةِ الظُلْمِ والتَلَبُّسِ بِفِعْلِهِ؛ فَإنَّ الظُلْمَ لا هُدى فِيهِ؛ والظالِمَ - مِن حَيْثُ هو ظالِمٌ - فَلَيْسَ بِمَهْدِيٍّ في ظُلْمِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَرى الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ مُخاطَبَةُ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ والإشارَةُ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ؛ ومَن تَبِعَهُ مِنَ المُنافِقِينَ عَلى مَذْهَبِهِ في حِمايَةِ بَنِي قَيْنُقاعَ؛ ويَدْخُلُ في الآيَةِ مَن كانَ مِن مُؤْمِنِي الخَزْرَجِ؛ يُتابِعُهُ جَهالَةً وعَصَبِيَّةً؛ فَهَذا الصِنْفُ لَهُ حَظُّهُ مِن مَرَضِ القَلْبِ.
وقِراءَةُ جُمْهُورِ الناسِ: "فَتَرى"؛ بِالتاءِ؛ مِن فَوْقُ؛ فَإنْ جُعِلَتْ رُؤْيَةَ عَيْنٍ فَـ "يُسارِعُونَ"؛ حالٌ؛ وفِيها الفائِدَةُ المَقْصُودَةُ؛ وإنْ جُعِلَتْ رُؤْيَةَ قَلْبٍ؛ فَـ "يُسارِعُونَ"؛ في مَوْضِعِ المَفْعُولِ الثانِي؛ و"يَقُولُونَ" حالٌ؛ وقَرَأ إبْراهِيمُ النَخَعِيُّ ؛ ويَحْيى بْنُ وثّابٍ: "فَيَرى"؛ بِالياءِ مِن تَحْتُ؛ والفاعِلُ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ مَحْذُوفٌ؛ ولَكَ أنْ تُقَدِّرَ: "فَيَرى اللهُ"؛ أو: "فَيَرى الرائِي"؛ و"اَلَّذِينَ"؛ مَفْعُولٌ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "اَلَّذِينَ"؛ فاعِلًا؛ والمَعْنى: "أنْ يُسارِعُوا"؛ فَحُذِفَتْ "أنْ"؛ إيجازًا.
و"يُسارِعُونَ فِيهِمْ"؛ مَعْناهُ: "فِي نُصْرَتِهِمْ؛ وتَأْنِيسِهِمْ؛ وتَجْمِيلِ ذِكْرِهِمْ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقُولُونَ نَخْشى أنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ﴾ ؛ لَفْظٌ مَحْفُوظٌ عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ؛ ولا مَحالَةَ أنَّهُ قالَ بِقَوْلِهِ مُنافِقُونَ كَثِيرٌ؛ والآيَةُ تُعْطِي ذَلِكَ؛ ودائِرَةٌ: مَعْناهُ: نازِلَةٌ مِنَ الزَمانِ؛ وحادِثَةٌ مِنَ الحَوادِثِ تُحْوِجُنا إلى مَوالِينا مِنَ اليَهُودِ؛ وتُسَمّى هَذِهِ الأُمُورُ دَوائِرَ؛ عَلى قَدِيمِ الزَمانِ؛ مِن حَيْثُ اللَيْلُ والنَهارُ في دَوَرانٍ؛ فَكَأنَّ الحادِثَ يَدُورُ بِدَوَرانِها حَتّى يَنْزِلَ فِيمَن نَزَلَ؛ ومِنهُ قَوْلُ اللهِ تَعالى: ﴿دائِرَةُ السَوْءِ﴾ [التوبة: ٩٨] ؛ ويَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَوائِرَ ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ والدَهْرُ بِالإنْسانِ دَوّارِيُّ ∗∗∗...............
(p-١٩٢)وَقَوْلُ الآخَرِ:
؎ ................. ∗∗∗ ∗∗∗ ويَعْلَمُ أنَّ النائِباتِ تَدُورُ
وقَوْلُ الآخَرِ:
؎ يَرُدُّ عنكَ القَدَرَ المَقْدُورا ∗∗∗ ∗∗∗ ودائِراتِ الدَهْرِ أنْ تَدُورا
ويُعَضِّدُهُ قَوْلُ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: « "إنَّ الزَمانَ قَدِ اسْتَدارَ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وفِعْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ في هَذِهِ النازِلَةِ لَمْ يَكُنْ ظاهِرُهُ مُغالَبَةَ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ ولَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَحارَبَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وإنَّما كانَ يُظْهِرُ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أنْ يَسْتَبْقِيَهم لِنُصْرَةِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ ولِأنَّ ذَلِكَ هو الرَأْيُ؛ وقَوْلُهُ: "إنِّي امْرُؤٌ أخْشى الدَوائِرَ"؛ أيْ: مِنَ العَرَبِ؛ ومِمَّنْ يُحارِبُ المَدِينَةَ؛ وأهْلَها؛ وكانَ يُبْطِنُ في ذَلِكَ كُلِّهِ التَحَرُّزَ مِنَ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ والمُؤْمِنِينَ؛ والفَتَّ في أعَضادِهِمْ؛ وذَلِكَ هو الَّذِي أسَرَّ هو في نَفْسِهِ ومَن مَعَهُ عَلى نِفاقِهِ؛ مِمَّنْ يُفْتَضَحُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ.
وقَوْلُهُ - تَبارَكَ وتَعالى-: ﴿ "فَعَسى اللهُ"؛﴾ مُخاطَبَةٌ لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ولِلْمُؤْمِنِينَ؛ ووَعْدٌ لَهُمْ؛ و"عَسى"؛ مِنَ اللهِ تَعالى واجِبَةٌ؛ واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في مَعْنى "بِالفَتْحِ"؛ في هَذِهِ الآيَةِ؛ فَقالَ قَتادَةُ: يَعْنِي بِهِ القَضاءَ في هَذِهِ النَوازِلِ؛ و"اَلْفَتّاحُ": اَلْقاضِي؛ فَكانَ هَذا الوَعْدُ هو مِمّا نَزَلَ بِبَنِي قَيْنُقاعَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وبِقُرَيْظَةَ والنَضِيرِ؛ وقالَ السُدِّيُّ: يَعْنِي بِهِ فَتْحَ مَكَّةَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وظاهِرُ الفَتْحِ في هَذِهِ الآيَةِ ظُهُورُ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وعُلُوُّ كَلِمَتِهِ؛ أيْ: فَيَبْدُو الِاسْتِغْناءُ عَنِ اليَهُودِ؛ ويَرى المُنافِقُ أنَّ اللهَ تَعالى لَمْ يُوجِدْ سَبِيلًا إلى ما كانَ يُؤَمِّلُ فِيهِمْ مِنَ المَعُونَةِ عَلى أمْرِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - والدَفْعِ في صَدْرِ نُبُوَّتِهِ؛ فَيَنْدَمُ حِينَئِذٍ عَلى ما حَصَلَ فِيهِ مِن مُحادَّةِ الشَرْعِ؛ وتَجَلُّلِ ثَوْبِ المَقْتِ مِنَ اللهِ تَعالى؛ ومِن رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -؛ والمُؤْمِنِينَ؛ كالَّذِي وقَعَ وظَهَرَ بَعْدُ.
(p-١٩٣)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أو أمْرٍ مِن عِنْدِهِ﴾ ؛ قالَ السُدِّيُّ: اَلْمُرادُ ضَرْبُ الجِزْيَةِ؛ قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: ويَظْهَرُ أنَّ هَذا التَقْسِيمَ إنَّما هو لِأنَّ الفَتْحَ المَوْعُودَ بِهِ هو ما يَتَرَكَّبُ عَلى سَعْيِ النَبِيِّ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ - وأصْحابِهِ؛ ويُسَبِّبُهُ جِدُّهُمْ؛ وعَمَلُهُمْ؛ فَوَعْدُ اللهِ تَعالى إمّا بِفَتْحٍ بِمُقْتَضى تِلْكَ الأفْعالِ؛ وإمّا بِأمْرٍ مِن عِنْدِهِ؛ يُهْلِكُ أعْداءَ الشَرْعِ؛ هو أيْضًا فَتْحٌ لا يَقَعُ لِلْبَشَرِ فِيهِ تَسْبِيبٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "فَيُصْبِحُوا"؛﴾ مَعْناهُ: "يَكُونُوا كَذَلِكَ طُولَ دَهْرِهِمْ"؛ وخُصَّ الإصْباحُ بِالذِكْرِ لِأنَّ الإنْسانَ في لَيْلِهِ مُتَفَكِّرٌ مُتَسَتِّرٌ؛ فَعِنْدَ الصَباحِ يُرى بِالحالَةِ الَّتِي اقْتَضَتْها فِكْرُهُ أو أمْراضُهُ؛ ونَحْوُ ذَلِكَ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
أصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِلاحَ
إلى غَيْرِ هَذا مِنَ الأمْثِلَةِ.
والَّذِي أسَرُّوهُ هو ما ذَكَرْناهُ مِنَ التَمَرُّسِ بِالنَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وإعْدادِ اليَهُودِ لِلثَّوْرَةِ عَلَيْهِ يَوْمًا ما؛ وقَرَأ ابْنُ الزُهْرِيِّ: "فَيُصْبِحَ الفُسّاقُ عَلى ما أسَرُّوا في أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ".
{"ayahs_start":51,"ayahs":["۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ"],"ayah":"فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق