الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَقالَتِ اليَهُودُ والنَصارى نَحْنُ أبْناءُ اللهِ وأحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكم بِذُنُوبِكم بَلْ أنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ ولِلَّهِ مُلْكُ السَماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما وإلَيْهِ المَصِيرُ﴾ ﴿يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكم رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكم عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُسُلِ أنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنَ بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكم بَشِيرٍ ونَذِيرٌ واللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
فِي الكَلامِ لَفٌّ وإيجازٌ يُحالُ المُسْتَمِعُ عَلى تَفْرِيقِهِ بِذِهْنِهِ؛ وذَلِكَ أنَّ ظاهِرَ اللَفْظِ يَقْتَضِي أنَّ جَمِيعَ اليَهُودِ والنَصارى يَقُولُونَ عن جَمِيعِهِمْ: ﴿نَحْنُ أبْناءُ اللهِ وأحِبّاؤُهُ﴾ ؛ ولَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ فِرْقَةٍ تَقُولُ خاصَّةً: ﴿نَحْنُ أبْناءُ اللهِ وأحِبّاؤُهُ﴾ ؛ والبُنُوَّةُ في قَوْلِهِمْ هَذا بُنُوَّةُ الحَنانِ؛ والرَأْفَةِ؛ وذَكَرُوا أنَّ اللهَ تَعالى أوحى إلى بَنِي إسْرائِيلَ أنَّ أوَّلَ أولادِي بِكْرِيٌّ؛ فَضَّلُوا بِذَلِكَ؛ وقالُوا: ﴿نَحْنُ أبْناءُ اللهِ وأحِبّاؤُهُ﴾ ؛ ولَوْ صَحَّ ما رَوَوْا لَكانَ مَعْناهُ بِكْرًا في التَشْرِيفِ؛ أوِ النُبُوَّةِ ونَحْوِهِ؛ و"أحِبّاءُ": جَمْعُ "حَبِيبٌ"؛ وكانَتْ هَذِهِ المَقالَةُ مِنهم عِنْدَما دَعاهُمُ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - إلى الإيمانِ بِهِ؛ وخَوَّفَهُمُ العَذابَ؛ فَقالُوا: "نَحْنُ لا نَخافُ ما تَقُولُ؛ لِأنَّنا أبْناءُ اللهِ وأحِبّاؤُهُ" وذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -؛ وقَدْ كانُوا قالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في غَيْرِ ما مَوْطِنٍ: "نَحْنُ نَدْخُلُ النارَ فَنُقِيمُ بِها أرْبَعِينَ يَوْمًا؛ ثُمَّ تَخْلُفُونَنا فِيها"؛ فَرَدَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ؛ فَقالَ لِمُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكم بِذُنُوبِكُمْ﴾ أيْ: لَوْ كانَتْ مَنزِلَتُكم فَوْقَ مَنازِلِ البَشَرِ لَما عَذَّبَكُمْ؛ وأنْتُمْ قَدْ أقْرَرْتُمْ أنَّهُ يُعَذِّبُكم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا عَلى أنَّ التَعْذِيبَ هو بِنارِ الآخِرَةِ؛ وقَدْ تَحْتَمِلُ الآيَةُ أنْ يَكُونَ المُرادُ ما كانَ اللهُ (p-١٣٥)تَعالى يُعَذِّبُهم بِهِ في الدُنْيا؛ وذَلِكَ أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ كانُوا إذا أصابَ الرَجُلُ مِنهم خَطِيئَةً أصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلى بابِهِ ذِكْرُ ذَنْبِهِ؛ وذِكْرُ عُقُوبَتِهِ؛ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ فَهَذا تَعْذِيبٌ في الدُنْيا عَلى الذُنُوبِ؛ يُنافِي أنَّهم أبْناءُ؛ وأحِبّاءُ.
ثُمَّ تَرَكَ الكَلامَ الأوَّلَ؛ وأضْرَبَ عنهُ غَيْرَ مُفْسِدٍ لَهُ؛ ودَخَلَ في غَيْرِهِ مِن تَقْرِيرِ كَوْنِهِمْ بَشَرًا كَسائِرِ الناسِ والخَلْقِ؛ أكْرَمُهم أتْقاهُمْ؛ يَهْدِي مَن يَشاءُ لِلْإيمانِ؛ فَيَغْفِرُ لَهُ؛ ويُوَرِّطُ مَن يَشاءُ في الكُفْرِ؛ فَيُعَذِّبُهُ؛ ولَهُ مُلْكُ السَماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما؛ فَلَهُ بِحَقِّ المُلْكِ أنْ يَفْعَلَ ما شاءَ؛ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ؛ وإلَيْهِ مَصِيرُ العالَمِ بِالحَشْرِ والمَعادِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أهْلَ الكِتابِ﴾ ؛ خِطابٌ لِلْيَهُودِ والنَصارى؛ والرَسُولُ في قَوْلِهِ: "رَسُولُنا": مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وقَوْلُهُ: ﴿عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُسُلِ﴾ ؛ أيْ: عَلى انْقِطاعٍ مِن مَجِيئِهِمْ مُدَّةً ما؛ والفَتْرَةُ: سُكُونٌ بَعْدَ حَرَكَةٍ في جِرْمٍ؛ ويُسْتَعارُ ذَلِكَ في المَعانِي؛ وقَدْ قالَ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: « "لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ؛ ولِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ"؛» وقالَ الشاعِرُ:
؎ وإنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْراكَ فَتْرَةٌ ∗∗∗.................
مَعْناهُ سُكُونٌ بَعْدَ اضْطِرابٍ.
واخْتَلَفَ الناسُ في قَدْرِ الفَتْرَةِ الَّتِي كانَتْ بَيْنَ عِيسى - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ ومُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ فَقالَ قَتادَةُ: خَمْسُمِائَةِ عامٍ وسِتُّونَ عامًا؛ وقالَ الضَحّاكُ: أرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ وبِضْعٌ وثَلاثُونَ سَنَةً؛ وفي الصَحِيحِ أنَّ الفَتْرَةَ بَيْنَهُما سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ؛ وهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْلِ اليَهُودِ: ما أنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ بَعْدَ مُوسى مِن شَيْءٍ؛ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عنهُما -؛ وقَوْلُهُ (p-١٣٦)تَعالى: ﴿ "أنْ تَقُولُوا"؛﴾ مَفْعُولٌ مِن أجْلِهِ؛ اَلْمَعْنى: حَذارَ أنْ تَقُولُوا مُحْتَجِّينَ يَوْمَ القِيامَةِ: ﴿ما جاءَنا مِن بَشِيرٍ ولا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ﴾ ؛ وقامَتِ الحُجَّةُ عَلَيْكُمْ؛ ﴿واللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ؛ فَهو الهادِي؛ والمُضِلُّ؛ والمُنَعِّمُ؛ والمُعَذِّبُ؛ لا رَبَّ غَيْرُهُ.
{"ayahs_start":18,"ayahs":["وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰۤؤُا۟ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰۤؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ یُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرࣱ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ یَغۡفِرُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ","یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ قَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةࣲ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُوا۟ مَا جَاۤءَنَا مِنۢ بَشِیرࣲ وَلَا نَذِیرࣲۖ فَقَدۡ جَاۤءَكُم بَشِیرࣱ وَنَذِیرࣱۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"],"ayah":"وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰۤؤُا۟ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰۤؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ یُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرࣱ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ یَغۡفِرُ لِمَن یَشَاۤءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۖ وَإِلَیۡهِ ٱلۡمَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق