الباحث القرآني
(p-٦٦٨)قوله عزّ وجلّ:
﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها ويُكَفِّرَ عنهم سَيِّئاتِهِمْ وكانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ﴿وَيُعَذِّبَ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ الظانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَوْءِ وغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ولَعَنَهم وأعَدَّ لَهم جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيرًا﴾ ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَماواتِ والأرْضِ وكانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَزْدادُوا إيمانًا مَعَ إيمانِهِمْ﴾ [الفتح: ٤] مَعْناهُ: فازْدادُوا وتَلَقَّوْا ذَلِكَ، فَتَمَكَّنَ - بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ﴾ أيْ بِتَكَسُّبِهِمُ القَبُولَ لِما أنْزَلَ اللهُ تَعالى عَلَيْهِمْ، ويُرْوى في مَعْنى هَذِهِ الآيَةِ «أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ: ﴿وَما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ﴾ [الأحقاف: ٩] تَكَلَّمَ فِيها أهْلُ الكِتابِ، وقالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُ مَن لا يَدْرِي ما يَفْعَلُ بِهِ وبِالناسِ مَعَهُ، فَبَيَّنَ اللهُ في هَذِهِ السُورَةِ ما يَفْعَلُ بِهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ﴾ [الفتح: ٢]، فَلَمّا سَمِعَها المُؤْمِنُونَ قالُوا: هَنِيئًا مَرِيئًا، هَذا لَكَ يا رَسُولَ اللهِ، فَما لَنا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَساءَتْ مَصِيرًا﴾»، فَعَرَّفَهُ اللهُ تَعالى ما يَفْعَلُ بِهِ وبِالمُؤْمِنِينَ والكافِرِينَ، وذَكَرَ النِقاشُ «أنَّ رَجُلًا مِن عَكٍّ قالَ: هَذِهِ لَكَ يا رَسُولَ اللهِ، فَما لَنا؟ فَقالَ النَبِيُّ ﷺ: "هِيَ لِي ولِأُمَّتِي كَهاتَيْنِ"، وجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ.»
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيُكَفِّرَ عنهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ فِيهِ تَرْتِيبُ الجُمَلِ في السَرْدِ لا تَرْتِيبَ وُقُوعِ مَعانِيها؛ لِأنَّ تَكْفِيرَ السَيِّئاتِ قَبْلَ إدْخالِهِمُ الجَنَّةَ.
(p-٦٦٩)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿الظانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَوْءِ﴾ قِيلَ مَعْناهُ: مِن قَوْلِهِمْ: ﴿لَنْ يَنْقَلِبَ الرَسُولُ﴾ [الفتح: ١٢] الآيَةُ، فَكَأنَّهم ظَنُّوا بِاللهِ ظَنَّ السَوْءِ في جِهَةِ الرَسُولِ ﷺ والمُؤْمِنِينَ، وقِيلَ: ظَنُّوا بِاللهِ تَعالى ظَنَّ سُوءٍ، إذْ هم يَعْتَقِدُونَهُ بِغَيْرِ صِفاتِهِ، فَهي ظُنُونُ سُوءٍ مِن حَيْثُ هي كاذِبَةٌ مُؤَدِّيَةٌ إلى عَذابِهِمْ في نارِ جَهَنَّمَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَوْءِ﴾ كَأنَّهُ يُقَوِّي التَأْوِيلَ الآخَرَ، أيْ: أصابَهم ما أرادُوهُ بِكم. وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَوْءِ" كالأوَّلِ، ورَجَّحَها الفَرّاءُ وقالَ: قُلَّ ما تَضُمُّ العَرَبُ السِينَ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: هُما مُتَقارِبانِ، والفَتْحُ أشَدُّ مُطابَقَةً في اللَفْظِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو: "ظَنَّ السَوْءِ" بِفَتْحِ السِينِ، و"عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَوْءِ" بِضَمِّ السِينِ، وهو اسْمٌ، أيْ: دائِرَةُ السَوْءِ الَّذِي أرادُوهُ بِكم في ظَنِّهِمُ السُوءَ، وقَرَأ الحَسَنُ بِضَمِّ السِينِ في المَوْضِعَيْنِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عن أبِي عَمْرِو ومُجاهِدٍ، وسَمّى تَعالى المُصِيبَةَ الَّتِي دَعا بِها عَلَيْهِمْ دائِرَةً مِن حَيْثُ يُقالُ في الزَمانِ: إنَّهُ يَسْتَدِيرُ، ألا تَرى أنَّ السُنَّةَ والشَهْرَ كَأنَّها مُسْتَدِيراتٌ، تَذْهَبُ عَلى تَرْتِيبٍ وتَجِيءُ مِن حَيْثُ هي تَقْدِيراتٌ لِلْحَرَكَةِ العُظْمى، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "إنَّ الزَمانَ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَماواتِ والأرْضَ"،» فَيُقالُ الأقْدارُ والحَوادِثُ الَّتِي هي في طَيِّ الزَمانِ: دائِرَةٌ، لِأنَّها تَدُورُ بِدَوَرانِ الزَمانِ، كَأنَّكَ تَقُولُ: إنَّ أمْرًا كَذا يَكُونُ في يَوْمِ كَذا مِن سَنَةِ كَذا، فَمِن حَيْثُ يَدُورُ ذَلِكَ اليَوْمُ حَتّى يَبْرُزَ إلى الوُجُودِ تَدُورُ هي أيْضًا فِيهِ، (p-٦٧٠)وَمِن هَذا قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ودائِراتُ الدَهْرِ قَدْ تَدُورا
ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ ويَعْلَمُ أنَّ النائِباتِ تَدُورُ
وهَذا كَثِيرٌ، ويَحْسُنُ أنْ تُسَمّى المُصِيبَةُ دائِرَةً مِن حَيْثُ كَمالُها أنْ تُحِيطَ بِصاحِبِها كَما يُحِيطُ شَكْلُ الدائِرَةِ عَلى السَواءِ مِنَ النُقْطَةِ، وقَدْ أشارَ النَقّاشُ إلى هَذا المَعْنى.
و"غَضِبَ اللهُ تَعالى" مَتى قَصَدَ بِهِ الإرادَةَ فَهو صِفَةُ ذاتٍ، ومَتى قَصَدَ بِهِ ما يَظْهَرُ مِنَ الأفْعالِ عَلى المَغْضُوبِ عَلَيْهِ فَهي صِفَةُ فِعْلٍ. و"لَعَنَهُمْ": أبْعَدَهُمْ، وقالَ تَعالى في هَذِهِ: ﴿عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ فَذَكَرَ صِفَةَ العِزَّةِ مِن حَيْثُ تَقَدَّمَ الِانْتِقامُ مِنَ الكَفّارِ، وفي الَّتِي قَبْلَ قَرْنٍ بِالحِكْمَةِ والعِلْمِ مِن حَيْثُ وعَدَهُ بِمُغَيَّباتٍ، وقَرَنَ بِاللَفْظَتَيْنِ ذِكْرَ جُنُودِ اللهِ تَعالى الَّتِي مِنها السِكِّينَةُ ومِنها نِقْمَةٌ مِنَ المُنافِقِينَ والمُشْرِكِينَ، فَلِكُلِّ لَفْظٍ وجْهٌ مِنَ المَعْنى، وقالَ ابْنُ المُبارَكِ في كِتابِ النَقّاشِ: جُنُودُ اللهِ في السَماءِ المَلائِكَةُ، وفي الأرْضِ الغُزاةُ في سَبِيلِ اللهِ تَعالى.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا بَعْضٌ مِن كُلٍّ.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["لِّیُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَیُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَ ٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِیمࣰا","وَیُعَذِّبَ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ وَٱلۡمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِینَ وَٱلۡمُشۡرِكَـٰتِ ٱلظَّاۤنِّینَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَیۡهِمۡ دَاۤىِٕرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرࣰا","وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمًا"],"ayah":"وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق