الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ وكَفَّ أيْدِيَ الناسِ عنكم ولِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ويَهْدِيَكم صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ ﴿وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللهُ بِها وكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ ﴿وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾ ﴿سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلا﴾ ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهم عنكم وأيْدِيَكم عنهم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أنْ أظْفَرَكم عَلَيْهِمْ وكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعَدَكُمُ اللهُ﴾ الآيَةُ، مُخاطَبَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ووَعْدٌ بِجَمِيعِ المَغانِمِ الَّتِي أخَذَها المُسْلِمُونَ، ويَأْخُذُونَها إلى يَوْمِ القِيامَةِ، قالَهُ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ﴾ يُرِيدُ خَيْبَرَ، وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ وابْنُهُ: المَغانِمُ الكَثِيرَةُ: خَيْبَرُ، و"هَذِهِ" إشارَةٌ إلى البَيْعَةِ والتَخَلُّصِ مِن أمْرِ قُرَيْشٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَفَّ أيْدِيَ الناسِ عنكُمْ﴾ يُرِيدُ مَن ولِيَ عَوْرَةَ المَدِينَةِ بَعْدَ خُرُوجِ النَبِيِّ ﷺ والمُؤْمِنِينَ مِنها، وذَلِكَ أنَّهُ كانَ مِن أحْياءِ العَرَبِ ومِنَ اليَهُودِ مَن يُعادِي، وكانَتْ قَدْ أمْكَنَتْهم فُرْصَةٌ، فَكَفَّهُمُ اللهُ تَعالى عن ذَرارِي المُسْلِمِينَ وأمْوالِهِمْ، وهَذِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ العَلامَةُ عَلى أنَّ اللهَ تَعالى يَنْصُرُهم ويَلْطُفُ بِهِمْ، قالَهُ قَتادَةُ، وحَكى الثَعْلَبِيُّ أنَّهُ قالَ: كَفَّ اللهُ تَعالى غَطَفانَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ حِينَ جاءُوا لِنَصْرِ أهْلِ خَيْبَرَ، وذَكَرَهُ النَقّاشُ، وقالَ الثَعْلَبِيُّ أيْضًا عن بَعْضِهِمْ: إنَّهُ أرادَ كَفَّ قُرَيْشٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها﴾، قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الإشارَةُ إلى بِلادِ فارِسٍ والرُومِ، وقالَ الضَحّاكُ وابْنُ زَيْدٍ: الإشارَةُ إلى خَيْبَرَ، وقالَ (p-٦٨١)قَتادَةُ والحَسَنُ: الإشارَةُ إلى مَكَّةَ، وهَذا هو القَوْلُ الَّذِي يَتَّسِقُ مَعَهُ المَعْنى ويَتَأيَّدُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ أحاطَ اللهُ بِها﴾ مَعْناهُ: بِالقُدْرَةِ والقَهْرِ لِأهْلِها، أيْ: قَدْ سَبَقَ في عِلْمِهِ ذَلِكَ وظَهَرَ فِيها أنَّهم لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبارَ﴾، إشارَةٌ إلى قُرَيْشٍ ومَن والاها في تِلْكَ السَنَةِ، قالَهُ قَتادَةُ، وفي هَذا تَقْوِيَةٌ لِنُفُوسِ المُؤْمِنِينَ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: أرادَ الرُومَ وفارِسَ، وهَذا ضَعِيفٌ، وإنَّما الإشارَةُ إلى العَدُوِّ الأحْضَرِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سُنَّةَ اللهِ﴾ إشارَةٌ إلى وقْعَةِ بَدْرٍ، وقِيلَ: إشارَةٌ إلى عادَةِ اللهِ تَعالى مِن نُصْرَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَلامُ قَدِيمًا، ونُصِبَ ﴿ "سُنَّةَ"﴾ عَلى المَصْدَرِ، ويَجُوزُ الرَفْعُ، ولَمْ يُقْرَأْ بِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهُمْ﴾ الآيَةُ، رُوِيَ في سَبَبِها «أنَّ قُرَيْشًا جَمَعَتْ جَماعَةً مِن فِتْيانِها، وجَعَلُوهم مَعَ عِكْرِمَةَ بْنِ أبِي جَهْلٍ، وخَرَجُوا يَطْلُبُونَ غِرَّةً في عَسْكَرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، واخْتَلَفَ الناسُ في عَدَدِ هَؤُلاءِ اخْتِلافًا مُتَفاوِتًا، فَلِذَلِكَ اخْتَصَرْتُهُ، فَلَمّا أحَسَّ بِهِمُ المُسْلِمُونَ وبَعَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ في أثَرِهِمْ خالِدَ بْنِ الوَلِيدِ وسَمّاهُ حِينَئِذٍ "سَيْفَ اللهِ" في جُمْلَةٍ مِنَ الناسِ، فَفَرُّوا أمامَهم حَتّى أدْخَلُوهم بُيُوتَ مَكَّةَ، وأسَرُوا مِنهم جُمْلَةً، فَسِيقُوا إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَمَنَّ عَلَيْهِمْ وأُطْلَقَهُمْ،» فَهَذا هو أنْ كَفَّ اللهُ أيْدِيَهم عَنِ المُسْلِمِينَ بِالرُعْبِ، وكَفَّ أيْدِي المُسْلِمِينَ عنهم بِالنَهْيِ في بُيُوتِ مَكَّةَ وغَيْرِها، وذَلِكَ هو "بَطْنُ مَكَّةَ"، وقالَ قَتادَةُ: أسَرَ النَبِيُّ ﷺ هَذِهِ الجُمْلَةَ بِالحُدَيْبِيَةِ عِنْدَ عَسْكَرِهِ ومَنَّ عَلَيْهِمْ، وذَلِكَ هو "بَطْنُ مَكَّةَ"، قالَ النَقّاشُ: الحَرامُ كُلُّهُ مَكَّةُ، والظَفْرُ عَلَيْهِمْ هو أسْرُ مَن أُسِرَ مِنهُمْ، وما في هَذِهِ الآيَةِ تَحْرِيضٌ عَلى العَمَلِ الصالِحِ؛ لِأنَّ مَنِ اسْتَشْعَرَ أنَّ اللهَ يُبْصِرُ عَمَلَهُ أصْلَحَهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ مِنَ القُرّاءِ: "بِما تَعْمَلُونَ" بِالتاءِ عَلى الخِطابِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو وحْدَهُ بِالياءِ عَلى ذِكْرِ الكُفّارِ وتَهَدَّدَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب