الباحث القرآني

(p-٦٧٦)قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهم أو يُسْلِمُونَ فَإنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أجْرًا حَسَنًا وإنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِن قَبْلُ يُعَذِّبْكم عَذابًا ألِيمًا﴾ أمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ بِالتَقْدِمَةِ إلى هَؤُلاءِ المُخَلَّفِينَ بِأنَّهم سَيُدْعَوْنَ إلى قِتالِ عَدُوٍّ بَئِيسٍ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا يُظْهِرُونَ الإسْلامَ، وإلّا فَلَمْ يَكُونُوا أهْلًا لِذَلِكَ الآخَرِ. واخْتَلَفَ الناسُ، مِنَ القَوْمِ المُشارِ إلَيْهِمْ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ ؟ فَقالَ عِكْرِمَةُ، وابْنُ جُبَيْرٍ، وقَتادَةُ: هم هَوازِنُ ومَن حارَبَ رَسُولَ اللهِ ﷺ في حُنَيْنٍ، ويَنْدَرِجُ في هَذا القَوْلِ عِنْدِي مَن حُورِبَ وغَلَبَ في فَتْحِ مَكَّةَ، وقالَ كَعْبٌ: هُمُ الرُومُ الَّذِينَ خَرَجَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ عامَ تَبُوكَ والَّذِينَ بُعِثَ إلَيْهِمْ في غَزْوَةِ مُؤْتَةَ، وقالَ الزَهْرِيُّ والكَلْبِيُّ: هم أهْلُ الرِدَّةِ وبَنُو حَنِيفَةَ بِاليَمامَةِ، وقالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: يَتَرَكَّبُ عَلى هَذا القَوْلِ أنَّ الآيَةَ مُؤْذِنَةٌ بِخِلافَةِ أبِي بَكْرٍ الصَدِيقِ وعُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، يُرِيدُ: لَمّا كَشَفَ الغَيْبَ أنَّهُما دَعَوا إلى قِتالِ أهْلِ الرِدَّةِ، وحَكى الثَعْلَبِيُّ عن رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أنَّهُ قالَ: واللهِ لَقَدْ كُنّا نَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ فِيما مَضى ولا نَعْلَمُ مَن هم حَتّى دَعا أبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ إلى قِتالِ بَنِي حَنِيفَةَ، فَعَلِمْنا أنَّهم هُمْ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ أبِي لَيْلى: هُمُ الفُرْسُ، وقالَ الحَسَنُ: هم فارِسُ والرُومُ، وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: هم قَوْمٌ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، والقَوْلانِ الأوَّلانِ حَسَنانِ، لِأنَّهُما الَّذِي كَشَفَ الغَيْبَ، وباقِيهِما ضَعِيفٌ، وقالَ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ: رَفَعَ اللهُ في هَذِهِ الجِزْيَةِ، ولَيْسَ إلّا القِتالُ أوِ الإسْلامُ، وهَذا لا يُوجَدُ إلّا في أهْلِ الرِدَّةِ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهُوَ مَن حُورِبَ في فَتْحِ مَكَّةَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "أو يُسْلِمُونَ"﴾ عَلى القَطْعِ، أيْ: أو هم يُسْلِمُونَ دُونَ حَرْبٍ، وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ - فِيما حَكى الكِسائِيُّ -: "أو يُسْلِمُوا" بِنَصْبِ الفِعْلِ عَلى تَقْدِيرِ: أو يَكُونُ أنْ يُسْلِمُوا، ومِثْلُهُ مِنَ الشِعْرِ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:(p-٦٧٧) ؎ فَقُلْتُ لَهُ لا تَبْكِ عَيْناكَ إنَّما ∗∗∗ نُحاوِلُ مُلْكًا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرا يُرْوى "نَمُوتَ" بِالنَصْبِ والرَفْعِ، فالنَصْبُ عَلى تَقْدِيرِ: أو يَكُونُ أنْ نَمُوتَ، والرَفْعُ عَلى القَطْعِ، أو نَحْنُ نَمُوتُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ تُطِيعُوا﴾ مَعْناهُ: فِيما تُدْعَوْنَ إلَيْهِ، والعَذابُ الَّذِي تَوَعَّدَهم بِهِ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ عَذابَ الدُنْيا، وأمّا عَذابُ الآخِرَةِ فَبَيِّنٌ فِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب