الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمِن قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إمامًا ورَحْمَةً وهَذا كِتابُ مُصَدِّقٌ لِسانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ﴿وَوَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ إحْسانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووَضَعَتْهُ كُرْهًا وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتّى إذا بَلَغَ أشُدَّهُ وبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أوزِعْنِي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلى والِدَيَّ وأنْ أعْمَلَ صالِحًا تَرْضاهُ وأصْلِحْ لِي في ذُرِّيَّتِي إنِّي تُبْتُ إلَيْكَ وإنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ الضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "وَمِن قَبْلِهِ"﴾ لِلْقُرْآنِ، و﴿ "كِتابُ مُوسى"﴾ هو التَوْراةُ. وقَرَأ (p-٦١٦)الكَلْبِيُّ: "كِتابَ مُوسى" بِنَصْبِ الباءِ عَلى إضْمارِ: أنْزَلَ اللهُ، أو نَحْوَ ذَلِكَ. و"الإمامُ": خَيْطُ البِناءِ، وكُلُّ ما يُهْتَدى ويُقْتَدى بِهِ فَهو إمامٌ، ونُصِبَ "إمامًا" عَلى الحالِ، و"رَحْمَةً" عُطِفَ عَلى "إمامًا"، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَهَذا كِتابٌ﴾ إلى القُرْآنِ، و"مُصَدِّقٌ" مَعْناهُ: لِلتَّوْراةِ الَّتِي تَضَمَّنَتْ خَبَرَهُ وأمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَجاءَ هو مُصَدِّقًا لِذَلِكَ الإخْبارِ، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "مُصَدِّقٌ لِما بَيْنَ يَدَيْهِ لِسانًا". واخْتَلَفَ الناسُ في نَصْبِ قَوْلِهِ: ﴿ "لِسانًا"﴾ فَقالَتْ فِرْقَةٌ مِنَ النُحاةِ: هو مَنصُوبٌ عَلى الحالِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: "لِسانًا" تَوْطِئَةً مُؤَكَّدَةً، و"عَرَبِيًّا" حالٌ، وقالَتْ فِرْقَةُ: "لِسانًا" مَفْعُولُ بِـ "مُصَدِّقٌ"، والمُرادُ -عَلى هَذا القَوْلِ- بِاللِسانِ مُحَمَّدٌ ﷺ ولِسانُهُ، فَكانَ القُرْآنُ بِإعْجازِهِ وأحْوالِهِ البارِعَةِ يُصَدِّقُ الَّذِي جاءَ بِهِ، وهَذا قَوْلٌ صَحِيحُ المَعْنى جَيِّدٌ، وغَيْرُهُ مِمّا قَدَّمْناهُ مُتَّجِهٌ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وابْنُ كَثِيرٍ -فِيما رُوِيَ عنهُ- وأبُو جَعْفَرٍ، والأعْرَجُ، وشَيْبَةُ، وأبُو رَجاءٍ، والناسُ: "لِتُنْذِرَ" بِالتاءِ: أنْتَ يا مُحَمَّدُ، ورَجَّحَها أبُو حاتِمٍ، وقَرَأ الباقُونَ، والأعْمَشُ: ﴿ "لِيُنْذِرَ"﴾ أيِ: القُرْآنُ، و﴿ "الَّذِينَ ظَلَمُوا"﴾ هُمُ الكُفّارُ الَّذِينَ جَعَلُوا العِبادَةَ في غَيْرِ مَوْضِعِها في جِهَةِ الأوثانِ والأصْنامِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "وَبُشْرى"﴾ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَطْفًا عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "مُصَدِّقٌ"،﴾ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، واقِعَةً مَوْقِعَ فَعَلَ عَطْفًا عَلى ﴿ "لِيُنْذِرَ"،﴾ أيْ: وتُبَشِّرُ المُحْسِنِينَ. ولَمّا عَبَّرَ عَنِ الكُفّارِ بِـ "الَّذِينَ ظَلَمُوا"، عَبَّرَ عَنِ المُؤْمِنِينَ بِـ "المُحْسِنِينَ" لِتَناسُبِ لَفْظِ الإحْسانِ في مُقابَلَةِ الظُلْمِ، ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عن حُسْنِ حالَ المُؤْمِنِينَ المُسْتَقِيمِينَ، ورَفَعَ عنهُمُ الخَوْفَ والحُزْنَ، وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الناسِ إلى أنَّ مَعْنى الآيَةِ: ثُمَّ اسْتَقامُوا بِالطاعاتِ والأعْمالِ الصالِحاتِ، وقالَ أبُو بَكْرٍ الصَدِيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: المَعْنى: بِالدَوامِ عَلى الإيمانِ وتَرْكِ الِانْحِرافِ عنهُ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا القَوْلُ أعَمُّ رَجاءً وأوسَعُ، وإنْ كانَ في الجُمْلَةِ المُؤْمِنَةِ مَن يُعَذَّبُ ويُنَفَّذُ عَلَيْهِ الوَعِيدُ، فَهو مِمَّنْ يَخْلُدُ في الجَنَّةِ ويَنْتَفِي عنهُ الخَوْفُ والحُزْنُ الحالُّ بِالكَفَرَةِ. (p-٦١٧)وَ"الخَوْفُ" هو الهَمُّ لِما يُسْتَقْبَلُ، و"الحُزْنُ" هو الهَمُّ بِما مَضى، وقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيما يُسْتَقْبَلُ اسْتِعارَةً، لِأنَّهُ حَزِنَ لِخَوْفِ أمْرٍ ما، وقَرَأ ابْنُ السَمَيْفَعِ: "فَلا خَوْفَ" دُونَ تَنْوِينٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾، "ما" واقِعَةٌ عَلى الجُزْءِ الَّذِي هو اكْتِسابُ العَبْدِ، وقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعالى الأعْمالَ أماراتٍ عَلى صَبُورِ العَبْدِ، لا أنَّها تُوجِبُ عَلى اللهِ تَعالى شَيْئًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَوَصَّيْنا الإنْسانَ﴾، يُرِيدُ: النَوْعَ، أيْ: هَكَذا مَضَتْ شَرائِعِي وكُتُبِي لِأنْبِيائِي، فَهي وصِيَّةٌ مِنَ اللهِ تَعالى في عِبادِهِ، وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "حُسْنًا" بِضَمِّ الحاءِ وسُكُونِ السِينِ، ونَصْبُهُ عَلى تَقْدِيرِ: وصَّيْناهُ لِيَفْعَلَ أمْرًا ذا حُسْنٍ، فَكَأنَّ الفِعْلَ سُلِّطَ عَلَيْهِ مَفْعُولًا ثانِيًا، وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وأبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ، وعِيسى: "حَسَنًا" بِفَتْحِ الحاءِ والسِينِ، وهَذا كالأوَّلِ، ويُحْتَمَلُ كَوْنُهُما مَصْدَرَيْنِ كالبَخْلِ والبُخْلِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا الثانِيَ اسْمًا لا مَصْدَرًا، أيْ: ألْزَمْناهُ بِهِما فِعْلًا حَسَنًا، وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "إحْسانًا"، ونَصِبَ هَذا عَلى المَصْدَرِ الصَرِيحِ، والمَفْعُولِ الثانِي في المَجْرُورِ، والباءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "وَصَّيْنا" أو بِقَوْلِهِ تَعالى: "إحْسانًا". وبِرُّ الوالِدَيْنِ واجِبٌ بِهَذِهِ الآيَةِ وغَيْرِها، وعُقُوقُهُما كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبائِرِ، وقالَ النَبِيُّ ﷺ: « "كُلُّ شَيْءٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ تَعالى حِجابٌ إلّا شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ ودَعْوَةُ الوالِدَيْنِ".» (p-٦١٨)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: ولَنْ يَدْعُوا إلّا إذا ظَلَمَهُما الوَلَدُ، فَهَذا الحَدِيثُ في عُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: « "اتَّقُوا دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها وبَيْنَ اللهِ حِجابٌ"». ثُمَّ عَدَّدَ تَعالى عَلى الأبْناءِ مِنَنَ الأُمَّهاتِ، وذَكَرَ الأُمَّ في هَذِهِ الآيَةِ في أرْبَعِ مَراتِبَ، والأبَ في مَرْتَبَةٍ واحِدَةٍ، وجَمَعَهُما الذِكْرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "بِوالِدَيْهِ"،﴾ ثُمَّ ذَكَرَ الحَمْلَ لِلْأُمِّ، ثُمَّ الوَضْعَ لَها ثُمَّ الرَضاعَ الَّذِي عَبَّرَ عنهُ بِالفِصالِ، فَهَذا يُناسِبُ ما قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حِينَ جَعَلَ لِلْأُمِّ ثَلاثَةَ أرْباعِ البِرِّ، والرُبْعَ لِلْأبِ، وذَلِكَ إذْ «قالَ لَهُ رَجُلٌ: "يا رَسُولَ اللهِ، مَن أبَرُّ؟ قالَ: أمُّكَ، قالَ ثُمَّ مَن؟ قالَ: ثُمَّ أمُّكَ، قالَ ثُمَّ مَن؟ قالَ: ثُمَّ أمُّكَ، قالَ ثُمَّ مَن؟ قالَ: أباكَ".» وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "كُرْهًا"﴾ مَعْناهُ: في باقِي اسْتِمْرارِ الحَمْلِ حِينَ تَتَوَقَّعُ حَوادِثُهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ: في وقْتِ الحَمْلِ، إذْ لا نَذِيرَ لَها في حَمْلِهِ ولا تَرْكِهِ، قالَ مُجاهِدٌ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ: المَعْنى: حَمَلَتْهُ مَشَقَّةً ووَضَعَتْهُ مَشَقَّةً، وقَرَأ أكْثَرُ القُرّاءِ: "كُرْهًا" بِضَمِّ الكافِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، والأعْرَجُ، وشَيْبَةُ:: "كَرْهًا" بِفَتْحِ الكافِ، وقَرَأ بِهِما مَعًا مُجاهِدٌ، وأبُو رَجاءٍ، وعِيسى، قالَ أبُو عَلِيٍّ: هُما بِمَعْنًى، الضَمُّ: الِاسْمُ، والفَتْحُ: المَصْدَرُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الكُرْهُ بِضَمِّ الكافِ- المَشَقَّةُ، والكُرْهُ -بِفَتْحِ الكافِ- هو الغَلَبَةُ والقَهْرُ، وضَعَّفُوا -عَلى هَذا- قِراءَةَ الفَتْحِ. قالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كانَ "كُرْهًا" لَرَمَتْ بِهِ عن نَفْسِها، إذِ الكُرْهُ القَهْرُ والغَلَبَةُ، والقَوْلُ الَّذِي قَدَّمْناهُ أصْوَبُ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "وَفِصالُهُ" وذَلِكَ أنَّها مُفاعَلَةٌ مِنَ الِاثْنَيْنِ، كَأنَّهُ فاصَلَ أُمَّهُ وفاصَلَتْهُ، وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ، وأبُو رَجاءٍ، وقَتادَةُ، والجَحْدَرِيُّ: "وَفَصْلُهُ" كَأنَّ الأُمَّ هي الَّتِي فَصَلَتْهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ يَقْتَضِي أنَّ مُدَّةَ الحَمْلِ والرَضاعِ هَذِهِ المُدَّةَ، لِأنَّ (p-٦١٩)فِي القَوْلِ حَذْفُ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: ومُدَّةُ حَمْلِهِ وفِصالِهِ، وهَذا لا يَكُونُ إلّا بِأنْ يَكُونَ أحَدَ الطَرَفَيْنِ ناقِصًا، وذَلِكَ إمّا أنْ تَلِدَ المَرْأةُ لِسِتَّةِ أشْهُرٍ وتُرْضِعَ عامَيْنِ، وإمّا أنْ تَلِدَ لِتِسْعَةِ أشْهُرٍ عَلى العُرْفِ وتُرْضِعَ عامَيْنِ غَيْرَ رُبْعِ العامِ، فَإنْ زادَتْ مُدَّةُ الحَمْلِ نَقَصَتْ مُدَّةُ الرَضاعِ، وبِالعَكْسِ، فَيَتَرَتَّبُ مِن هَذا أنَّ أقَلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أشْهُرٍ، وأقَلُّ ما تُرْضِعُ الأُمُّ الطِفْلَ عامًا وتِسْعَةَ أشْهُرٍ، وإكْمالُ العامَيْنِ هو لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَضاعَ، وهَذا في أمْرِ الحَمْلِ هو مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ وجَماعَةٍ مِنَ الصَحابَةِ رِضْوانُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وهو مَذْهَبُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ. واخْتَلَفَ الناسُ في "الأشُدِّ": فَقالَ الشَعْبِيُّ، وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: البُلُوغُ إذا كُتِبَتْ عَلَيْهِ السَيِّئاتُ ولَهُ الحَسَناتُ، وقالَ ابْنُ إسْحاقَ: ثَمانِيَةَ عَشَرَ عامًا، وقِيلَ: عِشْرُونَ عامًا، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ: ثَلاثَةٌ وثَلاثُونَ عامًا، وقالَ الجُمْهُورُ مِنَ النُظّارِ: سِتَّةٌ وثَلاثُونَ عامًا، وقالَ هِلالُ بْنُ يُسافَ وغَيْرُهُ: أرْبَعُونَ عامًا، وأقْوى الأقْوالِ سِتَّةٌ وثَلاثُونَ، ومَن قالَ بِالأرْبَعِينَ قالَ في الآيَةِ: إنَّهُ تَعالى أكَّدَ وفَسَّرَ الأشُدَّ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وَبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً﴾، وإنَّما ذَكَرَ تَعالى الأرْبَعِينَ لِأنَّها حَدٌّ لِلْإنْسانِ في صَلاحِهِ ونَجابَتِهِ، وفي الحَدِيثِ: « "إنَّ الشَيْطانَ يَجُرُّ يَدَهُ عَلى وجْهِ مَن زادَ عَلى الأرْبَعِينَ ولَمْ يَتُبْ فَيَقُولُ: بِأبِي وجْهٌ لا يُفْلِحُ"،» وقالَ أيْمَنُ بْنُ خَرِيمِ الأسَدِيُّ: ؎ إذا المَرْءُ وفّى الأرْبَعِينَ ولَمْ يَكُنْ ∗∗∗ لَهُ دُونَ ما يَأْتِي حَياءٌ ولا سِتْرٌ ؎ فَدَعْهُ ولا تُنَفِّسْ عَلَيْهِ الَّذِي ارْتَأى ∗∗∗ ∗∗∗ وإنَّ جَرَّ أسْبابَ الحَياةِ لَهُ العُمْرُ وفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "حَتّى إذا اسْتَوى أشُدَّهُ وبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً". وقَوْلُهُ: ﴿ "أوزِعْنِي"﴾ مَعْناهُ: ادْفَعْنِي عَنِ المَوانِعِ وازْجُرْنِي عَنِ القَواطِعِ لِأجْلِ أنْ أشْكُرَ (p-٦٢٠)نِعْمَتَكَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "أوزِعْنِي" بِمَعْنى: اجْعَلْ حَظِّي ونَصِيبِي، وهَذا مِنَ التَوْزِيعِ والقَوْمِ الأوزاعِ، ومِن قَوْلِكَ: تَوَزَّعُوا المالَ، فَـ "أنَّ" -عَلى هَذا- مَفْعُولٌ صَرِيحٌ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: نِعْمَتُكَ في التَوْحِيدِ. و﴿صالِحًا تَرْضاهُ﴾: الصَلَواتُ، و"الإصْلاحُ في الذُرِّيَّةِ" كَوْنُهم أهْلَ طاعَةٍ وخَيْرِيَّةٍ، وهَذِهِ الآيَةُ مَعْناها أنَّ هَكَذا يَنْبَغِي لِلْإنْسانِ أنْ يَفْعَلَ، وهَذِهِ وصِيَّةُ اللهِ تَعالى لِلْإنْسانِ في كُلِّ الشَرائِعِ. وقالَ الطَبَرِيُّ: وذَكَرَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مِن أوَّلِها نَزَلَتْ في شَأْنِ أبِي بَكْرٍ الصَدِيقِ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ، ثُمَّ هي تَتَناوَلُ مِن بَعْدِهِ، وكانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَدْ أسْلَمَ أبَواهُ، فَإنَّما يَتَّجِهُ هَذا التَأْوِيلُ عَلى أنَّ أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ كانَ يَطْمَعُ بِإيمانِ أبَوَيْهِ ويَرى مَخايِلَ ذَلِكَ فِيهِما، فَكانَتْ هَذِهِ نِعْمَةٌ عَلَيْهِما، أنْ لَيْسا مِمَّنْ عَسى في الكُفْرِ ولَجَ وحُتِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ إيمانُهُما بَعْدُ، والقَوْلُ بِأنَّها عامَّةٌ في نَوْعِ الإنْسانِ لَمْ يَقْصِدْ بِها أبُو بَكْرٍ ولا غَيْرَهُ أصَحُّ، وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "مِنَ المُسْلِمِينَ".﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب