الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿أهم خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أهْلَكْناهم إنَّهم كانُوا مُجْرِمِينَ﴾ ﴿وَما خَلَقْنا السَماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾ ﴿ما خَلَقْناهُما إلا بِالحَقِّ ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿إنَّ يَوْمَ الفَصْلِ مِيقاتُهم أجْمَعِينَ﴾ ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عن مَوْلًى شَيْئًا ولا هم يُنْصَرُونَ﴾ ﴿إلا مَن رَحِمَ اللهُ إنَّهُ هو العَزِيزُ الرَحِيمُ﴾ ﴿إنَّ شَجَرَتَ الزَقُّومِ﴾ ﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أهم خَيْرٌ أمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ تَقْرِيرٌ فِيهِ وعِيدٌ، وتُبَّعٌ مَلِكُ حَمِيرِي، وكانَ يُقالُ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنهُمْ: "تَبَعٌ"، إلّا أنَّ المُشارَ إلَيْهِ في هَذِهِ الآيَةِ رَجُلٌ صالِحٌ مِنَ التَبابِعَةِ، قالَ كَعْبُ الأحْبارِ: ذَمَّ اللهُ تَعالى قَوْمَهُ ولَمْ يَذُمَّهُ، ونَهى العُلَماءُ عن سَبِّهِ، ورُوِيَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ مِن طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: «أنَّ تُبَّعًا هَذا أسْلَمَ وآمَنَ بِاللهِ تَعالى، ورُوِيَ أنَّ ذَلِكَ كانَ عَلى يَدِ أهْلِ كِتابٍ كانُوا بِحَضْرَتِهِ.» وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: كانَ "تُبَّعُ" نَبِيًّا. ورَوى أبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "ما أدْرِي أكانَ "تُبَّعُ" نَبِيًّا أمْ غَيْرَ نَبِيٍّ؟".» وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: هو الَّذِي كَسا الكَعْبَةَ، وقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحاقَ في السِيرَةِ، واللهُ أعْلَمُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهم كانُوا مُجْرِمِينَ﴾ يُرِيدُ: بِالكُفْرِ. (p-٥٨٢)وَقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "أنَّهُمْ" بِفَتْحِ الألِفِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ بِكَسْرِها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما خَلَقْنا السَماواتِ والأرْضَ﴾ الآيَةُ... إخْبارٌ فِيهِ تَنْبِيهٌ وتَحْذِيرٌ، وقَوْلُهُ: ﴿إلا بِالحَقِّ﴾ يُرِيدُ: بِالواجِبِ المُفْضِي إلى الخَيْراتِ وفَيْضِ الهِباتِ، و﴿ "يَوْمَ الفَصْلِ":﴾ هو يَوْمُ القِيامَةِ، وهَذا هو الإخْبارُ بِالبَعْثِ، وهو أمْرٌ جَوَّزَهُ العَقْلُ وأثْبَتَهُ الشَرْعُ بِهَذِهِ الآيَةِ وغَيْرِها، والمَوْلى في هَذِهِ الآيَةِ يَعُمُّ جَمِيعَ المَوالِي مِنَ القَراباتِ ومَوالِي العِتْقِ ومَوالِي الصَداقَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا هم يُنْصَرُونَ﴾: إنْ كانَ الضَمِيرُ يُرادُ بِهِ العالَمَ، فَيَصِحُّ أنْ تَكُونَ "مِن" في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلا مَن رَحِمَ اللهُ﴾ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الِاسْتِثْناءِ المُتَّصِلِ، وإنْ كانَ الضَمِيرُ يُرادُ بِهِ الكُفّارَ، فالِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيرُهُ: فَإنَّهُ يُغْنِي بَعْضُهم عن بَعْضٍ في الشَفاعَةِ ونَحْوِها، أو يَكُونُ تَقْدِيرُهُ: فَإنَّ اللهَ يَنْصُرُهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ شَجَرَتَ الزَقُّومِ﴾ ﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾، رُوِيَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ "الأثِيمِ" المُشارُ إلَيْهِ هو أبُو جَهْلٍ، ثُمَّ هي بِالمَعْنى- تَتَناوَلُ كُلَّ أثِيمٍ، وهو كُلُّ تاجِرٍ يَكْتَسِبُ الإثْمَ، ورُوِيَ عن هَمّامٍ أنَّ أبا الدَرْداءِ أقْرَأ أعْرابِيًّا، فَكانَ يَقُولُ: "طَعامُ اليَتِيمِ"، فَرَدَّ عَلَيْهِ أبُو الدَرْداءِ مِرارًا فَلَمْ يُلَقَّنْ، فَقالَ لَهُ: قُلْ: "طَعامُ الفاجِرِ"، فَقُرِئَتْ كَذَلِكَ، وإنَّما هي عَلى التَفْسِيرِ، وهي الشَجَرَةُ المَلْعُونَةُ في القُرْآنِ، وهي تَنْبُتُ في أصْلٍ الجَحِيمِ، ورُوِيَ أنَّ أبا جَهْلٍ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وأشارَ الناسُ بِها إلَيْهِ، جَمَعَ عَجْوَةٍ بِزَبَدٍ، ثُمَّ دَعا إلَيْها ناسًا، فَقالَ لَهُمْ: "تَزَقَّمُوا، فَإنَّ الزُقُّومَ هو عَجْوَةُ يَثْرِبَ بِالزُبْدِ، وهو طَعامِي الَّذِي حَدَّثَ بِهِ مُحَمَّدٌ". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وإنَّما قَصَدَ بِذَلِكَ ضَرْبًا مِنَ المُغالَطَةِ والتَلْبِيسِ عَلى الجَهَلَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب