الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَمَن يَعْشُ عن ذِكْرِ الرَحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهو لَهُ قَرِينٌ﴾ ﴿وَإنَّهم لَيَصُدُّونَهم عَنِ السَبِيلِ ويَحْسَبُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ﴾ ﴿حَتّى إذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وبَيْنَكَ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ القَرِينُ﴾ ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أنَّكم في العَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾
"مَن" في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ﴾ شَرْطِيَّةٌ، و"عَشا يَعْشُو" مَعْناهُ: قَلَّ الإبْصارُ، (p-٥٤٧)كالَّذِي يَعْتَرِي في اللَيْلِ، وكَذَلِكَ هو الأعْشى مِنَ الرِجالِ، ويُقالُ: عَشا الرَجُلُ يَعْشُو عَشْوًا، إذا فَسَدَ بَصَرُهُ فَلَمْ يَرَ، أو لَمْ يَرَ إلّا قَلِيلًا، وقَرَأ قَتادَةُ، ويَحْيى بْنُ سَلّامٍ البَصْرِيُّ: "وَمَن يَعِشْ" بِفَتْحِ الشِينِ، وهي مِن قَوْلِهِمْ: عَشِيَ يَعْشى، والأكْثَرُ عَشا يَعْشُو، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ مَتى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ ∗∗∗ تَجِدْ خَيْرَ نارٍ عِنْدَها خَيْرُ مَوْقِدِ
وفِي شِعْرٍ آخَرَ:
؎ .......................... ∗∗∗ ∗∗∗ تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وجَمْرًا تَأجَّجا
وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَمَن يَعْشُ عَنِ الرَحْمَنِ"، وسَقَطَ "ذِكْرُ"، فالمَعْنى في الآيَةِ: ومَن يَقِلُّ نَظَرُهُ في شَرْعِ اللهِ تَعالى ويُغْمِضُ جُفُونَهُ عَنِ النَظَرِ في ذِكْرِ الرَحْمَنِ، أيْ: فِيما ذَكَّرَ بِهِ عِبادَهُ، فالمَصْدَرُ إلى الفاعِلِ، ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا﴾، أيْ: نُيَسِّرُ لَهُ، وهَذا هو العِقابُ عَلى الكُفْرِ بِالحَتْمِ وعَدَمِ الفَلاحِ، وهَذا كَما يُقالُ: إنَّ اللهَ تَعالى يُعاقِبُ عَلى المَعْصِيَةِ بِالتَزَيُّدِ في المَعاصِي، ويُجازِي عَلى الحَسَناتِ بِالتَزَيُّدِ في الحَسَناتِ، وقَدْ (p-٥٤٨)رُوِيَ هَذا المَعْنى مَرْفُوعًا، وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ "نُقَيِّضْ"﴾ بِالنُونِ، وقَرَأ عاصِمٌ، الأعْمَشُ وأبُو عَمْرُو بِخِلافٍ عنهُ-: "يُقَيِّضُ" بِالياءِ ﴿ "شَيْطانًا"،﴾ أيْ: يُقَيِّضُ اللهُ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ رِضى اللهُ عنهُما: "يُقَيَّضُ لَهُ شَيْطانٌ" بِفَتْحِ الياءِ الثانِيَةِ وشَدِّها ورَفْعِ النُونِ مِن "شَيْطانٍ".
والضَمِيرُ في ﴿ "وَإنَّهُمْ"﴾ عائِدٌ عَلى الشَياطِينِ، وفِي: "يَصُدُّونَهُمْ" عَلى الكُفّارِ، و"السَبِيلُ" هي سَبِيلُ الهُدى والفَوْزِ، والضَمِيرُ فِي: "يَحْسَبُونَ" لِلْكُفّارِ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وعاصِمٌ -فِي رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ - وابْنِ عامِرٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةَ، وقَتادَةَ، والزَهْرِيِّ، والجَحْدَرِيِّ: "حَتّى إذا جاءانا" عَلى التَثْنِيَةِ، يُرِيدُ العاشِي والقَرِينِ، قالَهُ سَعِيدٌ الحَرِيرِيُّ، وقَتادَةُ، وقَرَأ أبُو عَمْرُو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، والحَسَنُ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، والأعْرَجُ، وعِيسى، والأعْمَشُ، وعاصِمٌ: "جاءَنا"، يُرِيدُ العاشِيَ وحْدَهُ، وفاعِلُ: "قالَ": هو العاشِي.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ﴾ يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ مَعانٍ، أحَدُها: أنْ يُرِيدَ: بُعْدَ المَشْرِقِ مِنَ المَغْرِبِ، فَسَمّاهُما مَشْرِقَيْنِ، كَما يُقالُ: القَمَرانِ، والعُمْرانُ، قالَ الفَرَزْدَقُ:
؎ ........................ ∗∗∗ ∗∗∗ لَنا قَمَراها والنُجُومُ الطَوالِعُ
والثانِي: أنْ يُرِيدَ مَشْرِقَ الشَمْسِ في أطْوَلِ يَوْمٍ، ومَشْرِقَها في أقْصَرِ يَوْمٍ، فَكَأنَّهُ أخَذَ نِهايَتِي المَشارِقِ، والثالِثُ: أنْ يُرِيدَ: بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ مِنَ المَغْرِبَيْنِ، فاكْتَفى بِذِكْرِ المَشْرِقَيْنِ.
(p-٥٤٩)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ﴾ الآيَةُ حِكايَةٌ عن مَقالَةٍ تُقالُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ، وهي مُقالَةٌ مُوحِشَةٌ حَرَمَتْهم رُوحَ التَأسِّي، لِأنَّهُ يُوقِفُهم بِها عَلى أنَّهُ لا يَنْفَعُهُمُ التَأسِّي، وذَلِكَ لِعِظَمِ المُصِيبَةِ وطُولِ العَذابِ واسْتِمْرارِ مُدَّتِهِ، إذِ التَأسِّي راحَةٌ لِكُلِّ مُصابٍ في الدُنْيا في الأغْلَبِ، ألّا تَرى إلى قَوْلِ الخَنْساءِ:
؎ ولَوْلا كَثْرَةُ الباكِينَ حَوْلِي ∗∗∗ ∗∗∗ عَلى إخْوانِهِمْ لَقَتَلَتْ نَفْسِي
؎ وما يَبْكُونَ مِثْلَ أخِي ولَكِنْ ∗∗∗ ∗∗∗ أُعَزِّي النَفْسَ عنهُ بِالتَأسِّي
فَهَذا التَأسِّي قَدْ كَفاها مُؤَوْنَةَ قَتْلِ النَفْسِ، فَنَفى اللهُ تَعالى عنهُمُ الِانْتِفاعَ بِالتَأسِّي، وفي ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لَهم ويَأْسٌ مِن كُلِّ خَيْرٍ، وفاعِلُ ﴿ "يَنْفَعَكُمُ":﴾ الِاشْتِراكُ.
وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ: "أنَّكُمْ" بِفَتْحِ الألِفِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ: "إنَّكُمْ" بِكَسْرِ الألِفِ، وقَدْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ فاعِلُ "يَنْفَعَكُمُ" التَبَرُّؤُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿يا لَيْتَ بَيْنِي وبَيْنَكَ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ﴾، وعَلى هَذا يَكُونُ "أنَّكُمْ" في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى المَفْعُولِ مِن أجْلِهِ، وتَخْرُجُ الآيَةُ عَلى مَعْنى نَفْيِ الأُسْوَةِ.
{"ayahs_start":36,"ayahs":["وَمَن یَعۡشُ عَن ذِكۡرِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ نُقَیِّضۡ لَهُۥ شَیۡطَـٰنࣰا فَهُوَ لَهُۥ قَرِینࣱ","وَإِنَّهُمۡ لَیَصُدُّونَهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ وَیَحۡسَبُونَ أَنَّهُم مُّهۡتَدُونَ","حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَنَا قَالَ یَـٰلَیۡتَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَیۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِینُ","وَلَن یَنفَعَكُمُ ٱلۡیَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِی ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ"],"ayah":"حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَنَا قَالَ یَـٰلَیۡتَ بَیۡنِی وَبَیۡنَكَ بُعۡدَ ٱلۡمَشۡرِقَیۡنِ فَبِئۡسَ ٱلۡقَرِینُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق