الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَإذْ قالَ إبْراهِيمُ لأبِيهِ وقَوْمِهِ إنَّنِي بَراءٌ مِمّا تَعْبُدُونَ﴾ ﴿إلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾ ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وآباءَهم حَتّى جاءَهُمُ الحَقُّ ورَسُولٌ مُبِينٌ﴾ ﴿وَلَمّا جاءَهُمُ الحَقُّ قالُوا هَذا سِحْرٌ وإنّا بِهِ كافِرُونَ﴾
المَعْنى: واذْكُرْ إذْ قالَ إبْراهِيمُ، ولَمّا ضَرَبَ تَعالى المَثَلُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ بِالنُذُرِ وجَعَلَهم أُسْوَةً لَهُ، خَصَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ بِالذِكْرِ لِعَظْمِ مَنزِلَتِهِ، وذَكَّرَ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ بِمُنابَذَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ لِقَوْمِهِ، أيْ: فافْعَلْ أنْتَ فِعْلَهُ، وتَجَلَّدَ جَلَدَهُ، و"بَراءٌ": صِفَةٌ تَجْرِي عَلى الواحِدِ والِاثْنَيْنِ والجَمْعِ، كَعَدْلٍ وزُورٍ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: ﴿ "بَراءٌ"﴾ بِفَتْحِ الباءِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "بُراءٌ" بِضَمِّ الباءِ، وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ وقِراءَةِ الأعْمَشِ: "إنِّي" بِنُونٍ واحِدَةٍ "بَرِيءٌ"، قالَ الفَرّاءُ: "وَمِنَ الناسِ مَن يَكْتُبْ شَكْلَ الهَمْزَةِ المُخَفَّفَةِ ألْفًا في كُلِّ مَوْضِعٍ، ولا يُراعِي حَرَكَةَ ما قَبْلَها"، قالَ: "فَرُبَّما كانَ خَطُّ مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بِألْفٍ كَما في مُصْحَفِ الجَماعَةِ، لَكِنْ كانَ يَلْفِظُ بِها بِكَسْرِ الراءِ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ قالَتْ فِرْقَةٌ: الِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلٌ، وكانُوا يَعْرِفُونَ اللهَ ويُعَظِّمُونَهُ، إلّا أنَّهم كانُوا يُشْرِكُونَ مَعَهُ أصْنامَهُمْ، فَكَأنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَلامُ قالَ لَهُمْ: أنا لا أُوافِقَكم إلّا عَلى عِبادَةِ اللهِ الفاطِرِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ، والمَعْنى: لَكِنَّ الَّذِي فَطَرَنِي مَعْبُودِي، وعَلى هَذا فَلِمَ يَكُونُوا يَعْبُدُونَ اللهَ تَعالى لا قَلِيلًا ولا كَثِيرًا، وعَلَّلَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَلامُ لِقَوْمِهِ عِبادَتَهُ لِلَّهِ تَعالى، بِأنَّهُ الهادِي المُنَجِّي مِنَ العَذابِ، وفي هَذا اسْتِدْعاءٌ لَهم وتَرْغِيبٌ لَهم في اللهِ تَعالى وتَطْمِيعٌ بِرَحْمَتِهِ.
والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "وَجَعَلَها"﴾ قالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ عائِدٌ عَلى كَلِمَتِهِ بِالتَوْحِيدِ في (p-٥٤٣)قَوْلِهِ: ﴿ "إنَّنِي بَراءٌ"،﴾ وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والسَدِّيُّ: ذَلِكَ مُرادٌ بِهِ: "لا إلَهَ إلّا اللهَ"، وعادَ الضَمِيرُ عَلَيْها وإنْ كانَتْ لَمْ يَجْرِ لَها ذِكْرٌ لِأنَّ اللَفْظَ يَتَضَمَّنُها، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: المُرادُ بِذَلِكَ: الإسْلامُ ولَفْظَتُهُ، وذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨]، وقَوْلُهُ: ﴿إذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أسْلِمْ، قالَ أسْلَمْتُ لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١]، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ سَمّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ﴾ [الحج: ٧٨]، والعَقِبُ: الذَرِّيَّةُ ووَلَدُ الوَلَدِ ما امْتَدَّ فَرْعُهم.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ﴾ الآيَةُ، كَلامٌ مُتَّصِلٌ بِما قَبْلَهُ، لِأنَّهُ لَمّا قالَ تَعالى: ﴿فِي عَقِبِهِ﴾ وكانَتْ قُرَيْشٌ مِن عَقِبِهِ اقْتَضى الكَلامُ أنْ يُقَدَّرَ فِيهِ: لَكِنَّ هَؤُلاءِ لَيْسُوا مِمَّنْ بَقِيَتِ الكَلِمَةُ فِيهِمْ بَلْ مَتَّعَتْهُمْ، والمَعْنى في الآيَةِ: بَلْ أمْهَلَتْ هَؤُلاءِ ومَتَّعَتْهم بِالنِعْمَةِ مَعَ كَفْرِهِمْ حَتّى جاءَهُمُ الحَقُّ ورَسُولٌ مُبِينٌ، وذَلِكَ هو شَرْعُ الإسْلامِ، والرَسُولُ مُحَمَّدٌ ﷺ، و﴿ "مَتَّعْتُ"﴾ بِضَمِّ التاءِ هي قِراءَةُ الجُمْهُورِ، وقَرَأ قَتادَةُ: "مَتَّعَتَ" بِفَتْحِ التاءِ الأخِيرَةِ عَلى مَعْنى: قُلْ يا رَبِّ بَلْ مَتَّعْتَ، ورَواها يَعْقُوبُ عن نافِعٍ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "بَلْ مَتَّعْنا"، وهي تُعَضِّدُ قِراءَةَ الجُمْهُورِ، و"مُبِينٌ" في هَذِهِ الآيَةِ يَحْتَمِلُ التَعَدِّي وتَرْكَ التَعَدِّي.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عنهم عَلى جِهَةِ التَقْرِيعِ بِأنَّهم قالُوا لِلْقُرْآنِ: هَذا سِحْرٌ، وأنَّهم كَفَرُوا بِهِ، وإنَّما جَعَلُوهُ بِزَعْمِهِمْ سِحْرًا مِن حَيْثُ كانَ عِنْدَهم يُفَرِّقُ بَيْنَ المَرْءِ ووَلَدِهِ وزَوْجِهِ، فَجَعَلُوهُ لِذَلِكَ كالسِحْرِ، ولَمْ يَنْظُرُوا إلى الفَرْقِ في أنَّ المُفارِقَ بِالقُرْآنِ يُفارِقُ عن بَصِيرَةٍ في الدِينِ، والمَفارِقُ بِالسِحْرِ يُفارِقُ عن خَلَلٍ في دِينِهِ.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِیمُ لِأَبِیهِ وَقَوۡمِهِۦۤ إِنَّنِی بَرَاۤءࣱ مِّمَّا تَعۡبُدُونَ","إِلَّا ٱلَّذِی فَطَرَنِی فَإِنَّهُۥ سَیَهۡدِینِ","وَجَعَلَهَا كَلِمَةَۢ بَاقِیَةࣰ فِی عَقِبِهِۦ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ","بَلۡ مَتَّعۡتُ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَءَابَاۤءَهُمۡ حَتَّىٰ جَاۤءَهُمُ ٱلۡحَقُّ وَرَسُولࣱ مُّبِینࣱ","وَلَمَّا جَاۤءَهُمُ ٱلۡحَقُّ قَالُوا۟ هَـٰذَا سِحۡرࣱ وَإِنَّا بِهِۦ كَـٰفِرُونَ"],"ayah":"وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِیمُ لِأَبِیهِ وَقَوۡمِهِۦۤ إِنَّنِی بَرَاۤءࣱ مِّمَّا تَعۡبُدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق