الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أولِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ ﴿وَكَذَلِكَ أوحَيْنا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ القُرى ومَن حَوْلَها وتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَعِيرِ﴾ ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهم أُمَّةً واحِدَةً ولَكِنْ يُدْخِلُ مَن يَشاءُ في رَحْمَتِهِ والظالِمُونَ ما لَهم مَن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ﴾ ﴿أمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أولِياءَ فاللهُ هو الوَلِيُّ وهو يُحْيِي المَوْتى وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ هَذِهِ آيَةُ تَسْلِيَةٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ، ووَعِيدٍ لِلْكُفّارِ، وإزالَةٍ عَنِ النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ جَمِيعَ الكَلَفِ سِوى التَبْلِيغِ فَقَطْ، لِئَلّا يَهْتَمُّ بِعَدَمِ إيمانِ قُرَيْشٍ وغَيْرِهِمْ، فَقالَ تَعالى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الأصْنامَ والأوثانَ أولِياءَ مَن دُونِ اللهِ، اللهُ هو الحَفِيظُ عَلَيْهِمْ كَفَّرَهُمُ، المُحْصِي لِأعْمالِهِمِ، المُجازِي لَهم عَلَيْها بِعَذابِ الآخِرَةِ، وأنْتَ فَلَسْتَ بِوَكِيلٍ عَلَيْهِمْ ولا مُلازِمٍ لِأمْرِهِمْ حَتّى يُؤْمِنُوا، و"الوَكِيلُ": المُقِيمُ عَلى الأمْرِ، وما في هَذا اللَفْظِ مِن مُوادَعَةٍ فَهو مَنسُوخٌ بِآيَةِ السَيْفِ. (p-٥٠٢)ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أوحَيْنا إلَيْكَ﴾، أيْ: وكَما قَضَيْنا أمْرَكَ هَكَذا وأمْضَيْناهُ في هَذِهِ الصُورَةِ، كَذَلِكَ أوحَيْنا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا مُبَيِّنًا لَهُمْ، لا يَحْتاجُونَ مَعَهُ إلى آخَرَ سِواهُ؛ إذْ فَهْمُهُ مُتَأتٍّ لَهُمْ، ولَمْ يُكَلِّفْكَ إلّا إنْذارَ مَن ذُكِرَ، و"أُمُّ القُرى" هي مَكَّةُ، والمُرادُ أهْلُ مَكَّةَ، ولِذَلِكَ عَطَفَ "مَن" عَلَيْها، وهي في الأغْلَبِ لِمَن يَعْقِلُ، و"يَوْمَ الجَمْعِ" هو يَوْمُ القِيامَةِ، واقْتَصَرَ في "تُنْذِرَ" عَلى المَفْعُولِ الأوَّلِ لِأنَّ المَعْنى: وتُنْذَرُ أُمُّ القُرى العَذابَ وتُنْذِرُ الناسَ يَوْمَ الجَمْعِ، لِاجْتِماعِ أهْلِ الأرْضِ بِأهْلِ السَماءِ، أو لِاجْتِماعِ بَنِي آدَمَ لِلْعَرْضِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ أيْ في نَفْسِهِ وذاتِهِ، وارْتِيابُ الكُفّارِ بِهِ لا يُقَيِّدُ. وقَوْلُهُ تَعالى: "فَرِيقٌ" مُرْتَفِعٌ عَلى خَبَرِ الِابْتِداءِ المُضْمَرِ، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: هم فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَعِيرِ. ثُمَّ قَوّى تَبارَكَ وتَعالى تَسْلِيَةَ نَبِيِّهِ ﷺ بِأنْ عَرَّفَهُ أنَّ الأمْرَ مَوْقُوفٌ عَلى مَشِيئَةِ اللهِ مِن إيمانِهِمْ أو كُفْرِهِمْ، وأنَّهُ لَوْ أرادَ كَوْنَهم أُمَّةً واحِدَةً لَجَمَعَهم عَلَيْهِ، ولَكِنَّهُ يُدْخِلُ مَن سَبَقَتْ لَهُ السَعادَةُ عِنْدَهُ في رَحْمَتِهِ، ويُيَسِّرُهُ في الدُنْيا لِعَمَلِ أهْلِ السَعادَةِ، وإنَّ الظالِمِينَ بِالكُفْرِ المُيَسَّرِينَ لِعَمَلِ الشِقْوَةِ ما لَهم مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "أمِ اتَّخَذُوا"﴾ كَلامٌ مُنْقَطِعٌ مِمّا قَبْلَهُ، ولَيْسَتْ مُعادَلَةً، ولَكِنَّ الكَلامَ كَأنَّهُ أضْرَبَ عن حُجَّةٍ لَهم أو مُقالَةٍ مُقَرَّرَةٍ، فَقالَ: بَلِ اتَّخَذُوا، هَذا مَشْهُورُ قَوْلِ النَحْوِيِّينَ في مِثْلِ هَذا، وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ "أمْ" هَذِهِ هي بِمَنزِلَةِ ألْفِ الِاسْتِفْهامِ دُونَ تَقْدِيرِ إضْرابٍ، ثُمَّ أثْبَتَ تَعالى الحُكْمَ بِأنَّهُ عَزَّ وجَلَّ هو الوَلِيُّ الَّذِي تَنْفَعُ وِلايَتَهُ، وأنَّهُ هو الَّذِي يُحْيِي المَوْتى ويَحْشُرُهم إلى الآخِرَةِ ويَبْعَثُهم مِن قُبُورِهِمْ، وأنَّ قُدْرَتَهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ تُعْطِي هَذا وتَقْتَضِيهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب