الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّما السَبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ الناسَ ويَبْغُونَ في الأرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُولَئِكَ لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿وَلَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِن ولِيٍّ مِن بَعْدِهِ وتَرى الظالِمِينَ لَمّا (p-٥٢٥)رَأوُا العَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِن سَبِيلٍ﴾ ﴿وَتَراهم يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُلِّ يَنْظُرُونَ مِنَ طَرْفٍ خَفِيٍّ وقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ الخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ ألا إنَّ الظالِمِينَ في عَذابٍ مُقِيمٍ﴾
المَعْنى: إنَّما سَبِيلُ الحُكْمِ والإثْمِ عَلى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ الناسَ، أيِ: الَّذِينَ يَضَعُونَ الأشْياءَ غَيْرَ مَواضِعِها مِنَ القَتْلِ وأخْذِ المالِ والأذى بِاليَدِ وبِاللِسانِ، و"البَغْيُ بِغَيْرِ الحَقِّ" وهو نَوْعٌ مِن أنْواعِ الظُلْمِ خَصَّهُ بِالذِكْرِ تَنْبِيهًا عَلى شِدَّتِهِ وسُوءِ حالِ صاحِبِهِ، ثُمَّ تَوَعَّدَهم تَعالى بِالعَذابِ الألِيمِ في الآخِرَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما السَبِيلُ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ الكَلامَيْنِ، ثُمَّ عادَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ﴾ إلى الكَلامِ الأوَّلِ، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: "وَلِمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِن سَبِيلٍ ولِمَن صَبَرَ وغَفَرَ"، واللامُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَمَن صَبَرَ﴾ يَصِحُّ أنْ تَكُونَ لامَ القَسَمِ، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ لامَ الِابْتِداءِ. و"مَنِ" ابْتِداءٌ، وخَبَرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ ذَلِكَ﴾. و"عَزْمُ الأُمُورِ": مُحْكِمُها ومُتْقِنُها والحَمِيدُ العاقِبَةُ مِنها.
ومَن رَأى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ هي فِيما بَيْنُ المُؤْمِنِينَ والمُشْرِكِينَ وأنَّ الضَمِيرَ لِلْمُشْرِكِينَ كانَ أفْضَلُ، قالَ: إنَّ الآيَةَ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَيْفِ، ومَن رَأى أنَّ الآيَةَ إنَّما هي بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، قالَ: هي مَحْكَمَةٌ، والصَبْرُ والغُفْرانُ أفْضَلُ إجْماعًا، وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "إذا كانَ يَوْمَ القِيامَةِ نادى مُنادٍ، مَن كانَ لَهُ عَلى اللهِ أجْرٍ فَلْيَقُمْ، فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ الناسِ كَثِيرٌ، فَيَقُولُ: ما أجْرُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ عَفَوْنا ظُلِمْنا في الدُنْيا"». (p-٥٢٦)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِن ولِيٍّ مِن بَعْدِهِ﴾ تَحْقِيرٌ لِأمْرِ الكَفَرَةِ فَلا يُبالِي بِهِمْ أحَدٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فَقَدْ أصارَهم كُفْرُهم وإضْلالُ اللهِ تَعالى إيّاهم إلى ما لا فَلاحَ لَهم مَعَهُ، ثُمَّ وصَفَ تَعالى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ حالَهم في القِيامَةِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِمُ العَذابُ، فاجْتَزَأ مِن صِفَتِهِمْ وصِفَةِ حالَتِهِمْ بِأنَّهم يَقُولُونَ: ﴿هَلْ إلى مَرَدٍّ مِن سَبِيلٍ﴾، وهَذِهِ المَقالَةُ تَدُلُّ عَلى سُوءِ ما اطَّلَعُوا عَلَيْهِ، و"المَرَدُّ": مَوْضُوعُ الرَدِّ إلى الدُنْيا، والمَعْنى الَّذِي قَصَدُوهُ أنْ يَكُونَ رَدٌّ فَيَكُونُ مِنهُمُ اسْتِدْراكٌ لِلْعَمَلِ والإيمانِ. والرُؤْيَةُ في هَذِهِ الآيَةِ رُؤْيَةُ عَيْنٍ.
والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "عَلَيْها"﴾ عائِدٌ عَلى النارِ، وعادَ الضَمِيرُ مَعَ أنَّها لَمْ يَتَقَدَّمْ لَها ذِكْرٌ مِن حَيْثُ دَلَّ عَلَيْها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَأوُا العَذابَ﴾، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ الذُلِّ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِـ "خاشِعِينَ"، ويُحْتَمَلُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِما بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: "يَنْظُرُونَ"، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مَصْرِفٍ: "مِنَ الذُلِّ" بِكَسْرِ الذالِ، و"الخُشُوعُ": الِاسْتِكانَةُ، وقَدْ يَكُونُ مَحْمُودًا، وما يُخْرِجُهُ إلى حالَةِ الذَمِّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "مِنَ الذُلِّ"،﴾ فَيَقْوى -عَلى هَذا- تَعَلُّقُ "مِنَ" بِـ "خاشِعِينَ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ يَحْتَمَلُ ثَلاثَةَ مَعانٍ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: "خَفِيٍّ": ذَلِيلٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
لَمّا كانَ نَظَرُهم ضَعِيفًا ولَحْظُهم بِمَهانَةٍ وُصِفَ بِالخَفاءِ، ومِن هَذا المَعْنى قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ فَغُضَّ الطَرْفَ إنَّكَ مِن نُمَيْرٍ ∗∗∗.........................
(p-٥٢٧)وَقالَ قَوْمٌ -فِيما حَكى الطَبَرِيُّ -: لَمّا كانُوا يُحْشَرُونَ عُمْيًا وكانَ نَظَرُهم بِعُيُونِ قُلُوبِهِمْ جَعَلَهُ طَرَفًا خَفِيًّا، أيْ: لا يَبْدُو نَظَرُهم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِي هَذا التَأْوِيلِ تَكَلُّفٌ.
وقالَ قَتادَةُ والسَدِّيُّ: المَعْنى: يُسارِقُونَ النَظَرَ لَمّا كانُوا مِنَ الهَمِّ وسُوءِ الحالِ لا يَسْتَطِيعُونَ النَظَرَ بِجَمِيعِ العَيْنِ، وإنَّما يَنْظُرُونَ مِن بَعْضِها، قالَ: ﴿مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ أيْ: قَلِيلٍ، فَـ"الطَرْفُ" هُنا -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، أيْ: يَطْرِفُ طَرَفًا خَفِيًّا.
و"قَوْلُ الَّذِينَ آمَنُوا" هو في يَوْمِ القِيامَةِ عِنْدَما عايَنُوا حالَ الكُفّارِ وسُوءَ مُنْقَلَبِهِمْ، و"خُسْرانُ الأهْلِينَ": يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ أهْلُوهُمُ الَّذِينَ كانُوا في الدُنْيا، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِهِ أهَّلُوهُمُ الَّذِينَ يَكُونُوا يَكُونُونَ لَهم في الجَنَّةِ إنْ دَخَلُوها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا إنَّ الظالِمِينَ في عَذابٍ مُقِيمٍ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن قَوْلِ المُؤْمِنِينَ يَوْمَئِذٍ، حَكاهُ اللهُ تَعالى، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْتِئْنافًا مِن قَوْلِ اللهِ تَعالى وإخْبارِهِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ.
{"ayahs_start":42,"ayahs":["إِنَّمَا ٱلسَّبِیلُ عَلَى ٱلَّذِینَ یَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَیَبۡغُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ","وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن وَلِیࣲّ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَتَرَى ٱلظَّـٰلِمِینَ لَمَّا رَأَوُا۟ ٱلۡعَذَابَ یَقُولُونَ هَلۡ إِلَىٰ مَرَدࣲّ مِّن سَبِیلࣲ","وَتَرَىٰهُمۡ یُعۡرَضُونَ عَلَیۡهَا خَـٰشِعِینَ مِنَ ٱلذُّلِّ یَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِیࣲّۗ وَقَالَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّ ٱلۡخَـٰسِرِینَ ٱلَّذِینَ خَسِرُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِیهِمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ أَلَاۤ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ فِی عَذَابࣲ مُّقِیمࣲ"],"ayah":"وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَ ٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











