الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿اللهُ الَّذِي أنْزَلَ الكِتابَ بِالحَقِّ والمِيزانَ وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعَةَ قَرِيبٌ﴾ ﴿يَسْتَعْجِلُ بِها الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها والَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنها ويَعْلَمُونَ أنَّها الحَقُّ ألا إنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ في الساعَةِ لَفي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ ﴿اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ وهو القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ ومَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُنْيا نُؤْتِهِ مِنها وما لَهُ في الآخِرَةِ مَن نَصِيبٍ﴾
لَمّا أنْهى اللهُ تَعالى القَوْلَ عَلى الَّذِينَ يُحاجُّونَ في تَوْحِيدِ اللهِ ويَرُومُونَ إخْفاءَ نُورِهِ، صَدَعَ في هَذِهِ الآيَةِ بِصِفَتِهِ تَعالى مِن إنْزالِ الكِتابِ الهادِي لِلنّاسِ، و"الكِتابُ" هُنا اسْمُ جِنْسٍ يَعُمُّ جَمِيعَ الكُتُبِ المُنَزَّلَةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "بِالحَقِّ"﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: بِأنْ كانَ ذَلِكَ حَقًّا واجِبًا لِلْمَصْلَحَةِ والهُدى، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى: مُضَمَّنًا الحَقُّ، أيْ: بِالحَقِّ في أحْكامِهِ وأوامِرِهِ ونَواهِيهِ، و"المِيزانُ" هُنا: العَدْلُ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والناسُ، وحَكى الثَعْلَبِيُّ عن مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: هو هُنا المِيزانُ الَّذِي بِأيْدِي الناسِ.
(p-٥٠٩)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولا شَكَّ أنَّهُ داخِلٌ في العَدْلِ وجُزْءٍ مِنهُ، وكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الأُمُورِ، فالعَدْلُ فِيهِ إنَّما هو بِتَقْدِيرٍ ووَزْنٍ مُسْتَقِيمٍ، فَيَحْتاجُ في الأجْرامِ إلى آلَةٍ، وهي العَمُودُ والكَفَّتانِ الَّتِي بِأيْدِي البَشَرِ، ويَحْتاجُ في المَعانِي إلى هَيْئاتٍ في النُفُوسِ وفُهُومٍ تُوازِنُ بَيْنَ الأشْياءِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعَةَ قَرِيبٌ﴾ وعِيدٌ لِلْمُشْرِكِينَ، أيْ: فانْظُرْ في أيِّ غَرَرٍ هُمْ، وجاءَ لَفْظُ "قَرِيبٌ" مُذَكِّرًا مِن حَيْثُ تَأْنِيثُ الساعَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ، وإذْ هي بِمَعْنى الوَقْتِ، ثُمَّ وصَفَ تَعالى حالَةَ الجَهَلَةِ الكاذِبِينَ بِها، فَهم لِذَلِكَ يَسْتَعْجِلُونَ بِها، أيْ: يَطْلُبُونَ تَعْجِيلَها لِيُبَيِّنَ العَجْزَ مِمَّنْ يُحَقِّقُها، فالمُصَدِّقُ بِها مُشْفِقٌ خائِفٌ، والمُكَذِّبُ مُسْتَعْجِلٌ مُقِيمٌ لِحُجَّتِهِ عَلى تَكْذِيبِهِ بِذَلِكَ المُسْتَعْجَلِ بِهِ. ثُمَّ اسْتَفْتَحَ تَعالى الإخْبارَ عَنِ المُمارِينَ في الساعَةِ في أنَّهم في ضَلالٍ قَدْ بَعُدَ بِهِمْ، فَرُجُوعُهم عنهُ صَعْبٌ مُتَعَذِّرٌ، وفي هَذا الِاسْتِفْتاحِ مُبالَغَةٌ وتَأْكِيدٌ وتَهْيِئَةٌ لِنَفْسِ السامِعِ.
ثُمَّ رَجّى تَبارَكَ وتَعالى عِبادَهُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ﴾، و"لَطِيفٌ" هُنا بِمَعْنى: رَفِيقٌ مُتَحَفٍّ، والعِبادُ هُنا: المُؤْمِنُونَ ومَن سَبَقَ لَهُ الخُلُودُ في الجَنَّةِ، وذَلِكَ أنَّ الأعْمالَ بِخَواتِمِها، ولا لُطْفَ إلّا ما آلَ إلى الرَحْمَةِ، وأمّا الإنْعامُ عَلى الكافِرِينَ في الدُنْيا فَلَيْسَ بِلُطْفٍ بِهِمْ، بَلْ هو إمْلاءٌ واسْتِدْراجٌ، وقالَ الجُنَيْدُ: لَطَفَ بِأولِيائِهِ حَتّى عَرِفُوهُ، ولَوْ لَطَفَ بِالكُفّارِ لَما جَحَدُوهُ، وقِيلَ: لَطِيفٌ بِأنْ نَشَرَ عنهُمُ المَناقِبَ، وسَتَرَ عَلَيْهِمُ المَثالِبَ، وقِيلَ: هو الَّذِي لا يُخافُ إلّا عَدْلُهُ، ولا يُرْجى إلّا فَضْلُهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن كانَ يُرِيدُ﴾ مَعْناهُ: إرادَةُ مُسْتَعِدٍّ عامِلٍ عارِفٍ لا إرادَةَ مُتَمَنٍّ لَمْ يُدِنْ نَفْسَهُ، و"الحَرْثُ" هُنا عِبارَةٌ عَنِ السَعْيِ والتَكَسُّبِ والإعْدادِ، ولَمّا كانَ حَرْثُ الأرْضِ أصْلًا مِن أُصُولِ المَكاسِبِ اسْتُعِيرَ لِكُلِّ تَكَسُّبٍ، ومِنهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رِضى اللهُ عنهُما: "احْرُثْ لِدُنْياكَ كَأنَّكَ تَعِيشُ أبَدًا، واعْمَلْ لِآخِرَتِكَ كَأنَّكَ تَمُوتُ غَدًا".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ﴾ وعْدٌ مُنْتَجَزٌ. وقَوْلُهُ تَعالى في حَرْثِ الدُنْيا: ﴿نُؤْتِهِ مِنها﴾ مَعْناهُ: ما شِئْنا ولِمَن شِئْنا، فَرُبَّ مُمْتَحِنٍ مُضَيِّقٌ عَلَيْهِ حَرِيصٌ عَلى حَرْثِ الدُنْيا مُرِيدٌ لَهُ (p-٥١٠)لا يُحِسُّ بِغَيْرِهِ، نَعُوذُ بِاللهِ مِن ذَلِكَ، وهَذا الَّذِي لا يَعْقِلُ غَيْرَ الدُنْيا هو الَّذِي نَفى أنْ يَكُونَ لَهُ نَصِيبٌ في الآخِرَةِ. وقَرَأ سَلامٌ: "نُؤْتِهِ" بِرَفْعِ الهاءِ، وهي لُغَةٌ لِأهْلِ الحِجازِ، ومَثْلُهُ قِراءَةُ أهْلِ الحِجازِ: "فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأرْضَ" بِرَفْعِ الهاءِ فِيهِما.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["ٱللَّهُ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِیزَانَۗ وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِیبࣱ","یَسۡتَعۡجِلُ بِهَا ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِهَاۖ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مُشۡفِقُونَ مِنۡهَا وَیَعۡلَمُونَ أَنَّهَا ٱلۡحَقُّۗ أَلَاۤ إِنَّ ٱلَّذِینَ یُمَارُونَ فِی ٱلسَّاعَةِ لَفِی ضَلَـٰلِۭ بَعِیدٍ","ٱللَّهُ لَطِیفُۢ بِعِبَادِهِۦ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡعَزِیزُ","مَن كَانَ یُرِیدُ حَرۡثَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِی حَرۡثِهِۦۖ وَمَن كَانَ یُرِیدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡیَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِن نَّصِیبٍ"],"ayah":"ٱللَّهُ لَطِیفُۢ بِعِبَادِهِۦ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُۖ وَهُوَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡعَزِیزُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق