الباحث القرآني
(p-٤٩٥)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَإذا أنْعَمْنا عَلى الإنْسانِ أعْرَضَ ونَأى بِجانِبِهِ وإذا مَسَّهُ الشَرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ﴾ ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مِن أضَلُّ مِمَّنْ هو في شِقاقٍ بَعِيدٍ﴾ ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهم أنَّهُ الحَقُّ أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ﴿ألا إنَّهم في مِرْيَةٍ مِن لِقاءِ رَبِّهِمْ ألا إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾
ذَكَرَ اللهُ تَعالى الخُلُقَ الذَمِيمَةَ مِنَ الإنْسانِ جُمْلَةً، وهي في الكُفّارِ بَيِّنَةٌ مُتَمَكِّنَةٌ، وأمّا المُؤْمِنُ في الأغْلَبِ، فَيَشْكُرُ عِنْدَ النِعْمَةِ، وكَثِيرًا ما يَصْبِرُ عِنْدَ الشِدَّةِ. وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ والناسُ: ﴿ "وَنَأى"،﴾ الهَمْزَةُ عَيْنُ الفِعْلِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: "وَناءٍ"، الهَمْزَةُ لامُ الفِعْلِ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ، والمَعْنى فِيهِما واحِدٌ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: ناءَ قَلْبُ نَأى، "رَجَعَ فَعَلَ فَلَعَ"، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ وكُلُّ خَلِيلٍ راءَنِي فَهو قائِلٌ ∗∗∗ مِن أجْلِكِ هَذا هامَةُ اليَوْمِ أو غَدِ
ومِنهُ قَوْلُ الآخَرِ:
؎ وقَدْ شاءَنِي أهْلُ السِباقِ وأمْعَنُوا
(p-٤٩٦)وَ"ناءَ" مَعْناهُ: بَعُدَ ولَمْ يَمِلْ إلى شُكْرٍ ولا طاعَةٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ﴾، أيْ طَوِيلٍ أيْضًا، فاسْتَغْنى بِالصِفَةِ الواحِدَةِ عن لَزِيمَتِها، إذِ العَرْضُ يَقْتَضِي الطُولَ ويَتَضَمَّنُهُ، ولَمْ يَقُلْ: "طَوِيلٌ" لِأنَّ الطَوِيلَ قَدْ لا يَكُونُ عَرِيضًا، فَعَرِيضٌ أدُلُّ عَلى الكَثْرَةِ.
ثُمَّ أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ أنْ يَقِفَ قُرَيْشًا عَلى هَذا الِاحْتِجاجِ ومَوْضِعِ تَغْرِيرِهِمْ بِأنْفُسِهِمْ، فَقالَ تَعالى: قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ هَذا الشَرْعُ مِن عِنْدِ اللهِ وبِأمْرِهِ وخالَفْتُمُوهُ أنْتُمْ، ألَسْتُمْ عَلى هَلَكَةٍ مِن قِبَلِ اللهِ تَعالى؟ فَمَن أضَلُّ مِمَّنْ يَبْقى عَلى مِثْلِ هَذا الغُرُرِ مَعَ اللهِ تَعالى؟ وهَذا هو الشِقاقُ.
ثُمَّ وعَدَ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ بِأنَّهُ سَيُرِي الكُفّارَ آياتِهِ، واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ﴾ فَقالَ المِنهالُ، والسَدِّيُّ، وجَماعَةٌ: هو وعْدٌ بِما يَفْتَحُهُ اللهُ تَعالى عَلى رَسُولِهِ ﷺ مِنَ الأقْطارِ حَوْلَ مَكَّةَ، وفي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأرْضِ كَخَيْبَرَ ونَحْوَها، و"فِي أنْفُسِهِمْ" أرادَ بِهِ فَتْحَ مَكَّةَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ يَنْتَظِمُ الإعْلامُ بِغَيْبِ ظَهْرٍ وجَوَّدَهُ بَعْدُ، كَذَلِكَ ويَجْرِي مَعَهُ لَفْظُ الِاسْتِئْنافِ الَّذِي في الفِعْلِ، وقالَ الضَحّاكُ، وقَتادَةٌ: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ﴾ هو ما أصابَ الأُمَمَ المُكَذِّبَةَ في أقْطارِ الأرْضِ قَدِيمًا، ﴿وَفِي أنْفُسِهِمْ﴾ يَوْمَ بَدْرٍ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ، وعَطاءٌ: ﴿ "الآفاقِ"﴾ آفاقُ السَماءِ، وأرادَ بِهِ الآياتِ في الشَمْسِ والقَمَرِ والرِياحِ وغَيْرِ ذَلِكَ، و"فِي أنْفُسِهِمْ" عِبْرَةُ الإنْسانِ بِجِسْمِهِ وحَواسِّهِ وغَرِيبِ خِلْقَتِهِ وتَدْرِيجِهِ في البَطْنِ ونَحْوَ ذَلِكَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ آياتٌ قَدْ كانَتْ مَرْتَبَةً، فَلَيْسَ هَذا المَعْنى يَجْرِي مَعَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "سَنُرِيهِمْ"،﴾ والتَأْوِيلُ الأوَّلُ أرْجَحُها، واللهُ أعْلَمُ.
(p-٤٩٧)والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنَّهُ الحَقُّ﴾ عائِدٌ عَلى الشَرْعِ والقُرْآنِ، فَبِإظْهارِ اللهِ تَعالى إيّاهُ وفَتْحِ البِلادِ عَلَيْهِ تَبَيَّنَ لَهم أنَّهُ الحَقُّ، ثُمَّ قالَ تَعالى وعْدًا لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: ﴿أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ﴾، والتَقْدِيرُ: أوَلَمْ يَكْفِ رَبُّكَ؟ والباءُ زائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، و"أنْ" يُحْتَمَلَ أنَّهُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى البَدَلِ مِنَ المَوْضِعِ؛ إذِ التَقْدِيرُ: أو لَمْ يَكْفِ رَبُّكَ؟ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلى البَدَلِ مِنَ اللَفْظِ، وهَذا كُلُّهُ بَدَلُ الِاشْتِمالِ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ، أيْ: لِأنَّهُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "[أنَّهُ]" بِفَتْحِ الألِفِ، وقَرَأ بَعْضُ الناسِ: [إنَّهُ] بِكَسْرِها عَلى الِاعْتِراضِ أثْناءَ القَوْلِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ [ألا]﴾ اسْتِفْتاحٌ يَقْتَضِي إقْبالَ السامِعِ عَلى ما يُقالُ لَهُ، فاسْتَفْتَحَ الإخْبارَ عَلى أنَّهم في شَكٍّ ورَيْبٍ وضَلالٍ أدّاهُمُ إلى الشَكِّ في البَعْثِ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "فِي مِرْيَةٍ" بِكَسْرِ المِيمِ، وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ، والحَسَنُ: [فِي مُرْيَةٍ] بِضَمِّ المِيمِ، والمَعْنى واحِدٌ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ الإخْبارَ بِإحاطَتِهِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلى مَعْنى الوَعِيدِ لَهُمْ، وإحاطَتُهُ تَعالى هي بِالقُدْرَةِ والسُلْطانِ، لا إلَهَ إلّا هُوَ، العَزِيزُ الحَكِيمُ.
كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ (حم السَجْدَةُ) والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ
{"ayahs_start":51,"ayahs":["وَإِذَاۤ أَنۡعَمۡنَا عَلَى ٱلۡإِنسَـٰنِ أَعۡرَضَ وَنَـَٔا بِجَانِبِهِۦ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ فَذُو دُعَاۤءٍ عَرِیضࣲ","قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن كَانَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرۡتُم بِهِۦ مَنۡ أَضَلُّ مِمَّنۡ هُوَ فِی شِقَاقِۭ بَعِیدࣲ","سَنُرِیهِمۡ ءَایَـٰتِنَا فِی ٱلۡـَٔافَاقِ وَفِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ یَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ","أَلَاۤ إِنَّهُمۡ فِی مِرۡیَةࣲ مِّن لِّقَاۤءِ رَبِّهِمۡۗ أَلَاۤ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡءࣲ مُّحِیطُۢ"],"ayah":"سَنُرِیهِمۡ ءَایَـٰتِنَا فِی ٱلۡـَٔافَاقِ وَفِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ یَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق