الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ الساعَةِ وما تَخْرُجُ مِن ثَمَراتٍ مِن أكْمامِها وما تَحْمِلُ مِن أُنْثى ولا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ ويَوْمَ يُنادِيهِمْ أيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنّاكَ ما مِنّا مِن شَهِيدٍ﴾ ﴿وَضَلَّ عنهم ما كانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وظَنُّوا ما لَهم مِن مَحِيصٍ﴾ ﴿لا يَسْأمُ الإنْسانُ مِن دُعاءِ الخَيْرِ وإنْ مَسَّهُ الشَرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ ﴿وَلَئِنْ أذَقْناهُ رَحْمَةً مِنّا مِن بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذا لِي وما أظُنُّ الساعَةَ قائِمَةً ولَئِنْ رُجِعْتُ إلى رَبِّي إنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا ولَنُذِيقَنَّهم مِن عَذابٍ غَلِيظٍ﴾
المَعْنى: أنَّ وقْتَ عِلْمِ الساعَةِ ومَجِيئِها يَرُدُّهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ مُتَكَلِّمٍ فِيهِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وذَكَرَ تَعالى الثِمارَ وخُرُوجَها مِنَ الأكْمامِ وحَمْلَ الإناثِ مِثالًا لِجَمِيعِ الأشْياءِ؛ إذْ كَلُّ شَيْءٍ خَفِيٌّ، فَهو في حُكْمِ هَذَيْنِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرُو، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، والحَسَنُ، وطَلْحَةُ، والأعْمَشُ: [مِن ثَمَرَةِ] بِالإفْرادِ عَلى أنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ، وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: [مِن ثَمَراتِ] بِالجَمْعِ، واخْتَلَفَ عن عاصِمٍ، وهي قِراءَةُ أبِي جَعْفَرٍ، وشَيْبَةَ، والأعْرَجِ، والحَسَنِ - بِخِلافٍ - وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ: "فِي ثَمَرَةٍ". و"الأكْمامُ" جَمْعُ كُمٍّ، وهو غِلافُ التَمْرِ قَبْلَ ظُهُورِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ﴾ تَقْدِيرُهُ: واذْكُرْ يَوْمَ يُنادِيهِمْ، والضَمِيرُ في ﴿ "يُنادِيهِمْ"﴾ (p-٤٩٣)ظاهِرُهُ والأسْبَقُ فِيهِ أنَّهُ يُرِيدُ بِهِ الكُفّارَ عَبَدَةَ الأوثانِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِهِ كُلَّ مَن عُبِدَ مَن دُونِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى مِن إنْسانٍ وغَيْرِهِ، وفي هَذا ضَعْفٌ. وأمّا الضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَضَلَّ عنهُمْ﴾ فَلا احْتِمالٌ لِعَوْدَتِهِ، إلّا عَلى الكُفّارِ. و[آذَنّاكَ] قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما وغَيْرُهُ: مَعْناهُ: أعْلَمْناكَ ما مِنّا مِن يَشْهَدُ ولا مَن شَهِدَ بِأنَّ لَكَ شَرِيكًا. و" ضَلَّ عنهم " أيْ نَسُوا ما كانُوا يَقُولُونَ في الدُنْيا ويَدْعُونَ مِنَ الآلِهَةِ والأصْنامِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: وضَلَّ عنهُمُ الأصْنامَ، أيْ تَلْفِتُ عنهُمْ، فَلَمْ يَجِدُوا مِنها نَصْرًا وتَلاشى لَهم أمْرَها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ [وَظَنُّوا]﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِما قَبِلَهُ ويَكُونُ الوَقْفُ عَلَيْهِ، ويَكُونُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ما لَهم مِن مَحِيصٍ﴾ اسْتِئْنافٌ، نَفى أنْ يَكُونَ لَهم مَنجى أو مَوْضِعُ رَوَغانِ، تَقُولُ: حاصَ الرَجُلُ، إذا راغَ يَطْلُبُ النَجاةَ مِن شَيْءٍ، ومِنهُ في الحَدِيثِ: « "فَحاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إلى الأبْوابِ"،» ويَكُونُ الظَنُّ - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - عَلى بابِهِ، أيْ: ظَنُّوا أنَّ هَذِهِ المَقالَةَ ﴿ما مِنّا مِن شَهِيدٍ﴾ مَنجاةٌ لَهم أو أمْرٌ يُمَوِّهُونَ بِهِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الوَقْفُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن قَبْلُ﴾، ويَكُونُ [وَظَنُّوا] مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما لَهم مِن مَحِيصٍ﴾، أيْ: ظَنُّوا ذَلِكَ، ويَكُونُ الظَنُّ - عَلى هَذا التَأْوِيلِ - بِمَعْنى اليَقِينِ، وبِهِ فَسَّرَ السَدِّيُّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذِهِ عِبارَةٌ يُطْلِقُها أهْلُ اللِسانِ عَلى الظَنِّ، ولَسْتَ تَجِدُ ذَلِكَ، إلّا فِيما عَلِمَ عِلْمًا قَوِيًّا وتَقَرَّرَ في النَفْسِ ولَمْ يَتَلَبَّسْ بِهِ بَعْدُ، وإلّا فَمَتى تَلْبَسُ بِالشَيْءِ وحَصَلَ تَحْتَ إدْراكِ الحَواسِّ، فَلَسْتُ تَجِدُهم يُوقِعُونَ عَلَيْهِ لَفْظَةَ الظَنِّ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَسْأمُ الإنْسانُ﴾ آياتٌ نَزَلَتْ في كُفّارٍ، قِيلَ: في الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، (p-٤٩٥)وَقِيلَ: في عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وجُلُّ الآيَةِ يُعْطِي أنَّها نَزَلَتْ في كُفّارٍ وإنْ كانَ أوَّلُها يَتَضَمَّنُ خُلُقًا رُبَّما شارَكَ فِيها بَعْضُ المُؤْمِنِينَ، و"دُعاءُ الخَيْرِ" إضافَتُهُ إضافَةُ المَصْدَرِ إلى المَفْعُولِ، والفاعِلُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مِن دُعاءِ الخَيْرِ هُوَ، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "مِن دُعاءٍ بِالخَيْرِ" والخَيْرُ في هَذِهِ الآيَةِ: المالُ والصِحَّةُ، وبِذَلِكَ تَلِيقُ الآيَةُ بِالكافِرِينَ، وإنْ قَدَّرْناهُ خَيْرَ الآخِرَةِ فَهي لِلْمُؤْمِنِينَ، وأمّا اليَأْسُ والقَنَطُ عَلى الإطْلاقِ، فَمِن صِفَةِ الكافِرِ وحْدَهُ.
وقَوْلُهُ: ﴿لَيَقُولَنَّ هَذا لِي﴾ أيْ بِفِعْلِي وبِما سَعَيْتُ، ولا يَرى أنَّ النِعَمَ إنَّما هي بِتَفَضُّلٍ مِنَ اللهِ تَعالى، ﴿وَما أظُنُّ الساعَةَ قائِمَةً﴾ قَوْلٌ بَيِّنٌ فِيهِ الجُحْدُ والكُفْرُ، ثُمَّ يَقُولُ هَذا الكافِرُ: ولَئِنْ كانَ ثَمَّ رُجُوعٍ كَما تَقُولُونَ، لَتَكُونَنَّ لِي حالٌ تُرْضِينِي مِن غِنًى ومالٍ وبَنِينٍ، فَتَوَعَّدَهُمُ اللهُ تَعالى بِأنَّهُ سَيُعَرِّفُهم بِأعْمالِهِمُ الخَبِيثَةِ مَعَ إذاقَتِهِمِ العَذابُ عَلَيْها، فَهَذا عَذابٌ وخِزْيٌ، وغَلْظَةُ العَذابِ: شِدَّتُهُ وصُعُوبَتُهُ، وقالَ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: لِلْكافِرِ أُمْنِيَّتانِ، أمّا في دُنْياهُ فَهَذِهِ: ﴿إنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى﴾، وأمّا في الآخِرَةِ فَـ"لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والأمانِي عَلى اللهِ تَعالى وتَرْكُ الجَدِّ في الطاعَةِ مَذْمُومٌ لِكُلِّ أحَدٍ، فَقَدْ قالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "الكَيِّسُ مَن دانَ نَفْسَهُ، وعَمِلَ لِما بَعْدَ المَوْتِ، والعاجِزُ مَنِ اتْبَعَ نَفْسَهُ هَواها، وتَمَنّى عَلى اللهِ الأمانِيَ".»
{"ayahs_start":47,"ayahs":["۞ إِلَیۡهِ یُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَ ٰتࣲ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَیَوۡمَ یُنَادِیهِمۡ أَیۡنَ شُرَكَاۤءِی قَالُوۤا۟ ءَاذَنَّـٰكَ مَا مِنَّا مِن شَهِیدࣲ","وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَدۡعُونَ مِن قَبۡلُۖ وَظَنُّوا۟ مَا لَهُم مِّن مَّحِیصࣲ","لَّا یَسۡـَٔمُ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِن دُعَاۤءِ ٱلۡخَیۡرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَیَـُٔوسࣱ قَنُوطࣱ","وَلَىِٕنۡ أَذَقۡنَـٰهُ رَحۡمَةࣰ مِّنَّا مِنۢ بَعۡدِ ضَرَّاۤءَ مَسَّتۡهُ لَیَقُولَنَّ هَـٰذَا لِی وَمَاۤ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَاۤىِٕمَةࣰ وَلَىِٕن رُّجِعۡتُ إِلَىٰ رَبِّیۤ إِنَّ لِی عِندَهُۥ لَلۡحُسۡنَىٰۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِمَا عَمِلُوا۟ وَلَنُذِیقَنَّهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِیظࣲ"],"ayah":"۞ إِلَیۡهِ یُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَ ٰتࣲ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ وَیَوۡمَ یُنَادِیهِمۡ أَیۡنَ شُرَكَاۤءِی قَالُوۤا۟ ءَاذَنَّـٰكَ مَا مِنَّا مِن شَهِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق