الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآنًا أعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ أأعْجَمِيٌّ وعَرَبِيٌّ قُلْ هو لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ والَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ في آذانِهِمْ وقْرٌ وهو عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى الكِتابَ فاخْتُلِفَ فِيهِ ولَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهم وإنَّهم لَفي شَكٍّ مِنهُ مُرِيبٍ﴾ ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَن أساءَ فَعَلَيْها وما رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾
الأعْجَمِيُّ هو الَّذِي لا يُفْصِحُ عَرَبِيًّا كانَ أو غَيْرَ عَرَبِيٍّ، والعَجَمِيُّ: الَّذِي لَيْسَ مِنَ العَرَبِ فَصِيحًا كانَ أو غَيْرَ فَصِيحٍ، وهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بِسَبَبِ تَخْلِيطٍ كانَ مِن قُرَيْشٍ في أقْوالِهِمْ، مِن أجْلِ الحُرُوفِ الَّتِي وقَعَتْ في القُرْآنِ وهي مِمّا عُرِّبَ مِن كَلامِ العَجَمِ كالسِجِّينِ والإسْتَبْرَقِ ونَحْوَهُ، فَقالَ عَزَّ وجَلَّ: ولَوْ جَعَلْنا هَذا القُرْآنَ أعْجَمِيًّا لا يُبَيِّنَ لَقالُوا واعْتَرَضُوا: لَوْلا بَيَّنْتَ آياتِهِ. واخْتَلَفَ القُرّاءُ في قَوْلِهِ: ﴿أأعْجَمِيٌّ وعَرَبِيٌّ﴾، فَقِراءَةُ الجُمْهُورِ عَلى الِاسْتِفْهامِ وهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ قَبْلَ الألْفِ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، (p-٤٩١)وَحَفْصٌ عن عاصِمٍ، والأعْمَشُ: [أأعْجَمِيٌّ] بِهَمْزَتَيْنِ، وكَأنَّهم كانُوا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوْلا بُيِّنَ، أأعْجَمِيٌّ وعَرَبِيٌّ مُخْتَلِطٌ؟ هَذا لا يَحْسُنُ، وتَأوَّلَ ابْنُ جُبَيْرٍ أنَّ مَعْنى قَوْلِهِمْ: أتَجِيئُنا عُجْمَةٌ ونَحْنُ- عَرَبٌ؟ ما لَنا ولِلْعُجْمَةِ؟ وقَرَأ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، وأبُو الأُسُودِ، والجَحْدَرِيُّ، وسَلامٌ، والضَحّاكُ، وابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ عامِرٍ - بِخِلافٍ عنهُما -: [أعْجَمِيٌّ] دُونَ اسْتِفْهامٍ وبِسُكُونِ العَيْنِ، كَأنَّهم قالُوا: أعُجْمَةٌ وإعْرابٌ.؟ إنَّ هَذا لِشاذٌّ، أوكَأنَّهم قالُوا: لَوْلا فُصِلَ فَصْلَيْنِ، فَكانَ بَعْضُهُ أعْجَمِيًّا يَفْهَمُهُ العَجَمُ، وبَعْضُهُ عَرَبِيًّا يَفْهَمُهُ العَرَبُ؟ وهَذا تَأْوِيلٌ لِابْنِ جُبَيْرٍ أيْضًا، وقَرَأ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: [أعَجَمِيٌّ] بِهَمْزَةٍ واحِدَةٍ دُونَ مَدٍّ وبِفَتْحِ العَيْنِ، فَأخْبَرَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى عنهم أنَّهُ لَوْ كانَ عَلى أيِّ وجْهٍ تُخُيِّلَ، لَكانَ لَهم قَوْلٌ واعْتِراضٌ فاسِدٌ، هَذا مَقْصَدُ الكَلامٍ.
وأمَرَ اللهُ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يَقُولَ لَهُمْ: إنَّ القُرْآنَ هُدًى وشِفاءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ المُبْصِرِينَ لِلْحَقائِقِ، وأنَّهُ عَلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ولا يُصَرِّفُونَ نَظَرَهم وحَواسَّهم في المَصْنُوعاتِ عَمًى؛ لِأنَّهم في آذانِهِمْ وقْرٌ، وعَلى قُلُوبِهِمْ أقْفالٌ، وعَلى أعْيُنِهِمْ غِشاوَةٌ. واخْتَلَفَ الناسُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: يُرِيدُ بِـ"هُوَ" القُرْآنُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: [وَهُوَ] يُرِيدُ بِهِ الوَقْرُ، والوَقْرُ: الثِقْلُ في الأُذُنِ المانِعُ مِنَ السَمْعِ، وهَذِهِ كُلُّها اسْتِعاراتٌ، أيْ: هم لَمّا لَمْ يَفْهَمُوا ولا حَصَّلُوا؛ كالأعْمى وصاحِبِ الوَقْرِ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُعاوِيَةُ، وعَمْرُو بْنُ العاصِي: [وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمٍ] بِكَسْرِ المِيمِ مُنَوَّنَةً، وقالَ يَعْقُوبُ: لا أدْرِي أنَوَّنُوا أمْ فَتَحُوا الياءَ عَلى الفِعْلِ الماضِي، وبِغَيْرِ ياءٍ رَواها عَمْرُو بْنُ دِينارٍ، وسُلَيْمانُ بْنُ قَتَّةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وهَذِهِ القِراءَةُ أيْضًا فِيها اسْتِعارَةٌ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ يُنادَوْنَ﴾ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، وكَلاهُما مَقُولٌ لِلْمُفَسِّرِينَ: أحَدُهُما أنَّها اسْتِعارَةٌ لِقِلَّةٍ فَهِمَهُمْ، شَبَّهَهم بِالرَجُلِ يُنادى عَلى بُعْدٍ يَسْمَعُ مِنهُ الصَوْتَ ولا تَفْهَمُ تَفاصِيلَهُ ولا مَعانِيهِ، وهَذا تَأْوِيلُ مُجاهِدٍ، والآخِرُ أنَّ الكَلامَ عَلى الحَقِيقَةِ، وأنَّ المَعْنى: أنَّهم يَوْمَ القِيامَةِ يُنادُونَ بِكُفْرِهِمْ وقَبِيحِ أعْمالِهِمْ مِن بُعْدٍ، حَتّى يَسْمَعَ ذَلِكَ أهْلُ المُوَقِّفِ، فَتَعْظُمُ السُمْعَةُ عَلَيْهِمْ ويَحُلُّ المُصابُ، وهَذا تَأْوِيلُ الضَحّاكُ بْنُ مُزاحِمٍ.
ثُمَّ ضَرَبَ تَعالى أمْرَ مُوسى مَثَلًا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ ولِقُرَيْشٍ، أيْ: فِعْلُ (p-٤٩٢)أُولَئِكَ كَأفْعالٍ هَؤُلاءِ، حِينَ جاءَهم مِثْلُ ما جاءَ هَؤُلاءِ، و"الكَلِمَةُ السابِقَةُ" هي حَتْمُ اللهِ تَعالى بِتَأْخِيرِ عَذابِهِمْ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَفِي شَكٍّ مِنهُ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أو عَلى كِتابِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ الآيَةُ. نَصِيحَةٌ بَيِّنَةٌ لِلْعالَمِ وتَحْذِيرٌ وتَرْجِيَةٌ وصَدْعٌ بَيْنَ اللهِ تَعالى لا يَجْعَلُ شَيْئًا مِن عُقُوباتِ عَبِيدِهِ في غَيْرِ مَوْضِعِها، بَلْ هو العادِلُ المُتَفَضِّلُ الَّذِي يُجازِي كُلَّ عَبْدٍ بِتَكَسُّبِهِ.
{"ayahs_start":44,"ayahs":["وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِیࣰّا لَّقَالُوا۟ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَایَـٰتُهُۥۤۖ ءَا۬عۡجَمِیࣱّ وَعَرَبِیࣱّۗ قُلۡ هُوَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ هُدࣰى وَشِفَاۤءࣱۚ وَٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ فِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣱ وَهُوَ عَلَیۡهِمۡ عَمًىۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۭ بَعِیدࣲ","وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَـٰبَ فَٱخۡتُلِفَ فِیهِۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةࣱ سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ لَقُضِیَ بَیۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُ مُرِیبࣲ","مَّنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَاۤءَ فَعَلَیۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ"],"ayah":"مَّنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَاۤءَ فَعَلَیۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق