الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنها ومِنها تَأْكُلُونَ﴾ ﴿وَلَكم فِيها مَنافِعُ ولِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً في صُدُورِكم وعَلَيْها وعَلى الفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ ﴿وَيُرِيكم آياتِهِ فَأيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ﴾ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كانُوا أكْثَرَ مِنهم وأشَدَّ قُوَّةً وآثارًا في الأرْضِ فَما أغْنى عنهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ (p-٤٥٩)هَذِهِ آياتُ عِبَرٍ وتَعْدِيدِ نِعَمٍ، و"الأنْعامُ": الأزْواجُ الثَمانِيَةُ، و"مِنها" الأُولى لِلتَّبْعِيضِ، لِأنَّ المَذْكُورَ لَيْسَ كُلَّ الأنْعامِ، بَلِ الإبِلِ خاصَّةً، و"مِنها" الثانِيَةُ لِبَيانِ الجِنْسِ؛ لِأنَّ الجَمِيعَ مِنها يُؤْكَلُ، وقالَ الطَبَرِيُّ في هَذِهِ الآيَةِ: إنَّ الأنْعامَ تَعُمُّ الإبِلَ والبَقَرَ والغَنَمَ والخَيْلَ والبِغالَ والحَمِيرَ وغَيْرَ ذَلِكَ مِمّا يُنْتَفَعُ بِهِ في البَهائِمِ، فَـ"مِنها" في المَوْضِعَيْنِ لِلتَّبْعِيضِ - عَلى هَذا - لَكِنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وإنَّما الأنْعامُ: الأزْواجُ الثَمانِيَةُ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ فَقَطْ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى المَنافِعَ ذِكْرًا مُجْمَلًا، لِأنَّها أكْثَرُ مِن أنْ تُحْصى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً في صُدُورِكُمْ﴾ يُرِيدُ قَطْعَ المَهامِهِ الطَوِيلَةِ والمَشاقِّ البَعِيدَةِ، و"الفُلْكُ": السُفُنُ، وهو هُنا جَمْعٌ، و"تُحْمَلُونَ" يُرِيدُ: بَرًّا وبَحْرًا، وذَكَرَ تَعالى الحَمْلَ عَلَيْها، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ رُكُوبِها لِأنَّ المَعْنى مُخْتَلِفٌ في الأمْرَيْنِ وبَيْنَهُما تَغايُرٌ؛ لِأنَّ الرُكُوبَ هو المُتَعارَفُ فِيما قَرُبَ، واسْتُعْمِلَ في القُرى والمُواطِنِ، فَهو نَظِيرُ الأكْلِ مِنها وسائِرِ المَنافِعِ، ثُمَّ خَصَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ السَفَرَ الأطْوَلَ وحَوائِجَ الصُدُورِ مَعَ البُعْدِ، وهَذا هو الحَمْلُ الَّذِي قَرَنَهُ بِشَبِيهِهِ مِن أمْرِ السُفُنِ. ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ تَعالى آياتِهِ عامَّةً جامِعَةً لِكُلِّ عِبْرَةٍ ومَوْضِعِ نَظَرٍ، وهَذا غَيْرُ مُنْحَصِرٍ لِاتِّساعِهِ، ولِأنَّ في كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةً تَدُلُّ عَلى وحْدانِيَّتِهِ، ثُمَّ قَرَّرَهم - عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ - بِقَوْلِهِ: ﴿فَأيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ﴾ ؟ ثُمَّ احْتَجَّ تَعالى عَلى قُرَيْشٍ بِما يَظْهَرُ في الأُمَمِ السالِفَةِ مِن نَقَماتِ اللهِ في الكَفَرَةِ، الَّذِينَ كانُوا أكْثَرَ عَدَدًا، وأشَدَّ قُوَّةَ أبْدانٍ ومَمالِكٍ، وأعْظَمُ آثارًا في المَبانِي والأفْعالِ مِن قُرَيْشٍ والعَرَبِ، فَلَمْ يُغْنِ عنهم كَسْبُهم ولا حالُهم شَيْئًا، حِينَ جاءَهم عَذابُ اللهِ وأخْذُهُ. و"ما" في قَوْلِهِ: ﴿فَما أغْنى﴾ نافِيَةٌ، قالَ الطَبَرِيُّ: وقِيلَ: هي تَوْقِيفٌ وتَقْرِيرٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب