الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿هُوَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ فَإذا قَضى أمْرًا فَإنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجادِلُونَ في آياتِ اللهِ أنّى يُصْرَفُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالكِتابِ وبِما أرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ ﴿إذِ الأغْلالُ في أعْناقِهِمْ والسَلاسِلُ يُسْحَبُونَ﴾ ﴿فِي الحَمِيمِ ثُمَّ في النارِ يُسْجَرُونَ﴾ ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهم أيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ ﴿مِن دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهِ الكافِرِينَ﴾
(p-٤٥٦)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا قَضى أمْرًا﴾ عِبارَةٌ عن إنْقاذِ الإيجادِ، وإخْراجِ المَخْلُوقِ مِنَ العَدَمِ، وإيجادُ المَوْجُوداتِ هو بِالقُدْرَةِ، واقْتِرانُ الأمْرِ بِذَلِكَ هو عَظَمَةٌ في المُلْكِ وتَخْضِيعٌ لِلْمَخْلُوقاتِ وإظْهارٌ لِلْقُدْرَةِ، والأمْرُ لِلْمُوجَدِ إنَّما يَكُونُ في حِينِ تَلَبُّسِ القُدْرَةِ بِإيجادِهِ، لا قَبْلَ ذَلِكَ، لِأنَّهُ حِينَئِذٍ لا يُخاطَبُ في مَعْنى الوُجُودِ والكَوْنِ، ولا بَعْدَ ذَلِكَ، لِأنَّ ما هو كائِنٌ لا يُقالُ لَهُ: كُنْ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجادِلُونَ﴾ الآيَةُ. ظاهِرُها أنَّها في الكُفّارِ المُجادِلِينَ في رِسالَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ والكِتابِ الَّذِي جاءَ بِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالكِتابِ﴾ الآيَةُ، وهَذا قَوْلُ ابْنُ زَيْدٍ والجُمْهُورِ مِنَ المُفَسِّرِينَ، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَيْرَيْنِ وغَيْرُهُ: قَوْلُهُ: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجادِلُونَ﴾ الآيَةُ إشارَةٌ إلى أهْلِ الأهْواءِ مِنَ الأُمَّةِ، ورَوَتْ هَذِهِ الفِرْقَةٌ في نَحْوِ هَذا حَدِيثًا، وقالُوا: هي في أهْلِ القَدَرِ ومَن جَرى مَجْراهُمْ، ويُلْزِمُ قائِلِي هَذِهِ المَقالَةِ أنْ يَجْعَلُوا قَوْلَهُ: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ الآيَةُ.. كَلامًا مَقْطُوعًا مُسْتَأْنَفًا في الكُفّارِ، "الَّذِينَ" ابْتِداءٌ، وخَبُرُهُ ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ خَبَرُ الِابْتِداءِ مَحْذُوفًا، والفاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذِ الأغْلالُ﴾ يَعْنِي يَوْمَ القِيامَةِ، والعامِلُ في الظَرْفِ ﴿ "يَعْلَمُونَ"،﴾ وعَبَّرَ عن ظَرْفِ الِاسْتِقْبالِ بِظَرْفٍ لا يُقالُ إلّا في الماضِي، وذَلِكَ لَمّا تَيَقَّنَ وُقُوعَ الأمْرِ حَسُنَ تَأْكِيدِهِ بِالإخْراجِ في صِيغَةِ الماضِي، وهَذا كَثِيرٌ في القُرْآنِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَإذْ قالَ اللهُ يا عِيسى﴾ [المائدة: ١١٦]، قالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: لَمْ تُجْعَلِ السَلاسِلُ في أعْناقِ أهْلِ النارِ، لِأنَّهم أعْجَزُوا الرَبَّ تَعالى ولَكِنْ لِتَرَسُّبِهِمِ إذا أطْفاهُمُ اللهَبُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ [والسَلاسِلُ]﴾ رَفَعا عَطْفًا عَلى [الأغْلالُ]، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وابْنُ مَسْعُودٍ: رَضِيَ اللهُ عنهُ [والسَلاسِلَ] بِالنَصْبِ [يَسْحَبُونَ] بِفَتْحِ الحاءِ وإسْنادِ الفِعْلِ إلَيْهِمْ وإيقاعِ الفِعْلِ عَلى السَلاسِلِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: [والسَلاسِلِ] بِالخَفْضِ عَلى تَقْدِيرِ: إذْ أعْناقُهم في الأغْلالِ والسَلاسِلِ، فَعَطَفَ عَلى المُرادِ مِنَ الكَلامِ لا عَلى تَرْتِيبِ اللَفْظِ؛ إذْ تَرْتِيبُهُ فِيهِ قَلْبٌ، وهو عَلى حَدِّ قَوْلِ العَرَبِ: "أدْخَلْتَ القَلَنْسُوَةَ في رَأْسِي"، وفي (p-٤٥٧)مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: [وَفِي السَلاسِلِ يُسْحَبُونَ]، و[يُسْحَبُونَ] مَعْناهُ: يُجَرُّونَ، والسَحْبُ: الجَرُّ. و"الحَمِيمُ": الذائِبُ الشَدِيدُ الحُرِّ مِنَ النارِ، ومِنهُ يُقالُ لِلْماءِ السُخْنِ: حَمِيمٌ. و﴿يُسْجَرُونَ﴾ قالَ مُجاهِدٌ: مَعْناهُ: تُوقَدُ النارُ بِهِمْ، والعَرَبُ تَقُولُ: "سَجَرْتُ التَنُّورَ" إذا مَلَأتُها نارًا، وقالَ السَدِّيُّ: "يُسْجَرُونَ": يُحْرَقُونَ.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى أنَّهم يُوقَفُونَ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ والتَقْرِيعِ، فَيُقالُ لَهُمْ: أيْنَ الأصْنامُ الَّتِي كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ في الدُنْيا؟ فَيَقُولُونَ: ضَلُّوا عَنّا، أيْ تَلَقُوا النارَ وغابُوا واضْمَحَلُّوا، ثُمَّ تَضْطَرِبُ أقْوالُهم ويَفْزَعُونَ إلى الكَذِبِ، فَيَقُولُونَ: بَلْ لَمْ نَكُنْ نَعْبُدُ شَيْئًا، ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ الكافِرِينَ﴾، أيْ كَهَذِهِ الصِفَةِ المَذْكُورَةِ وبِهَذا التَرْتِيبِ.
{"ayahs_start":68,"ayahs":["هُوَ ٱلَّذِی یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۖ فَإِذَا قَضَىٰۤ أَمۡرࣰا فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ","أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ یُصۡرَفُونَ","ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِٱلۡكِتَـٰبِ وَبِمَاۤ أَرۡسَلۡنَا بِهِۦ رُسُلَنَاۖ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ","إِذِ ٱلۡأَغۡلَـٰلُ فِیۤ أَعۡنَـٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَـٰسِلُ یُسۡحَبُونَ","فِی ٱلۡحَمِیمِ ثُمَّ فِی ٱلنَّارِ یُسۡجَرُونَ","ثُمَّ قِیلَ لَهُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ","مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُوا۟ ضَلُّوا۟ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُوا۟ مِن قَبۡلُ شَیۡـࣰٔاۚ كَذَ ٰلِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"],"ayah":"فِی ٱلۡحَمِیمِ ثُمَّ فِی ٱلنَّارِ یُسۡجَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق