الباحث القرآني
(p-٤٥٣)قوله عزّ وجلّ:
﴿اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ والنَهارَ مُبْصِرًا إنَّ اللهُ لَذُو فَضْلٍ عَلى الناسِ ولَكِنَّ أكْثَرَ الناسِ لا يَشْكُرُونَ﴾ ﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكم خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إلَهَ إلا هو فَأنّى تُؤْفَكُونَ﴾ ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾ ﴿اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرارًا والسَماءَ بِناءً وصَوَّرَكم فَأحْسَنَ صُوَرَكم ورَزَقَكم مِنَ الطَيِّباتِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكم فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾
هَذا تَنْبِيهٌ عَلى آياتِ اللهِ تَعالى، وعِبَرٌ مَتى تَأمَّلَها العاقِلُ أدَّتْهُ إلى تَوْحِيدِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى والإقْرارِ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والنَهارَ مُبْصِرًا﴾ مَجازُهُ: يُبْصِرُ فِيهِ، كَما تَقُولُ: نَهارٌ صائِمٌ ولَيْلٌ قائِمٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مَخْلُوقٍ، وما يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا كالقُرْآنِ والصِفاتِ فَلَيْسَ يَدْخُلُ في هَذا العُمُومِ، وهَذا كَما قالَ تَعالى: ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأحقاف: ٢٥] مَعْناهُ: كُلُّ شَيْءٍ مَبْعُوثٌ لِتَدْمِيرِهِ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "تُؤْفَكُونَ" بِالتاءِ، وفِرْقَةٌ: "يُؤْفِكُونَ" بِالياءِ، والمَعْنى في القِراءَةِ الأُولى: قُلْ لَهُمْ، و"تُؤْفَكُونَ" مَعْناهُ: تُصْرَفُونَ عَلى طَرِيقِ النَظَرِ والهُدى، وهَذا تَقْرِيرٌ بِمَعْنى التَوْبِيخِ والتَقْرِيعِ.
ثُمَّ قالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ﴾ أيْ: عَلى هَذِهِ الهَيْئَةِ وبِهَذِهِ الصِفَةِ صَرَفَ اللهُ تَعالى الكُفّارَ الجاحِدِينَ بِآياتِ اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالى مِنَ الأُمَمِ المُتَقَدِّمَةِ عَلى طَرِيقِ الهُدى، ثُمَّ بَيَّنَ نِعْمَتَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى في أنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرارًا ومِهادًا لِلْعِبادِ، والسَماءَ بِناءً وسَقْفًا. وقَرَأ الناسُ: "صُوَرَكُمْ" بِضَمِّ الصادِ، وقَرَأ أبُو رَزِينٍ بِكَسْرِها، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "صُورَكُمْ" بِسِكُونِ الواوِ عَلى نَحْوِ بُسْرَةٍ وبُسْرٍ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ الطَيِّباتِ﴾ يُرِيدُ: مِنَ المُسْتَلَذّاتِ طَعْمًا ولِبْسًا ومَكاسِبَ وغَيْرَ (p-٤٥٤)ذَلِكَ، ومَتى جاءَ ذِكْرُ الطَيِّباتِ بِقَرِينَةِ "رَزَقَكُمْ" ونَحْوَ فَهو المُسْتَلَذُّ، ومَتى جاءَ بِقَرِينَةِ تَحْلِيلٍ أو تَحْرِيمٍ - كَما قالَ تَعالى: ﴿قُلْ مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَيِّباتِ مَن الرِزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢]، وكَما قالَ: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَيِّباتِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] - فالطَيِّباتُ في مِثْلِ هَذا: الحَلالُ، وعَلى هَذا النَظَرِ يَخْرُجُ مَذْهَبُ مالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى في الطَيِّباتِ والخَبائِثِ، وقَوْلُ الشافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعالى: إنَّ الطَيِّباتِ هي المُسْتَلَذّاتُ والخَبائِثَ هي المُسْتَقْذَراتُ ضَعِيفٌ يَنْكَسِرُ بِمُسْتَلِذّاتٍ مُحَرَّمَةٍ ومُسْتَقْذَراتٍ مُحَلَّلَةٍ لا رَدَّ لَهُ في صَدْرِها، وأمّا حَيْثُ وقَعَتِ الطَيِّباتُ مَعَ الرِزْقِ فَإنَّما هي تَعْدِيدُ نِعْمَةٍ فِيما يَسْتَحْسِنُهُ البَشَرُ لا سِيَّما هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي هي مُخاطَبَةٌ لِلْكُفّارِ، فَإنَّما عُدِّدَتْ عَلَيْهِمُ النِعْمَةُ الَّتِي يَعْتَقِدُونَها نِعْمَةً. وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ.
{"ayahs_start":61,"ayahs":["ٱللَّهُ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّیۡلَ لِتَسۡكُنُوا۟ فِیهِ وَٱلنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَشۡكُرُونَ","ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیۡءࣲ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ","كَذَ ٰلِكَ یُؤۡفَكُ ٱلَّذِینَ كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ","ٱللَّهُ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارࣰا وَٱلسَّمَاۤءَ بِنَاۤءࣰ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّیِّبَـٰتِۚ ذَ ٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"كَذَ ٰلِكَ یُؤۡفَكُ ٱلَّذِینَ كَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ یَجۡحَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق