الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم أصْحابُ النارِ﴾ ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ ومَن حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ويُؤْمِنُونَ بِهِ ويَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْمًا فاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا واتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وقِهِمْ عَذابَ الجَحِيمِ﴾ ﴿رَبَّنا وأدْخِلْهم جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وعَدْتَهم ومَن صَلَحَ مِن آبائِهِمْ وأزْواجِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ إنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ ﴿وَقِهِمُ السَيِّئاتِ ومَن تَقِ السَيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾ وفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ: [كَذَلِكَ سَبَقَتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ]، والمَعْنى: كَما أخَذْتُ أُولَئِكَ المَذْكُورِينَ فَأهْلَكْتُهم فَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِماتِي عَلى جَمِيعِ الكُفّارِ، مَن تَقَدَّمَ مِنهم ومَن تَأخَّرَ، أنَّهم أهْلُ النارِ وسُكّانُها.وَقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ: "كَلِماتُ" عَلى الجَمْعِ، وهي قِراءَةُ الأعْرَجِ، وأبِي جَعْفَرٍ، وابْنِ نِصاحٍ. وقَرَأ الباقُونَ عَلى الإفْرادِ، وهي لِلْجِنْسِ، وهي قِراءَةُ أبِي رَجاءٍ، وقَتادَةَ، وهَذِهِ كُلُّها عِبارَةٌ عن خَتْمِ القَضاءِ عَلَيْهِمْ. وقَوْلُهُ: ﴿ "أنَّهُمْ"﴾ بَدَلٌ مِن "كَلِمَةُ". ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى بِخَبَرٍ يَتَضَمَّنُ تَشْرِيفَ المُؤْمِنِينَ ويَعَظِّمُ الرَجاءَ لَهُمْ، وهو أنَّ المَلائِكَةَ الحامِلِينَ لِلْعَرْشِ والَّذِينَ حَوْلَ العَرْشِ - وهم أفْضَلُ المَلائِكَةِ - يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ، ويَسْألُونَ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى لَهُمُ الجَنَّةَ والرَحْمَةَ، وهَذا مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى في غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿كانَ عَلى رَبِّكَ وعْدًا مَسْؤُولا﴾ [الفرقان: ١٦]، أيْ: سَألَتْهُ المَلائِكَةُ، وفَسَّرَ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ (p-٤٢٤)المُجْمَلَ الَّذِي في قَوْلِهِ تَعالى في غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن في الأرْضِ﴾ [الشورى: ٥]، لِأنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّ المَلائِكَةَ لا تَسْتَغْفِرُ لِكافِرٍ، وقَدْ يَجُوزُ أنْ يُقالَ: مَعْنى ذَلِكَ أنَّهم يَسْتَغْفِرُونَ لِلْكَفّارِ، بِمَعْنى طَلَبِ هِدايَتِهِمْ والمَغْفِرَةِ لَهم بَعْدَ ذَلِكَ، وعَلى هَذا النَحْوِ هو اسْتِغْفارُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ لِأبِيهِ، واسْتِغْفارُ رَسُولِ اللهِ ﷺ لِلْمُنافِقِينَ، وبَلَغَنِي أنَّ رَجُلًا قالَ لِبَعْضِ الصالِحِينَ: ادْعُ لِي واسْتَغْفِرْ لِي، فَقالَ لَهُ: تُبْ واتَّبِعْ سَبِيلَ اللهِ يَسْتَغْفِرْ لَكَ مَن هو خَيْرٌ مِنِّي، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ. وقالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِخِّيرِ: وجَدْنا أنْصَحَ العِبادِ لِلْعِبادِ المَلائِكَةَ، وأغَشَّ العِبادِ لِلْعِبادِ الشَياطِينَ، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ، ورَوى جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ: « "أُذِنَ لِي أنْ أُحَدِّثَ عن مَلَكٍ مِن حَمَلَةِ العَرْشِ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وعاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ".» وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "العُرْشَ" بِضَمِّ العَيْنِ، والجُمْهُورُ عَلى فَتْحِها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَبَّنا وسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْمًا﴾. نُصِبَ "رَحْمَةً" عَلى التَمْيِيزِ، وفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: يَقُولُونَ، ومَعْناهُ: وسِعَتْ رَحْمَتُكُ وعِلْمُكُ كُلَّ شَيْءٍ، وهَذا نَحْوُ قَوْلِهِمْ: "تَفَقَّأتَ شَحْمًا، وتَصَبَّبَتَ عَرَقًا، وطِبْتَ نَفْسًا". و"سَبِيلُ اللهِ المُتَّبَعَةِ" هي الشَرائِعُ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "جَنّاتِ عَدْنٍ" عَلى جَمْعِ الجَنّاتِ، وقَرَأ الأعْمَشُ - في رِوايَةِ المُفَضَّلِ -: "جَنَّةَ عَدْنٍ" عَلى الإفْرادِ، وكَذَلِكَ هو في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، و"العَدْنُ": الإقامَةُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن صَلَحَ مِن آبائِهِمْ وأزْواجِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ﴾. رُوِيَ عن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللهُ تَعالى عنهُ في تَفْسِيرِ ذَلِكَ: أنَّ الرَجُلَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَبْلَ قَرابَتِهِ، فَيَقُولُ: أيْنَ أبِي؟ أيْنَ أُمِّي؟ أيْنَ زَوْجَتِي؟ فَيُلْحَقُونَ بِهِ لِصَلاحِهِمْ، ولِتَنْبِيهِهِ عَلَيْهِمْ وطَلَبِهِ إيّاهُمْ، وهَذِهِ دَعْوَةُ المَلائِكَةِ، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: "وَذَرِّيَّتَهُمْ" بِالإفْرادِ. (p-٤٢٥)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "وَقِهِمْ"﴾ أصْلُهُ: أوقِهِمْ، حُذِفَتِ الواوَ إتْباعًا لِحَذْفِها في المُسْتَقْبَلِ، واسْتُغْنِيَ عن ألْفِ الوَصْلِ لِتَحَرُّكِ القافِ، ومَعْناهُ: اجْعَلْ لَهم وِقايَةً تَقِيهِمُ السَيِّئاتِ، واللَفْظُ يَحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الدُعاءُ في أنْ يَدْفَعَ اللهُ عنهُمُ العَذابَ اللاحِقَ مِنَ السَيِّئاتِ، فَيَكُونُ في اللَفْظِ - عَلى هَذا - حَذْفُ مُضافٍ، كَأنَّهُ قالَ: وقَهِمَ جَزاءَ السَيِّئاتِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب