الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿النارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وعَشِيًّا ويَوْمَ تَقُومُ الساعَةُ أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذابِ﴾ ﴿وَإذْ يَتَحاجُّونَ في النارِ فَيَقُولُ الضُعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنّا كُنّا لَكم تَبَعًا فَهَلْ أنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا نَصِيبًا مِنَ النارِ﴾ ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنّا كُلٌّ فِيها إنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبادِ﴾ ﴿وَقالَ الَّذِينَ في النارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكم يُخَفِّفْ عَنّا يَوْمًا مِنَ العَذابِ﴾ ﴿قالُوا أوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكم رُسُلُكم بِالبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فادْعُوا وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلا في ضَلالٍ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿النارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها﴾، [النارُ] رُفِعَ عَلى البَدَلِ مِن [سُوءُ]، وقالَتْ (p-٤٤٧)فِرْقَةٌ: [النارُ] رُفِعَ بِالِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ [يُعْرَضُونَ].
وقالَتْ فِرْقَةٌ: هَذا الغُدُوُّ والعَشِيُّ هو في الدُنْيا، أيْ: في كُلِّ غُدُوٍّ وعَشِيٍّ مِن أيّامِ الدُنْيا يُعْرَضُ آلُ فِرْعَوْنَ عَلى النارِ، ورُوِيَ في ذَلِكَ عَنِ الهَزِيلِ بْنِ شُرَحْبِيلٍ، والسُدِّيِّ: أنَّ أرْواحَهم في أجْوافِ طَيْرٍ سُودٍ تَرُوحُ بِهِمْ وتَغْدُو إلى النارِ، وقالَهُ الأوزاعِيُّ حِينَ قالَ لَهُ رَجُلٌ: إنِّي رَأيْتُ طُيُورًا بِيضًا تَغْدُو مِنَ البَحْرِ ثُمَّ تَرْجِعُ بِالعَشِيِّ سُودًا مِثْلَها، فَقالَ الأوزاعِيُّ: تِلْكَ هي الَّتِي في حَواصِلِها أرْواحُ آلِ فِرْعَوْنَ، يَحْتَرِقُ رِيشُها ويَسُودَّ بِالعَرْضِ عَلى النارِ، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ وغَيْرُهُ: أرادَ أنَّهم يُعْرَضُونَ في الآخِرَةِ عَلى النارِ عَلى تَقْدِيرِ ما بَيْنَ الغُدُوِّ والعَشِيِّ؛ إذْ لا غُدُوَّ ولا عَشِيَّ في الآخِرَةِ، وإنَّما ذَلِكَ. عَلى التَقْدِيرِ بِأيّامِ الدُنْيا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعَةُ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ "يَوْمَ" عَطْفًا عَلى "عَشِيًّا" والعامِلُ فِيهِ [يُعْرَضُونَ]، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ كَلامًا مَقْطُوعًا والعامِلُ فِي: [يَوْمَ] [أدْخِلُوا]، والتَقْدِيرُ: عَلى كُلِّ قَوْلٍ: "يُقالُ ادْخُلُوا". وقَرَأ نافِعٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وحَفَصٌ عن عاصِمٍ، والأعْرَجُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، والأعْمَشُ، وابْنُ وثّابٍ، وطِلْحَةُ: [أدْخَلُوا] بِقَطْعِ الألْفِ، وقَرَأ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عن عاصِمٍ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ: [ادْخُلُوا] بِصِلَةِ الألْفِ عَلى الأمْرِ لِآلِ فِرْعَوْنَ، و[آلَ] - عَلى هَذِهِ القِراءَةِ - مُنادى مُضافٌ، و[أشَدَّ] نُصِبَ عَلى الظَرْفِيَّةِ.
والضَمِيرُ في قَوْلِهِ: [يَتَحاجُّونَ] لِجَمِيعِ كَفّارِ الأُمَمِ، وهَذا ابْتِداءُ قَصَصٍ لا يَخْتَصُّ بِآلِ فِرْعَوْنَ، والعامِلُ في [إذْ] فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: واذْكُرْ، قالَ الطَبَرِيُّ: و[إذْ] هَذِهِ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذِ القُلُوبُ لَدى الحَناجِرِ﴾ [غافر: ١٨].
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا بَعِيدٌ، و"المُحاجَّةُ": التَحاوُرُ بِالحَجَّةِ والخُصُومَةِ. و"الضُعَفاءُ" يُرِيدُ في القَدْرِ والمَنزِلَةِ في الدُنْيا، و﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ هم أشْرافُ الكُفّارِ وكُبَراؤُهُمْ، ولَمْ (p-٤٤٨)يَصِفُهم بِالكِبْرِ إلّا مِن حَيْثُ اسْتَكْبَرُوا، لا أنَّهم في أنْفُسِهِمْ كُبَراءُ، ولَوْ كانُوا كَذَلِكَ في أنْفُسِهِمْ لَكانَتْ صِفَتُهُمُ الكُبَراءَ أو نَحْوَهُ مِمّا يُوجِبُ الصِفَةَ لَهُمْ، و"التَبَعُ" قِيلَ: هو جَمْعٌ واحِدُهُ تابِعٌ كَغائِبٌ وغَيْبٌ، وقِيلَ: هو مُفْرَدٌ يُوصَفُ بِهِ الجَمْعُ، كَعَدْلٍ وزُورٍ وغَيْرِهِ. وقَوْلُهُمْ: ﴿مُغْنُونَ عَنّا﴾ أيْ يَحْمِلُونَ عَنّا كَلَّهُ ومَشَقَّتَهُ، فَأخْبَرَهُمُ المُسْتَكْبِرُونَ أنَّ الأمْرَ قَدِ انْجَزَمَ بِحُصُولِ الكُلِّ مِنهم فِيها، وأنَّ حُكْمَ اللهِ تَعالى قَدِ اسْتَمَرَّ بِذَلِكَ.
وقَوْلُهُ: ﴿كُلٌّ فِيها﴾ ابْتِداءٌ وخَبَرٌ، والجُمْلَةُ خَبَرُ (إنَّ)، وقَرَأ ابْنُ السَمَيْفَعِ: "إنّا كُلًّا فِيها" بِالنَصْبِ عَلى التَأْكِيدِ، ثُمَّ قالَ جَمِيعُ مَن في النارِ لِخَزَنَتِها وزَبانِيَتِها: ادْعُوا رَبَّكم عَسى أنْ يُخَفِّفَ عَنّا مِقْدارَ يَوْمٍ مِن أيّامِ الدُنْيا مِنَ العَذابِ، فَراجَعَتْهُمُ الخَزَنَةُ - عَلى مَعْنى التَوْبِيخِ والتَقْرِيرِ - ﴿أوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكم رُسُلُكُمْ﴾ الآيَةُ، فَأقَرَّ الكُفّارُ عِنْدَ ذَلِكَ وقالُوا: "بَلى"، أيْ قَدْ كانَ ذَلِكَ، فَقالَ لَهُمُ الخَزَنَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: فادْعُوا أنْتُمْ إذًا، وعَلى هَذا مَعْنى الهُزْءِ بِهِمْ، أيْ: فادْعُوا أيُّها الكافِرُونَ الَّذِينَ لا مَعْنى لِدُعائِكُمْ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: ﴿وَما دُعاءُ الكافِرِينَ إلا في ضَلالٍ﴾ هو مِن قَوْلِ الخَزَنَةِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو مِن قَوْلِ اللهِ تَعالى إخْبارًا مِنهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ، وجاءَتْ هَذِهِ الأفْعالُ عَلى صِيغَةِ المُضِيِّ، ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ - ﴿وَقالَ الَّذِينَ في النارِ﴾ - لِأنَّها وصْفُ حالٍ مُتَيَقَّنَةِ الوُقُوعِ فَحَسُنَ ذَلِكَ فِيها.
{"ayahs_start":46,"ayahs":["ٱلنَّارُ یُعۡرَضُونَ عَلَیۡهَا غُدُوࣰّا وَعَشِیࣰّاۚ وَیَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوۤا۟ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ","وَإِذۡ یَتَحَاۤجُّونَ فِی ٱلنَّارِ فَیَقُولُ ٱلضُّعَفَـٰۤؤُا۟ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوۤا۟ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعࣰا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلنَّارِ","قَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوۤا۟ إِنَّا كُلࣱّ فِیهَاۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ حَكَمَ بَیۡنَ ٱلۡعِبَادِ","وَقَالَ ٱلَّذِینَ فِی ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدۡعُوا۟ رَبَّكُمۡ یُخَفِّفۡ عَنَّا یَوۡمࣰا مِّنَ ٱلۡعَذَابِ","قَالُوۤا۟ أَوَلَمۡ تَكُ تَأۡتِیكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِۖ قَالُوا۟ بَلَىٰۚ قَالُوا۟ فَٱدۡعُوا۟ۗ وَمَا دُعَـٰۤؤُا۟ ٱلۡكَـٰفِرِینَ إِلَّا فِی ضَلَـٰلٍ"],"ayah":"قَالَ ٱلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوۤا۟ إِنَّا كُلࣱّ فِیهَاۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ حَكَمَ بَیۡنَ ٱلۡعِبَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق