الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَيا قَوْمِ ما لِي أدْعُوكم إلى النَجاةِ وتَدْعُونَنِي إلى النارِ﴾ ﴿تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللهِ وأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وأنا أدْعُوكم إلى العَزِيزِ الغَفّارِ﴾ ﴿لا جَرَمَ أنَّما تَدْعُونَنِي إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ في الدُنْيا ولا في الآخِرَةِ وأنَّ مَرَدَّنا إلى اللهِ وأنَّ المُسْرِفِينَ هم أصْحابُ النارِ (p-٤٤٥)﴾ ﴿فَسَتَذْكُرُونَ ما أقُولُ لَكم وأُفَوِّضُ أمْرِي إلى اللهِ إنَّ اللهِ بَصِيرٌ بِالعِبادِ﴾ ﴿فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذابِ﴾
قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الخِلافِ، هَلْ هَذِهِ المَقالَةُ لِمُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أو لِمُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ. والدُعاءُ إلى طاعَةِ اللهِ وعِبادَتِهِ وتَوْحِيدِهِ هو الدُعاءُ إلى سَبَبِ النَجاةِ، فَجَعَلَهُ دُعاءً إلى النَجاةِ اخْتِصارًا واقْتِضابًا، وكَذَلِكَ دُعاؤُهم إيّاهُ إلى الكُفْرِ واتِّباعِ دِينِهِمْ هو دُعاءٌ إلى سَبَبِ دُخُولِ النارِ، فَجَعَلَهُ دُعاءً إلى النارِ اخْتِصارًا، ثُمَّ بَيَّنَ عَلَيْهِمْ ما بَيْنَ الدَعْوَتَيْنِ مِنَ البَوْنِ في أنَّ الواحِدَةَ كُفْرٌ وشِرْكٌ، والأُخْرى دَعْوَةٌ إلى الإسْنادِ إلى عِزَّةِ اللهِ وغُفْرانِهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ﴾ لَيْسَ مَعْناهُ أنِّي جاهِلٌ بِهِ، بَلْ مَعْناهُ العِلْمُ بِأنَّ الأوثانَ وفِرْعَوْنَ وغَيْرَهُ لَيْسَ لَهم مُدْخَلٌ في الأُلُوهِيَّةِ، ولَيْسَ لِأحَدٍ مِنَ البَشَرِ عِلْمٌ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ النَظَرِ بِأنَّ لَهم في الأُلُوهِيَّةِ مَدْخَلًا، بَلِ العِلْمُ اليَقِينُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِن حُدُوثِهِمْ مُتَحَصِّلٌ.
و"لا جَرَمَ" مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ والخَلِيلِ أنَّها "لا" النافِيَةُ دَخَلَتْ عَلى "جَرَمَ"، ومَعْناها: ثَبَتَ ووَجَبَ، ومِن ذَلِكَ جَرَمَ بِمَعْنى كَسَبَ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ولِقَدْ طَعَنَتَ أبا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ∗∗∗ جَرَمَتْ فَزارَةُ بَعْدَها أنْ يَغْضَبُوا
أيْ أوجَبَتْ لَهم ذَلِكَ وثَبَّتَتْهُ لَهُمْ، فَكَأنَّ الكَلامَ نَفْيٌ لِلْكَلامِ المَرْدُودِ عَلَيْهِ بِـ"لا"، وإثْباتٌ لِلْمُسْتَأْنَفِ بِـ"جَرَمَ"، و[أنَّ] - عَلى هَذا النَظَرِ - في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِـ[جَرَمَ]، (p-٤٤٦)وَكَذَلِكَ [أنَّ] الثانِيَةُ والثالِثَةُ، ومَذْهَبُ جَماعَةٍ مِن أهْلِ اللِسانِ أنَّ "لا جَرَمَ" بِمَعْنى "لابُدَّ" و"لا مَحالَةَ" فَـ"أنَّ" - عَلى هَذا النَظَرِ - في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِإسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ، أيْ: لا مَحالَةَ بِأنَّ ما، و[ما] بِمَعْنى "الَّذِي" واقِعَةٌ عَلى الأصْنامِ وما عَبَدُوهُ مِن دُونِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى.
وقَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ في الدُنْيا﴾ أيْ قَدْرٌ وحَقٌّ يَجِبُ أنْ يُدْعى أحَدٌ إلَيْهِ، فَكَأنَّهُ قالَ: تَدْعُونَنِي إلى ما لا غِناءَ لَهُ وبَيْنَ أيْدِينا خَطْبٌ جَلِيلٌ مِنَ الرَدِّ إلى اللهِ تَعالى. وأهَّلُ الإسْرافِ والشِرْكِ: هم أصْحابُ النارِ بِالخُلُودِ فِيها والمُلازَمَةِ، أيْ: وكَيْفَ أُطِيعُكم مَعَ هَذِهِ الأُمُورِ الحَقائِقِ، وفي طاعَتِكم رَفَضُ العَمَلِ بِحَسَبِها والخَوْفُ مِنها؟ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ومُجاهِدٌ: المُسْرِفُونَ سَفّاكُو الدِماءِ بِغَيْرِ حَلِّها، وقالَ قَتادَةُ: هُمُ المُشْرِكُونَ.
ثُمَّ تَوَعَّدَهم بِأنَّهم سَيَذْكُرُونَ قَوْلَهُ هَذا عِنْدَ حُلُولِ العَذابِ بِهِمْ، وسَوْفَ بِالسِينِ إذِ الأمْرُ مُحْتَمَلٌ أنْ يَخْرُجَ الوَعِيدُ في الدُنْيا أو في الآخِرَةِ، وهَذا تَأْوِيلُ ابْنِ زَيْدٍ، ورَوى اليَزِيدِيُّ وغَيْرُهُ عن أبِي عَمْرٍو فَتْحَ الياءِ مِن [أمْرِي]، والضَمِيرُ فِي: [فَوَقاهُ] يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أو عَلى مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، وقالَ قائِلُوا ذَلِكَ: إنَّ ذَلِكَ المُؤْمِنَ نَجا مَعَ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ وفَرَّ في جُمْلَةِ مَن فَرَّ مَعَهُ، مِنَ المُتَّبَعِينَ. وقَرَأ عاصِمٌ: "فَوَقاهُ" بِالإمالَةِ.
و"حاقَ" مَعْناهُ: نَزَلَ، وهي مُسْتَعْمَلَةٌ في المَكْرُوهِ، وسُوءُ العَذابِ: الغَرَقُ وما بَعْدَهُ مِنَ النارِ وعَذابِها.
{"ayahs_start":41,"ayahs":["۞ وَیَـٰقَوۡمِ مَا لِیۤ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدۡعُونَنِیۤ إِلَى ٱلنَّارِ","تَدۡعُونَنِی لِأَكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشۡرِكَ بِهِۦ مَا لَیۡسَ لِی بِهِۦ عِلۡمࣱ وَأَنَا۠ أَدۡعُوكُمۡ إِلَى ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡغَفَّـٰرِ","لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدۡعُونَنِیۤ إِلَیۡهِ لَیۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةࣱ فِی ٱلدُّنۡیَا وَلَا فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَاۤ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ هُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِ","فَسَتَذۡكُرُونَ مَاۤ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِیۤ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ","فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِ مَا مَكَرُوا۟ۖ وَحَاقَ بِـَٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوۤءُ ٱلۡعَذَابِ"],"ayah":"فَسَتَذۡكُرُونَ مَاۤ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِیۤ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق