الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلْيُقاتِلْ في سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الحَياةَ الدُنْيا بِالآخِرَةِ ومَن يُقاتِلْ في سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿وَما لَكم لا تُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِجالِ والنِساءِ والوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أخْرِجْنا مِنَ هَذِهِ القَرْيَةِ الظالِمِ أهْلُها واجْعَلْ لَنا مِنَ لَدُنْكَ ولِيًّا واجْعَلْ لَنا مِنَ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ هَذا أمْرٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وصَفَهم بِالجِهادِ في سَبِيلِ اللهِ. و"يَشْرُونَ" مَعْناهُ: يَبِيعُونَ في هَذا المَوْضِعِ، وإنْ جاءَ في مَواضِعَ: يَشْتَرُونَ، فالمَعْنى هاهُنا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ بِمَعْنى: يَبِيعُونَ. ثُمَّ وصَفَ اللهُ ثَوابَ المُقاتِلِ في سَبِيلِ اللهِ، فَذَكَرَ غايَتَيْ حالَتَيْهِ، واكْتَفى بِالغايَتَيْنِ عَمّا بَيْنَهُما، وذَلِكَ أنَّ غايَةَ المَغْلُوبِ في القِتالِ أنْ يُقْتَلَ، وغايَةَ الَّذِي يَقْتُلُ ويَغْنَمُ أنْ يَتَّصِفَ بِأنَّهُ غالِبٌ عَلى الإطْلاقِ. والأجْرُ العَظِيمُ: الجَنَّةُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: "فَلْيُقاتِلْ" بِسُكُونِ لامِ الأمْرِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ "فَلِيُقاتِلْ" بِكَسْرِها، وقَرَأ مُحارِبُ بْنُ دِثارٍ "فَيَقْتُلْ أو يَغْلِبْ" عَلى بِناءِ الفِعْلَيْنِ لِلْفاعِلِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "نُؤْتِيهِ" بِالنُونِ، وقَرَأ الأعْمَشُ وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "فَسَوْفَ يُؤْتِيهِ" بِالياءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "وَما لَكُمْ" اللامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِما يَتَعَلَّقُ بِالمُسْتَفْهَمِ عنهُ مِن مَعْنى الفِعْلِ، تَقْدِيرُهُ: وأيُّ شَيْءٍ مَوْجُودٍ أو كائِنٍ أو نَحْوِ ذَلِكَ لَكُمْ؟ و"لا تُقاتِلُونَ" في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى الحالِ تَقْدِيرُهُ: تارِكِينَ، أو مُضَيِّعِينَ. وقَوْلُهُ: "والمُسْتَضْعَفِينَ" عُطِفَ عَلى اسْمِ اللهِ تَعالى، أيْ: وفي سَبِيلِ المُسْتَضْعَفِينَ، وقِيلَ: عُطِفَ عَلى السَبِيلِ، أيْ: وفي (p-٦٠٣)المُسْتَضْعَفِينَ لِاسْتِنْقاذِهِمْ، ويَعْنِي بِالمُسْتَضْعَفِينَ مَن بِمَكَّةَ مِنَ المُؤْمِنِينَ تَحْتَ إذْلالِ كَفَرَةِ قُرَيْشٍ وأذاهم لا يَسْتَطِيعُونَ خُرُوجًا، ولا يَطِيبُ لَهم -عَلى الأذى- إقامَةٌ، وفي هَؤُلاءِ «كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: "اللهُمَّ أنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشامٍ، وعَيّاشَ بْنَ أبِي رَبِيعَةَ، اللهُمَّ أنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ".» "والوِلْدانِ" بابُهُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ ولِيدٍ، وقَدْ يَكُونُ جَمْعَ ولَدٍ كَوَرَلٍ ووِرْلانٍ، فَهي عَلى الوَجْهَيْنِ عِبارَةٌ عَنِ الصِبْيانِ، والقَرْيَةُ هاهُنا- مَكَّةُ بِإجْماعٍ مِنَ المُتَأوِّلِينَ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: والآيَةُ تَتَناوَلُ المُؤْمِنِينَ والأسْرى وحَواضِرَ الشِرْكِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، ووَحَّدَ الظالِمَ لِأنَّهُ مَوْضِعُ اتِّخاذِ الفِعْلِ، ألا تَرى أنَّ الفِعْلَ إنَّما تَقْدِيرُهُ: الَّذِي ظَلَمَ أهْلَها، ولَمّا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ حِيلَةٌ إلّا الدُعاءَ دَعَوْا في الِاسْتِنْقاذِ، وفِيما يُوالِيهِمْ مِن مَعُونَةِ اللهِ تَعالى، وما يَنْصُرُهم عَلى أُولَئِكَ الظَلَمَةِ مِن فَتْحِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب