الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ والرَسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أنْعَمَ اللهَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَبِيِّينَ والصِدِّيقِينَ والشُهَداءِ والصالِحِينَ وحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ ﴿ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللهِ وكَفى بِاللهِ عَلِيمًا﴾ لَمّا ذَكَرَ اللهُ الأمْرَ الَّذِي لَوْ فَعَلُوهُ لَأنْعَمَ عَلَيْهِمْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَوابَ مَن يَفْعَلُهُ، وهَذِهِ الآيَةُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اهْدِنا الصِراطَ المُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] ﴿صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧]، (p-٥٩٨)وَقالَتْ طائِفَةٌ: إنَّما نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ «لَمّا قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الأنْصارِيُّ الَّذِي أُرِيَ الأذانَ: يا رَسُولَ اللهِ، إذا مُتَّ ومُتْنا كُنْتَ في عِلِّيِّينَ فَلا نَراكَ ولا نَجْتَمِعُ بِكَ، وذَكَرَ حُزْنَهُ عَلى ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ،» وحَكى مَكِّيٌّ عن عَبْدِ اللهِ هَذا، أنَّهُ لَمّا ماتَ النَبِيُّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، قالَ: اللهُمَّ أعْمِنِي حَتّى لا أرى شَيْئًا بَعْدَهُ، فَعَمِيَ، وذَكَرَ أنَّ جَماعَةً مِنَ الأنْصارِ قالَتْ ذَلِكَ أو نَحْوَهُ، حَكاهُ الطَبَرِيُّ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ، وقَتادَةَ، والسُدِّيِّ. ومَعْنى "أنَّهم مَعَهُمْ": أنَّهم في دارٍ واحِدَةٍ، ومُتَنَعَّمٍ واحِدٍ، وكُلُّ مَن فِيها قَدْ رُزِقَ الرِضا بِحالِهِ، وذَهَبَ عنهُ أنْ يَعْتَقِدَ أنَّهُ مَفْضُولٌ، وإنْ كُنّا نَحْنُ قَدْ عَلِمْنا مِنَ الشَرِيعَةِ أنَّ أهْلَ الجَنَّةِ تَخْتَلِفُ مَراتِبُهم عَلى قَدْرِ أعْمالِهِمْ، وعَلى قَدْرِ فَضْلِ اللهِ عَلى مَن شاءَ. والصِدِّيقُ: فِعِّيلٌ مِنَ الصِدْقِ، وقِيلَ: مِنَ الصَدَقَةِ، ورُوِيَ عَنِ النَبِيِّ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "الصِدِّيقُونَ المُصَدِّقُونَ"» والشُهَداءُ: المَقْتُولُونَ في سَبِيلِ اللهِ، هُمُ المَخْصُوصُونَ بِفَضْلِ المِيتَةِ، وهُمُ الَّذِينَ فَرَّقَ الشَرْعُ حُكْمَهم في تَرْكِ الغُسْلِ والصَلاةِ، لِأنَّهم أكْرَمُ مِن أنْ يُشْفَعَ لَهُمْ، وسُمُّوا بِذَلِكَ لِأنَّ اللهَ شَهِدَ لَهم بِالجَنَّةِ، وقِيلَ: لِأنَّهم شَهِدُوا لِلَّهِ بِالحَقِّ في مَوْتِهِمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِهِ، ولَكِنَّ لَفْظَ الشُهَداءِ في هَذِهِ الآيَةِ يَعُمُّ أنْواعَ الشُهَداءِ. (p-٥٩٩)وَ"رَفِيقًا" مُوَحَّدُ في مَعْنى الجَمْعِ، كَما قالَ: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُكم طِفْلا﴾ [غافر: ٦٧]. ونَصْبُهُ عَلى التَمْيِيزِ، وقِيلَ: عَلى الحالِ، والأوَّلُ أصْوَبُ، وقَرَأ أبُو السَمّالِ: "وَحَسْنَ" بِسُكُونِ السِينِ، وذَلِكَ مِثْلُ: "شَجْرَ بَيْنَهُمْ". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللهِ﴾ رَدٌّ عَلى تَقْدِيرِ مُعْتَرِضٍ يَقُولُ: وما الَّذِي يُوجِبُ اسْتِواءَ أهْلِ الطاعَةِ والنَبِيِّينَ في الآخِرَةِ والفَرْقُ بَيْنَهم في الدُنْيا بَيِّنٌ؟ فَذَكَرَ اللهُ أنَّ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ لا بِوُجُوبٍ عَلَيْهِ، والإشارَةُ بِـ "ذَلِكَ" إلى كَوْنِ المُطِيعِينَ مَعَ المُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، وأيْضًا فَلا نُقَرِّرُ الِاسْتِواءَ، بَلْ هم مَعَهم في دارٍ والمَنازِلُ مُتَبايِنَةٌ. ثُمَّ قالَ: ﴿وَكَفى بِاللهِ عَلِيمًا﴾ وفِيها مَعْنى أنْ يَقُولَ: فَسَلِّمُوا فِعْلَ اللهِ وتَفَضُّلَهُ مِنَ الاعْتِراضِ عَلَيْهِ، واكْتَفُوا بِعِلْمِهِ في ذَلِكَ وغَيْرِهِ، ولِذَلِكَ أُدْخِلَتِ الباءُ عَلى اسْمِ اللهِ، لِتَدُلَّ عَلى الأمْرِ الَّذِي في قَوْلِهِ: "وَكَفى".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب