الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿فَكَيْفَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ ثُمَّ جاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إنْ أرَدْنا إلا إحْسانًا وتَوْفِيقًا﴾ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما في قُلُوبِهِمْ فَأعْرِضْ عنهم وعِظْهم وقُلْ لَهم في أنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا﴾ ﴿وَما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلا لِيُطاعَ بِإذْنِ اللهِ ولَوْ أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم جاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللهِ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَسُولُ لَوَجَدُوا اللهِ تَوّابًا رَحِيمًا﴾
قالَتْ فِرْقَةٌ: هي في المُنافِقِينَ الَّذِينَ احْتَكَمُوا حَسَبَ ما تَقَدَّمَ، فالمَعْنى: فَكَيْفَ بِهِمْ إذا عاقَبَهُمُ اللهُ بِهَذِهِ الذُنُوبِ بِنِقْمَةٍ مِنهُ؟ ثُمَّ حَلَفُوا إنْ أرَدْنا بِالِاحْتِكامِ إلى الطاغُوتِ إلّا تَوْفِيقَ الحُكْمِ وتَقْرِيبَهُ دُونَ مُرِّ الحُكْمِ وتَقَصِّي الحَقِّ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي في المُنافِقِينَ (p-٥٩٣)الَّذِينَ طَلَبُوا دَمَ الَّذِي قَتَلَهُ عُمَرُ، فالمَعْنى: فَكَيْفَ بِهِمْ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ في قَتْلِ قَرِيبِهِمْ ومِثْلِهِ مِن نِقَمِ اللهِ تَعالى؟ ثُمَّ إنَّهم حَلَفُوا ما أرادُوا بِطَلَبِ دَمِهِ إلّا إحْسانًا وحَقًّا، نَحا إلَيْهِ الزَجّاجُ. ومَوْضِعُ "كَيْفَ" نَصْبٌ بِفِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: فَكَيْفَ تَراهُمْ؟ ونَحْوُهُ، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ مَوْضِعُها رَفْعًا، تَقْدِيرُهُ: فَكَيْفَ صَنِيعُهُمْ؟
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما في قُلُوبِهِمْ﴾ تَكْذِيبُ المُنافِقِينَ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهم وتَوَعُّدُهُمْ، أيْ: فَهو مُجازِيهِمْ بِما يَعْلَمُ.
و"فَأعْرِضْ عنهُمْ" يَعْنِي عن مُعاقَبَتِهِمْ، وعن شَغْلِ البالِ بِهِمْ، وعن قَبُولِ أيْمانِهِمُ الكاذِبَةِ في قَوْلِهِ "يَحْلِفُونَ"، ولَيْسَ بِالإعْراضِ الَّذِي هو القَطِيعَةُ والهَجْرُ، فَإنَّ قَوْلَهُ: "وَعِظْهُمْ" يَمْنَعُ مِن ذَلِكَ، و"وَعِظْهُمْ" مَعْناهُ بِالتَخْوِيفِ مِن عَذابِ اللهِ وغَيْرِهِ مِنَ المَواعِظِ.
والقَوْلُ البَلِيغُ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: هو الزَجْرُ والرَدْعُ والكَفُّ بِالبَلاغَةِ مِنَ القَوْلِ. وقِيلَ: هو التَوَعُّدُ بِالقَتْلِ إنِ اسْتَدامُوا حالَةَ النِفاقِ، قالَهُ الحَسَنُ، وهَذا أبْلَغُ ما يَكُونُ في نُفُوسِهِمْ.
والبَلاغَةُ: مَأْخُوذَةٌ مِن بُلُوغِ المُرادِ بِالقَوْلِ، وحُكِيَ عن مُجاهِدٍ أنَّ قَوْلَهُ: "فِي أنْفُسِهِمْ" مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: "مُصِيبَةٌ" وهو مُؤَخَّرٌ بِمَعْنى التَقْدِيمِ، وهَذا ضَعِيفٌ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلا لِيُطاعَ بِإذْنِ اللهِ﴾ تَنْبِيهٌ عَلى جَلالَةِ الرُسُلِ، أيْ: فَأنْتَ يا مُحَمَّدُ مِنهُمْ، تَجِبُ طاعَتُكَ، وتَتَعَيَّنُ إجابَةُ الدَعْوَةِ إلَيْكَ. و"لِيُطاعَ" نُصِبَ بِلامِ "كَيْ"، و"بِإذْنِ اللهِ" مَعْناهُ: بِأمْرِ اللهِ، وحَسُنَتِ العِبارَةُ (p-٥٩٤)بِالإذْنِ، إذْ بِنَفْسِ الإرْسالِ تَجِبُ طاعَتُهُ وإنْ لَمْ يَنُصَّ أمْرٌ بِذَلِكَ. ويَصِحُّ تَعَلُّقُ الباءِ مِن قَوْلِهِ: "بِإذْنِ" بِـ "أرْسَلْنا"، والمَعْنى: وما أرْسَلْنا بِأمْرِ اللهِ، أيْ: بِشَرِيعَتِهِ وعِبادَتِهِ مِن رَسُولٍ إلّا لِيُطاعَ، والأظْهَرُ تَعَلُّقُها بِـ "يُطاعَ"والمَعْنى: وما أرْسَلْنا مِن رَسُولٍ إلّا لِيُطاعَ بِأمْرِ اللهِ بِطاعَتِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وعَلى التَعْلِيقَيْنِ فالكَلامُ عامُّ اللَفْظِ خاصُّ المَعْنى، لِأنّا نَقْطَعُ أنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى قَدْ أرادَ مِن بَعْضِ خَلْقِهِ ألّا يُطِيعُوا، ولِذَلِكَ خَرَّجَتْ طائِفَةٌ مَعْنى الإذْنِ إلى العِلْمِ، وطائِفَةٌ خَرَّجَتْهُ إلى الإرْشادِ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ، وهَذا تَخْرِيجٌ حَسَنٌ، لِأنَّ اللهَ إذا عَلِمَ مِن أحَدٍ أنَّهُ يُؤْمِنُ، ووَفَّقَهُ لِذَلِكَ فَكَأنَّهُ أذِنَ لَهُ فِيهِ. وحَقِيقَةُ الإذْنِ: التَمْكِينُ مَعَ العِلْمِ بِقَدْرِ ما مَكَّنَ مِنهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾ الآيَةُ، مَعْناهُ: بِالمَعْصِيَةِ والنِفاقِ ونَقْصِها حَظَّها مِنَ الإيمانِ، و"فاسْتَغْفَرُوا اللهَ" مَعْناهُ: طَلَبُوا مَغْفِرَتَهُ، وتابُوا إلَيْهِ. و"تَوّابًا" مَعْناهُ: راجِعًا بِعِبادِهِ.
{"ayahs_start":62,"ayahs":["فَكَیۡفَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ جَاۤءُوكَ یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡسَـٰنࣰا وَتَوۡفِیقًا","أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَعِظۡهُمۡ وَقُل لَّهُمۡ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَوۡلَۢا بَلِیغࣰا","وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِیُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ جَاۤءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُوا۟ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُوا۟ ٱللَّهَ تَوَّابࣰا رَّحِیمࣰا"],"ayah":"فَكَیۡفَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتۡهُم مُّصِیبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ ثُمَّ جَاۤءُوكَ یَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡسَـٰنࣰا وَتَوۡفِیقًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق