الباحث القرآني
(p-٥٨٤)قَوْلُهُ تَعالى:
﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نارًا كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهم بَدَّلْناهم جُلُودًا غَيْرَها لِيَذُوقُوا العَذابَ إنَّ اللهَ كانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ سَنُدْخِلُهم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدًا لَهم فِيها أزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ونُدْخِلُهم ظِلا ظَلِيلا﴾
تَقَدَّمَ في الآياتِ وصْفُ المَرَدَةِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ وذِكْرُ أفْعالِهِمْ وذُنُوبِهِمْ، ثُمَّ جاءَ بِالوَعِيدِ النَصُّ لَهم بِلَفْظٍ جَلِيٍّ عامٍّ لَهم ولِغَيْرِهِمْ مِمَّنْ فَعَلَ فِعْلَهم مِنَ الكُفْرِ، والقِراءَةُ المَشْهُورَةُ: "نُصْلِيهِمْ" بِضَمِّ النُونِ، مِن أصْلَيْتَ، ومَعْناهُ: قَرَّبْتَ مِنَ النارِ وألْقَيْتَ فِيها، وهو مَعْنى صَلَّيْتَ بِتَشْدِيدِ اللامِ وقَرَأ حُمَيْدٌ "نَصْلِيهِمْ" مِن صَلَيْتَ، ومَعْناهُ: صَلَّيْتَ، ومَعْناهُ: شَوَيْتَ، ومِنهُ الحَدِيثُ: " «أُتِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِشاةٍ مَصْلِيَّةٍ"» أىْ: مَشْوِيَّةٍ، وكَذا وقَعَ تَصْرِيفُ الفِعْلِ في العَيْنِ وغَيْرِهِ، وقَرَأ سَلامٌ، ويَعْقُوبُ: "نُصْلِيهُمْ" بِضَمِّ الهاءِ.
واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في مَعْنى تَبْدِيلِ الجُلُودِ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: تُبَدَّلُ عَلَيْهِمْ جُلُودٌ غَيْرُها، إذْ نُفُوسُهم هي المُعَذَّبَةُ، والجُلُودُ لا تَأْلَمُ في ذاتِها، فَإنَّها تُبَدَّلُ لِيَذُوقُوا تَجْدِيدَ العَذابِ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: تَبْدِيلُ الجُلُودِ هو إعادَةُ ذَلِكَ الجِلْدِ بِعَيْنِهِ الَّذِي كانَ في الدُنْيا، تَأْكُلُهُ النارُ ويُعِيدُهُ اللهُ دَأبًا لِتَجَدُّدِ العَذابِ، وإنَّما سَمّاهُ تَبْدِيلًا، لِأنَّ أوصافَهُ تَتَغَيَّرُ ثُمَّ يُعادُ، كَما تَقُولُ: "بَدِّلْ مِن خاتَمِي هَذا خاتَمًا". وهي فِضَّتُهُ بِعَيْنِها، فالبَدَلُ إنَّما وقَعَ في تَغْيِيرِ الصِفاتِ. وقالَ ابْنُ عُمَرَ: كُلَّما احْتَرَقَتْ جُلُودُهم بُدِّلُوا جُلُودًا بَيْضاءَ كالقَراطِيسِ، وقالَ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: تُبَدَّلُ عَلَيْهِمْ في اليَوْمِ سَبْعِينَ ألْفَ مَرَّةٍ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الجُلُودُ في هَذا المَوْضِعِ سَرابِيلُ القَطْرانِ، سَمّاها جُلُودًا لِلُزُومِها (p-٥٨٥)فَصارَتْ كالجُلُودِ، وهي تُبَدَّلُ دَأبًا عافانا اللهُ مِن عَذابِهِ بِرَحْمَتِهِ، حَكاهُ الطَبَرِيُّ.
وحَسُنَ الِاتِّصافُ بَعْدَ هَذِهِ المُقَدِّماتِ بِالعِزَّةِ والإحْكامِ، لِأنَّ اللهَ لا يُغالِبُهُ مُغالِبٌ إلّا غَلَبَهُ اللهُ، ولا يَفْعَلُ شَيْئًا إلّا بِحِكْمَةٍ وإصابَةٍ، لا إلَهَ إلّا هو تَبارَكَ وتَعالى.
ولَمّا ذَكَرَ اللهُ وعِيدَ الكُفّارِ عَقَّبَ بِوَعْدِ المُؤْمِنِينَ بِالجَنَّةِ عَلى الإيمانِ والأعْمالِ الصالِحَةِ، وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ: "سَيُدْخِلُهُمْ" بِالياءِ، وكَذَلِكَ "يُدْخِلُهُمْ" بَعْدَ ذَلِكَ وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ في مَعْنى "مِن تَحْتِها" في [سُورَةِ البَقَرَةِ] و"مُطَهَّرَةٌ" مَعْناهُ: مِنَ الرِيَبِ والأقْذارِ الَّتِي هي مَعْهُوداتٌ في الدُنْيا، و"ظَلِيلًا" مَعْناهُ: عِنْدَ بَعْضِهِمْ: يَقِي الحَرَّ والبَرْدَ، ويَصِحُّ أنْ يُرِيدَ أنَّهُ ظِلٌّ لا يَسْتَحِيلُ ولا يَنْتَقِلُ، كَما يَفْعَلُ ظِلُّ الدُنْيا، فَأكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: "ظَلِيلًا" لِذَلِكَ، ويَصِحُّ أنْ يَصِفَهُ بِظَلِيلٍ لِامْتِدادِهِ، فَقَدْ قالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "إنَّ في الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الراكِبُ الجَوادَ المُضَمَّرَ في ظِلِّها مِائَةَ سَنَةٍ ما يَقْطَعُها".»
{"ayahs_start":56,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِیهِمۡ نَارࣰا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَـٰهُمۡ جُلُودًا غَیۡرَهَا لِیَذُوقُوا۟ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِیزًا حَكِیمࣰا","وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ أَبَدࣰاۖ لَّهُمۡ فِیهَاۤ أَزۡوَ ٰجࣱ مُّطَهَّرَةࣱۖ وَنُدۡخِلُهُمۡ ظِلࣰّا ظَلِیلًا"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِیهِمۡ نَارࣰا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَـٰهُمۡ جُلُودًا غَیۡرَهَا لِیَذُوقُوا۟ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق