الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّما التَوْبَةُ عَلى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهِ عَلَيْهِمْ وكانَ اللهِ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ﴿وَلَيْسَتِ التَوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَيِّئاتِ حَتّى إذا حَضَرَ أحَدَهُمُ المَوْتُ قالَ إنِّي تُبْتُ الآنَ ولا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وهم كُفّارٌ أُولَئِكَ أعْتَدْنا لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾
إنَّما حاصِرَةٌ، وهو مَقْصِدُ المُتَكَلِّمِ بِها أبَدًا، فَقَدْ تُصادِفُ مِنَ المَعْنى ما يَقْتَضِي العَقْلُ فِيهِ الحَصْرَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما اللهُ إلَهٌ واحِدٌ﴾ [النساء: ١٧١] وقَدْ تُصادِفُ مِنَ المَعْنى ما لا يَقْتَضِي العَقْلُ فِيهِ الحَصْرَ، كَقَوْلِهِ: إنَّما الشُجاعُ عنتَرَةُ: فَيَبْقى الحَصْرُ في مَقْصِدِ المادِحِ، ويَتَحَصَّلُ مِن ذَلِكَ لِكُلِّ سامِعٍ تَحْقِيقُ هَذِهِ الصِفَةِ لِلْمَوْصُوفِ بِمُبالَغَةٍ.
وهَذِهِ الآيَةُ مِمّا يُوجِبُ النَظَرُ فِيها أنَّها حاصِرَةٌ لِلتَّوْبَةِ، وهي في عُرْفِ الشَرْعِ: الرُجُوعُ مِن شَرٍّ إلى خَيْرٍ، وحَدُّ التَوْبَةِ: النَدَمُ عَلى فارِطِ فِعْلٍ، مِن حَيْثُ هو مَعْصِيَةُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وإنْ كانَ النَدَمُ مِن حَيْثُ أضَرَّ ذَلِكَ الفِعْلُ في بَدَنٍ أو مِلْكٍ فَلَيْسَ بِتَوْبَةٍ، فَإنْ كانَ ذَلِكَ الفِعْلُ مِمّا يُمْكِنُ هَذا النادِمُ فِعْلَهُ في المُسْتَأْنَفِ فَمِن شُرُوطِ التَوْبَةِ العَزْمُ عَلى تَرْكِ ذَلِكَ الفِعْلِ في المُسْتَأْنَفِ، وإلّا فَثَمَّ إصْرارٌ لا تَوْبَةَ مَعَهُ، وإنْ كانَ ذَلِكَ الفِعْلُ لا يُمْكِنُهُ، مِثْلُ أنْ يَتُوبَ مِنَ الزِنا فَيُجَبَّ بِأثَرِ ذَلِكَ ونَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذا لا يَحْتاجُ إلى شَرْطِ (p-٤٩٤)العَزْمِ عَلى التَرْكِ. والتَوْبَةُ فَرْضٌ عَلى المُؤْمِنِينَ بِإجْماعِ الأُمَّةِ، والإجْماعُ هي القَرِينَةُ الَّتِي حُمِلَ بِها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَتُوبُوا إلى اللهِ جَمِيعًا﴾ [النور: ٣١] عَلى الوُجُوبِ، وتَصِحُّ التَوْبَةُ مِن ذَنْبٍ مَعَ الإقامَةِ عَلى غَيْرِهِ مِن غَيْرِ نَوْعِهِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ في قَوْلِهِمْ: لا يَكُونُ تائِبًا مَن أقامَ عَلى ذَنْبٍ، وتَصِحُّ التَوْبَةُ وإنْ نَقَضَها التائِبُ في ثانِي حالٍ بِمُعاوَدَةِ الذَنْبِ، فَإنَّ التَوْبَةَ الأُولى طاعَةٌ قَدِ انْقَضَتْ وصَحَّتْ، وهو مُحْتاجٌ بَعْدَ مُواقَعَةِ الذَنْبِ إلى تَوْبَةٍ أُخْرى مُسْتَأْنِفَةٍ، والإيمانُ لِلْكافِرِ لَيْسَ نَفْسَ تَوْبَتِهِ، وإنَّما تَوْبَتُهُ نَدَمُهُ عَلى سالِفِ كُفْرِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "عَلى اللهِ" فِيهِ حَذْفُ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: عَلى فَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ لِعِبادِهِ، وهَذا نَحْوُ قَوْلِ النَبِيِّ ﷺ لِمُعاذِ بْنِ جَبَلٍ: « "يا مُعاذُ أتَدْرِي ما حَقُّ اللهِ عَلى العِبادِ؟ قالَ اللهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أنْ يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا، ثُمَّ قالَ: يا مُعاذُ أتَدْرِي ما حَقُّ العِبادِ عَلى اللهِ؟ قالَ اللهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أنْ يُدْخِلَهُمُ الجَنَّةَ"» فَهَذا كُلُّهُ إنَّما مَعْناهُ: ما حَقُّهم عَلى فَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ، والعَقِيدَةُ أنَّهُ لا يَجِبُ عَلى اللهِ تَعالى شَيْءٌ عَقْلًا، لَكِنَّ إخْبارَهُ تَعالى عن أشْياءَ أوجَبَها عَلى نَفْسِهِ يَقْتَضِي وُجُوبَ تِلْكَ الأشْياءِ سَمْعًا، فَمِن ذَلِكَ تَخْلِيدُ الكُفّارِ في النارِ، ومِن ذَلِكَ قَبُولُ إيمانِ الكافِرِ، والتَوْبَةُ لا يَجِبُ قَبُولُها عَلى اللهِ تَعالى عَقْلًا، فَأمّا السَمْعُ فَظاهِرُهُ قَبُولُ تَوْبَةِ التائِبِ؛ قالَ أبُو المَعالِي وغَيْرُهُ: فَهَذِهِ الظَواهِرُ إنَّما تُعْطِي غَلَبَةَ ظَنٍّ لا قَطْعًا عَلى اللهِ بِقَبُولِ التَوْبَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وقَدْ خُولِفَ أبُو المَعالِي وغَيْرُهُ في هَذا المَعْنى. فَإذا فَرَضْنا رَجُلًا قَدْ تابَ تَوْبَةً نَصُوحًا تامَّةَ الشُرُوطِ، فَقَوْلُ أبِي المَعالِي: يَغْلِبُ عَلى الظَنِّ قَبُولُ تَوْبَتِهِ، وقالَ غَيْرُهُ: يُقْطَعُ عَلى اللهِ تَعالى بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، كَما أخْبَرَ عن نَفْسِهِ عَزَّ وجَلَّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وكانَ أبِي رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ يَمِيلُ إلى هَذا القَوْلِ ويُرَجِّحُهُ، وبِهِ أقُولُ، واللهُ تَعالى أرْحَمُ بِعِبادِهِ مِن أنْ يَنْخَرِمَ في هَذا التائِبِ المَفْرُوضِ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَوْبَةَ عن (p-٤٩٥)عِبادِهِ﴾ [الشورى: ٢٥] وقَوْلِهِ: ﴿وَإنِّي لَغَفّارٌ لِمَن تابَ وآمَنَ﴾ [طه: ٨٢] والسُوءُ في هَذِهِ الآيَةِ يَعُمُّ الكُفْرَ والمَعاصِيَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "بِجَهالَةٍ" مَعْناهُ: بِسَفاهَةٍ وقِلَّةِ تَحْصِيلٍ أدّى إلى المَعْصِيَةِ، ولَيْسَ المَعْنى أنْ تَكُونَ الجَهالَةُ أنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ مَعْصِيَةٌ، لِأنَّ المُتَعَمِّدَ لِلذُّنُوبِ كانَ يَخْرُجُ مِنَ التَوْبَةِ، وهَذا فاسِدٌ إجْماعًا، وبِما ذَكَرْتُهُ في الجَهالَةِ قالَ أصْحابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ذَكَرَ ذَلِكَ عنهم أبُو العالِيَةِ، وقالَ قَتادَةُ: اجْتَمَعَ أصْحابُ النَبِيِّ ﷺ عَلى أنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ فَهي بِجَهالَةٍ، عَمْدًا كانَتْ أو جَهْلًا، وقالَ بِهِ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ والسُدِّيُّ، ورُوِيَ عن مُجاهِدٍ والضَحّاكِ أنَّهُما قالا: الجَهالَةُ هُنا العَمْدُ، وقالَ عِكْرِمَةُ: أُمُورُ الدُنْيا كُلُّها جَهالَةٌ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
يُرِيدُ الخاصَّةَ بِها الخارِجَةَ عن طاعَةِ اللهِ. وهَذا المَعْنى عِنْدِي جارٍ مَعَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما الحَياةُ الدُنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾ [محمد: ٣٦] وقَدْ تَأوَّلَ قَوْمٌ قَوْلَ عِكْرِمَةَ بِأنَّهُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُوءَ في الدُنْيا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَكَأنَّ الجَهالَةَ اسْمٌ لِلْحَياةِ الدُنْيا، وهَذا عِنْدِي ضَعِيفٌ، وقِيلَ: "بِجَهالَةٍ"، أيْ: لا يَعْلَمُ كُنْهَ العُقُوبَةِ، وهَذا أيْضًا ضَعِيفٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ فُورَكٍ ورُدَّ عَلَيْهِ.
واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: "مِن قَرِيبٍ"؛ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والسُدِّيُّ: مَعْنى ذَلِكَ: قَبْلَ المَرَضِ والمَوْتِ، وقالَ أبُو مِجْلَزٍ ومُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ والضَحّاكُ وعِكْرِمَةُ وابْنُ زَيْدٍ وغَيْرُهُمْ: مَعْنى ذَلِكَ: قَبْلَ المُعايَنَةِ لِلْمَلائِكَةِ والسَوْقِ، وأنْ يُغْلَبَ المَرْءُ عَلى نَفْسِهِ. ورَوى أبُو قِلابَةَ: "أنَّ اللهَ تَعالى لَمّا خَلَقَ آدَمَ فَرَآهُ إبْلِيسُ أجْوَفَ، ثُمَّ جَرى لَهُ ما جَرى ولُعِنَ وأُنْظِرَ، قالَ: وعِزَّتِكَ لا بَرِحْتُ مِن قَلْبِهِ ما دامَ فِيهِ الرُوحُ، فَقالَ اللهُ تَعالى: وعِزَّتِي لا أحْجُبُ عنهُ التَوْبَةَ ما دامَ فِيهِ الرُوحُ."
(p-٤٩٦)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ ذَكَرَ أحْسَنَ أوقاتِ التَوْبَةِ، والجُمْهُورُ حَدَّدُوا آخِرَ وقْتِها. وقالَ إبْراهِيمُ النَخْعِيُّ: كانَ يُقالُ: التَوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ لِأحَدِكم ما لَمْ يُؤْخَذْ بِكَظْمِهِ. ورَوى بَشِيرُ بْنُ كَعْبٍ والحَسَنُ أنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ: « "إنَّ اللهَ تَعالى يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ ما لَمْ يُغَرْغِرْ ويُغْلَبْ عَلى عَقْلِهِ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
لِأنَّ الرَجاءَ فِيهِ باقٍ، ويَصِحُّ مِنهُ النَدَمُ والعَزْمُ عَلى تَرْكِ الفِعْلِ في المُسْتَأْنَفِ، فَإذا غُلِبَ تَعَذَّرَتِ التَوْبَةُ لِعَدَمِ النَدَمِ والعَزْمِ عَلى التَرْكِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: "مِن قَرِيبٍ" إنَّما مَعْناهُ: مِن قَرِيبٍ إلى وقْتِ الذَنْبِ. ومُدَّةُ الحَياةِ كُلُّها قَرِيبٌ، والمُبادِرُ في الصِحَّةِ أفْضَلُ وأحَقُّ لِأمَلِهِ مِنَ العَمَلِ الصالِحِ، والبُعْدُ كُلُّ البُعْدِ المَوْتُ، ومِنهُ قَوْلُ مالِكِ بْنِ الرَيْبِ:
؎ ......... ∗∗∗....... وأيْنَ مَكانُ البُعْدِ إلّا مَكانِيا؟
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ أيْ: بِمَن يَتُوبُ ويُيَسِّرُهُ هو لِلتَّوْبَةِ، حَكِيمًا فِيما يُنْفِذُهُ مِن ذَلِكَ، وفي تَأْخِيرِ مَن يُؤَخِّرُ حَتّى يَهْلِكَ.
ثُمَّ نَفى بِقَوْلِهِ تَعالى: "وَلَيْسَتِ التَوْبَةُ".... الآيَةِ أنْ يَدْخُلَ في حُكْمِ التائِبِينَ مَن حَضَرَهُ مَوْتُهُ وصارَ في حَيِّزِ اليَأْسِ، وحُضُورُ المَوْتِ هو كَما كانَ فِرْعَوْنُ حِينَ صارَ في غَمْرَةِ الماءِ والغَرَقِ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ ما أظْهَرَ مِنَ الإيمانِ، وبِهَذا قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ زَيْدٍ وجَماعَةُ المُفَسِّرِينَ.
وقالَ الرَبِيعُ: الآيَةُ الأُولى قَوْلُهُ: ﴿إنَّما التَوْبَةُ عَلى اللهِ﴾ هي في المُؤْمِنِينَ، والآيَةُ (p-٤٩٧)الثانِيَةُ قَوْلُهُ: ﴿وَلَيْسَتِ التَوْبَةُ﴾... الآيَةُ نَزَلَتْ في المُسْلِمِينَ ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فَحَتَمَ ألّا يَغْفِرَ لِلْكافِرِ وأرْجَأ المُؤْمِنِينَ إلى مَشِيئَتِهِ، لَمْ يُيْئِسْهم مِنَ المَغْفِرَةِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وطَعَنَ بَعْضُ الناسِ في هَذا القَوْلِ بِأنَّ الآيَةَ خَبَرٌ، والأخْبارُ لا تُنْسَخُ. وهَذا غَيْرُ لازِمٍ، لِأنَّ الآيَةَ لَفْظُها الخَبَرُ، ومَعْناهُ تَقْرِيرُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، فَهي نَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكم أو تُخْفُوهُ يُحاسِبْكم بِهِ اللهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] ونَحْوُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنْ يَكُنْ مِنكم عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٥] وإنَّما يَضْعُفُ القَوْلُ بِالنَسْخِ مِن حَيْثُ تَنْبَنِي الآيَتانِ ولا يُحْتاجُ إلى تَقْرِيرِ نَسْخٍ، لِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمْ تَنْفِ أنْ يُغْفَرَ لِلْعاصِي الَّذِي لَمْ يَتُبْ مِن قَرِيبٍ، فَنَحْتاجُ أنْ نَقُولَ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ﴾ [النساء: ٤٨] نَسَخَها، وإنَّما نَفَتْ هَذِهِ الآيَةُ أنْ يَكُونَ تائِبًا مَن لَمْ يَتُبْ إلّا مَعَ حُضُورِ المَوْتِ. فالعَقِيدَةُ عِنْدِي في هَذِهِ الآياتِ: أنَّ مَن تابَ مِن قَرِيبٍ فَلَهُ حُكْمُ التائِبِ فَيَغْلِبُ الظَنُّ عَلَيْهِ أنَّهُ يُنَعَّمُ ولا يُعَذَّبُ، هَذا مَذْهَبُ أبِي المَعالِي وغَيْرِهِ، وقالَ غَيْرُهُمْ: بَلْ هو مَغْفُورٌ لَهُ قَطْعًا، لِإخْبارِ اللهِ تَعالى بِذَلِكَ، وأبُو المَعالِي يَجْعَلُ تِلْكَ الأخْبارَ ظَواهِرَ مَشْرُوطَةً بِالمَشِيئَةِ، ومَن لَمْ يَتُبْ حَتّى حَضَرَهُ المَوْتُ فَلَيْسَ في حُكْمِ التائِبِينَ، فَإنْ كانَ كافِرًا فَهو يَخْلُدُ، وإنْ كانَ مُؤْمِنًا فَهو عاصٍ في المَشِيئَةِ، لَكِنْ يَغْلِبُ الخَوْفُ عَلَيْهِ، ويَقْوى الظَنُّ في تَعْذِيبِهِ، ويُقْطَعُ مِن جِهَةِ السَمْعِ أنَّ مِن هَذِهِ الصَنِيفَةِ مَن يَغْفِرُ اللهُ لَهُ تَعالى تَفَضُّلًا مِنهُ ولا يُعَذِّبُهُ.
وأعْلَمَ اللهُ تَعالى أيْضًا أنَّ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وهم كُفّارٌ فَلا مُسْتَعْتَبَ لَهم ولا تَوْبَةَ في الآخِرَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ أعْتَدْنا لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾، إنْ كانَتِ الإشارَةُ إلى الَّذِينَ يَمُوتُونَ وهم كُفّارٌ فَقَطْ، فالعَذابُ عَذابُ خُلُودٍ، وإنْ كانَتِ الإشارَةُ إلَيْهِمْ وإلى مَن يَنْفُذُ عَلَيْهِ الوَعِيدُ، مِمَّنْ لا يَتُوبُ إلّا مَعَ حُضُورِ المَوْتِ مِنَ العُصاةِ فَهو في جِهَةِ هَؤُلاءِ، عَذابٌ ولا خُلُودَ مَعَهُ، و"أعْتَدْنا" مَعْناهُ: يَسَّرْناهُ وأحْضَرْناهُ، وظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ النارَ مَخْلُوقَةٌ بَعْدُ.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["إِنَّمَا ٱلتَّوۡبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَـٰلَةࣲ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِن قَرِیبࣲ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِیمًا حَكِیمࣰا","وَلَیۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ حَتَّىٰۤ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّی تُبۡتُ ٱلۡـَٔـٰنَ وَلَا ٱلَّذِینَ یَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا"],"ayah":"وَلَیۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ حَتَّىٰۤ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلۡمَوۡتُ قَالَ إِنِّی تُبۡتُ ٱلۡـَٔـٰنَ وَلَا ٱلَّذِینَ یَمُوتُونَ وَهُمۡ كُفَّارٌۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق