الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأمّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا واسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهم عَذابًا ألِيمًا ولا يَجِدُونَ لَهم مِن دُونِ اللهِ ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾ [النساء: ١٧٣] ﴿يا أيُّها الناسُ قَدْ جاءَكم بُرْهانٌ مِن رَبِّكم وأنْزَلْنا إلَيْكم نُورًا مُبِينًا﴾ ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ واعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهم في رَحْمَةٍ مِنهُ وفَضْلٍ ويَهْدِيهِمْ إلَيْهِ صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾. هَذا وعِيدٌ لِلْمُسْتَنْكِفِينَ؛ الَّذِينَ يَدَعُونَ عِبادَةَ اللهِ أنَفَةً؛ وتَكَبُّرًا؛ وهَذا الِاسْتِنْكافُ إنَّما يَكُونُ مِنَ الكُفّارِ عَنِ اتِّباعِ الأنْبِياءِ؛ وما جَرى مُجْراهُ؛ كَفِعْلِ حُيَيِّ بْنِ أخْطَبَ؛ وأخِيهِ أبِي ياسِرٍ؛ بِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ -؛ وكَفِعْلِ أبِي جَهْلٍ؛ وغَيْرِهِ؛ وإلّا فَإذا فَرَضْتَ أحَدًا مِنَ البَشَرِ عَرَفَ اللهَ تَعالى ؛ فَمُحالٌ أنْ تَجِدَهُ يَكْفُرُ بِهِ تَكَبُّرًا عَلَيْهِ؛ والعِنادُ المُجَوَّزُ إنَّما يَسُوقُ إلَيْهِ الِاسْتِكْبارُ عَنِ البَشَرِ؛ ومَعَ تَقارُبِ المَنازِلِ في ظَنِّ المُتَكَبِّرِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الناسُ قَدْ جاءَكم بُرْهانٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ اَلْآيَةَ؛ إشارَةٌ إلى مُحَمَّدٍ (p-٧٦)رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ والبُرْهانُ: اَلْحُجَّةُ النَيِّرَةُ؛ الواضِحَةُ؛ الَّتِي تُعْطِي اليَقِينَ التامَّ؛ والمَعْنى: قَدْ جاءَكم مُقْتَرِنًا بِمُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بُرْهانٌ مِنَ اللهِ تَعالى عَلى صِحَّةٍ ما يَدْعُوكم إلَيْهِ؛ وفَسادِ ما أنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ النِحَلِ؛ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْزَلْنا إلَيْكم نُورًا مُبِينًا﴾ ؛ يَعْنِي القُرْآنَ؛ فِيهِ بَيانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ؛ وهو الواعِظُ الزاجِرُ؛ الناهِي الآمِرُ. ثُمَّ وعَدَ - تَبارَكَ وتَعالى - المُؤْمِنِينَ بِاللهِ؛ المُعْتَصِمِينَ بِهِ؛ والضَمِيرُ في "بِهِ"؛ يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى اللهِ تَعالى ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى القُرْآنِ؛ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "نُورًا مُبِينًا"؛﴾ والِاعْتِصامُ بِهِ: اَلتَّمَسُّكُ بِسَبَبِهِ؛ وطَلَبُ النَجاةِ والمَنَعَةِ بِهِ؛ فَهو يَعْصِمُ كَما تَعْصِمُ المَعاقِلُ؛ وهَذا قَدْ فَسَّرَهُ قَوْلُ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: « "اَلْقُرْآنُ حَبْلُ اللهِ المَتِينُ؛ مَن تَمَسَّكَ بِهِ عُصِمَ".» والفَضْلُ: اَلْجَنَّةُ؛ ونَعِيمُها؛ و"يَهْدِيهِمْ"؛ مَعْناهُ: إلى الفَضْلِ؛ وهَذِهِ هِدايَةُ طَرِيقِ الجِنانِ؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿سَيَهْدِيهِمْ ويُصْلِحُ بالَهُمْ﴾ [محمد: ٥] ؛ لِأنَّ هِدايَةَ الإرْشادِ قَدْ تَقَدَّمَتْ؛ وتَحَصَّلَتْ حِينَ آمَنُوا بِاللهِ تَعالى ؛ واعْتَصَمُوا بِكِتابِهِ. و"صِراطًا"؛ نُصِبَ بِإضْمارِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ "يَهْدِيهِمْ"؛ تَقْدِيرُهُ: فَيُعَرِّفُهُمْ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَنْتَصِبَ كالمَفْعُولِ الثانِي؛ إذْ "وَيَهْدِيهِمْ"؛ في مَعْنى: "يُعَرِّفُهُمْ"؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَنْتَصِبَ عَلى ظَرْفِيَّةٍ ما؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَمِيرِ في "إلَيْهِ"؛ وقِيلَ: مِن "وَفَضْلٍ"؛ والصِراطُ: اَلطَّرِيقُ؛ وقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب