الباحث القرآني

(p-٧٤)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما اللهُ إلَهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ لَهُ ما في السَماواتِ وما في الأرْضِ وكَفى بِاللهِ وكِيلا﴾ [النساء: ١٧١] ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ولا المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ ومَن يَسْتَنْكِفَ عن عِبادَتِهِ ويَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهم إلَيْهِ جَمِيعًا﴾ ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهم ويَزِيدُهم مِن فَضْلِهِ﴾ "إنَّما"؛ في هَذِهِ الآيَةِ حاصِرَةٌ؛ اقْتَضى ذَلِكَ العَقْلُ في المَعْنى المُتَكَلَّمِ فِيهِ؛ ولَيْسَتْ صِيغَةُ "إنَّما" تَقْتَضِي الحَصْرَ؛ ولَكِنَّها تَصْلُحُ لِلْحَصْرِ؛ ولِلْمُبالَغَةِ في الصِفَةِ؛ وإنْ لَمْ يَكُنْ حَصْرٌ؛ نَحْوَ: "إنَّما الشُجاعُ عنتَرَةُ"؛ وغَيْرُ ذَلِكَ؛ و"سُبْحانَهُ"؛ مَعْناهُ: تَنْزِيهًا لَهُ وتَعْظِيمًا عن أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ كَما تَزْعُمُونَ أنْتُمْ أيُّها النَصارى؛ في أمْرِ عِيسى؛ إذْ نَقَلْتُمْ أُبُوَّةَ الحَنانِ والرَأْفَةِ إلى أُبُوَّةِ النَسْلِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "إنْ يَكُونُ لَهُ ولَدٌ"؛ بِكَسْرِ الألِفِ مِن "أنْ"؛ وهي نافِيَةٌ؛ بِمَعْنى: "ما يَكُونُ لَهُ ولَدٌ"؛ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهُ ما في السَماواتِ وما في الأرْضِ﴾ [النساء: ١٧١] ؛ اَلْآيَةَ: إخْبارٌ يَسْتَغْرِقُ عُبُودِيَّةَ عِيسى؛ وغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ. ثُمَّ بَرَّأ تَعالى جِهَةَ المَسِيحِ مِن أقْوالِهِمْ؛ وخَلَصَهُ لِلَّذِي يَلِيقُ بِهِ؛ فَقالَ: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ أنْ يَكُونَ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ والِاسْتِنْكافُ إبايَةٌ بِأنَفَةٍ؛ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ﴾ ؛ زِيادَةٌ في الحُجَّةِ؛ وتَقْرِيبٌ مِنَ الأذْهانِ؛ أيْ: ولا هَؤُلاءِ الَّذِينَ هم في أعْلى دَرَجاتِ المَخْلُوقِينَ؛ لا يَسْتَنْكِفُونَ عن ذَلِكَ؛ فَكَيْفَ سِواهُمْ؟ وفي هَذِهِ الآيَةِ الدَلِيلُ الواضِحُ عَلى تَفْضِيلِ المَلائِكَةِ عَلى الأنْبِياءِ. (p-٧٥)ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عَمَّنْ يَسْتَنْكِفُ؛ أيْ: يَأْنَفُ عن عِبادَةِ اللهِ؛ ويَسْتَكْبِرُ؛ بِأنَّهُ سَيَنالُهُ الحَشْرُ يَوْمَ القِيامَةِ؛ والرَدُّ إلى اللهِ؛ وقَوْلُهُ: "فَسَيَحْشُرُهُمْ"؛ عِبارَةُ وعِيدٍ؛ وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "فَسَيَحْشُرُهُمْ"؛ بِالياءِ؛ وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "فَسَنَحْشُرُهُمْ"؛ بِنُونِ الجَماعَةِ؛ "فَنُوَفِّيهِمْ"؛ "وَنَزِيدُهُمْ"؛ "فَنُعَذِّبُهُمْ"؛ كُلَّها بِالنُونِ؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: وقَرَأ مَسْلَمَةُ: "فَسَيَحْشُرْهُمْ"؛ "فَيُعَذِّبْهُمْ"؛ بِسُكُونِ الراءِ؛ والباءِ؛ عَلى التَخْفِيفِ؛ وبَيَّنَ اللهُ تَعالى أمْرَ المَحْشُورِينَ؛ فَأخْبَرَ عَنِ المُؤْمِنِينَ العامِلِينَ بِالصالِحاتِ؛ أنَّهُ يُوَفِّيهِمْ أُجُورَهم حَتّى لا يَبْخَسُ أحَدًا قَلِيلًا ولا كَثِيرًا؛ وأنَّهُ يَزِيدُهم مِن فَضْلِهِ؛ وتَحْتَمِلُ هَذِهِ الزِيادَةُ أنْ تَكُونَ المُخْبَرَ عنها في أنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرٍ؛ إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَضْعِيفَ الَّذِي هو غَيْرُ مُصَرَّدٍ مَحْسُوبٍ؛ وهو المُشارُ إلَيْهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واللهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٦١].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب