الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهم وبِصَدِّهِمْ عن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا﴾ ﴿وَأخْذِهِمُ الرِبا وقَدْ نُهُوا عنهُ وأكْلِهِمْ أمْوالَ الناسِ بِالباطِلِ وأعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنهم عَذابًا ألِيمًا﴾ ﴿لَكِنِ الراسِخُونَ في العِلْمِ مِنهم والمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ والمُقِيمِينَ الصَلاةَ والمُؤْتُونَ الزَكاةَ والمُؤْمِنُونَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أجْرًا عَظِيمًا﴾
قَوْلُهُ تَعالى: "فَبِظُلْمٍ"؛ عُطِفَ عَلى قَوْلِهِ: "فَبِما نَقْضِهِمْ"؛ كَأنَّهُ قالَ: "فَبِنَقْضِهِمْ لَعَنّاهم وأوجَبْنا عَذابَهُمْ؛ فَبِظُلْمٍ مِنهم حَرَّمْنا عَلَيْهِمُ المَطاعِمَ"؛ وجَعَلَ اللهُ هَذِهِ العُقُوبَةَ الدُنْيَوِيَّةَ إزاءَ ظُلْمِ بَنِي إسْرائِيلَ في تَعَنُّتِهِمْ؛ وسائِرِ أخْلاقِهِمُ الدَمِيمَةِ؛ والطَيِّباتُ هُنا هي الشُحُومُ؛ وبَعْضُ الذَبائِحِ؛ والطَيْرُ؛ والحُوتُ؛ وغَيْرُ ذَلِكَ؛ وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: "طَيِّباتٍ (كانَتْ) أُحِلَّتْ لَهُمْ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "وَبِصَدِّهِمْ عن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا"؛﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: "صَدِّهِمْ في ذاتِهِمْ"؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ: "صَدِّهِمْ غَيْرَهُمْ"؛ وإلى هَذا ذَهَبَ الطَبَرِيُّ ؛ وقالَ: هو جَحْدُهم أمْرُ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ فَإنَّهم صَدُّوا بِذَلِكَ جَمْعًا عَظِيمًا مِنَ الناسِ عن سَبِيلِ اللهِ؛ و"وَأخْذِهِمُ (p-٦٥)الرِبا"؛ هُوَ: اَلدِّرْهَمُ بِالدِرْهَمَيْنِ إلى أجَلٍ؛ ونَحْوُ ذَلِكَ مِمّا هو مَفْسَدَةٌ؛ وقَدْ نُهُوا عنهُ؛ فَشَرَعُوهُ لِأنْفُسِهِمْ؛ واسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ؛ مِن ذَلِكَ؛ ومِن كِراءِ العَيْنِ؛ ونَحْوِهِ.
وأكْلُ أمْوالِ الناسِ بِالباطِلِ هو الرِشا؛ ثُمَّ اسْتَثْنى اللهُ تَعالى مِن بَنِي إسْرائِيلَ الراسِخِينَ في عِلْمِ التَوْراةِ؛ الَّذِينَ قَدْ تَحَقَّقُوا أمْرَ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ - وعَلاماتِهِ؛ وهُمْ: عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ ؛ ومُخَيْرِيقٌ؛ ومَن جَرى مُجْراهُما.
و"اَلْمُؤْمِنُونَ"؛ عُطِفَ عَلى "اَلرّاسِخُونَ"؛ وما أُنْزِلَ إلى مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ - هو القُرْآنُ؛ والَّذِي أُنْزِلَ مِن قَبْلِهِ هو التَوْراةُ؛ والإنْجِيلُ.
واخْتَلَفَ الناسُ في مَعْنى قَوْلِهِ: "والمُقِيمِينَ"؛ وكَيْفَ خالَفَ إعْرابُها إعْرابَ ما تَقَدَّمَ وتَأخَّرَ؛ فَقالَ أبانُ بْنُ عُثْمانَ بْنِ عَفّانَ ؛ وعائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عنها -: "ذَلِكَ مِن خَطَإ كاتِبِ المُصْحَفِ"؛ ورُوِيَ أنَّها في مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "والمُقِيمُونَ"؛ وقَدْ رُوِيَ أنَّها فِيهِ: "والمُقِيمِينَ"؛ كَما هي في مُصْحَفِ عُثْمانَ - رَضِيَ اللهُ عنهُ.
قالَ الفَرّاءُ: وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "والمُقِيمُونَ"؛ وكَذَلِكَ رَوى عِصْمَةُ عَنِ الأعْمَشِ ؛ وكَذَلِكَ قَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ؛ وكَذا قَرَأ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ؛ والجَحْدَرِيُّ؛ وعِيسى بْنُ عُمَرَ ؛ ومالِكُ بْنُ دِينارٍ ؛ وكَذَلِكَ رَوى يُونُسُ؛ وهارُونُ؛ عن أبِي عَمْرٍو ؛ وقالَ آخَرُونَ: لَيْسَ ذَلِكَ مِن خَطَإ الكاتِبِ؛ ولا خَطَأً في المُصْحَفِ؛ وإنَّما هَذا مِن قَطْعِ النُعُوتِ؛ إذا كَثُرَتْ؛ عَلى النَصْبِ بِـ "أعْنِي"؛ والرَفْعِ بَعْدَ ذَلِكَ بِـ "هُمْ"؛ وذَهَبَ إلى هَذا المَعْنى بَعْضُ نَحْوِيِّي الكُوفَةِ؛ والبَصْرَةِ؛ وحُكِيَ عن سِيبَوَيْهِ أنَّهُ قَطْعٌ عَلى المَدْحِ؛ وخَبَرُ "لَكِنِ": "يُؤْمِنُونَ"؛ لِأنَّ المَدْحَ لا يَكُونُ إلّا بَعْدَ تَمامِ الجُمْلَةِ الأُولى؛ وهَذا كَقَوْلِ خِرْنِقَ بِنْتِ هَفّانَ:
؎ لا يَبْعُدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُ ∗∗∗ سُمُّ العُداةِ وآفَةُ الجُزْرِ
(p-٦٦)؎ اَلنّازِلِينَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ ∗∗∗ ∗∗∗ والطَيِّبُونَ مَعاقِدَ الأُزْرِ
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقَدْ فُرِّقَ بَيْنَ الآيَةِ والبَيْتِ بِحَرْفِ العَطْفِ الَّذِي في الآيَةِ؛ فَإنَّهُ يُمْنَعُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ تَقْدِيرُ الفِعْلِ؛ وفي هَذا نَظَرٌ.
وقالَ قَوْمٌ: قَوْلُهُ تَعالى: "والمُقِيمِينَ"؛ لَيْسَ بِعَطْفٍ عَلى قَوْلِهِ: "والمُؤْمِنُونَ"؛ ولَكِنْ عَلى "ما"؛ في قَوْلِهِ: ﴿وَما أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ ؛ والمَعْنى: ويُؤْمِنُونَ بِالمُقِيمِينَ الصَلاةِ؛ وهُمُ المَلائِكَةُ؛ وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مَن تَقَدَّمَ مِنَ الأنْبِياءِ؛ قالُوا: ثُمَّ رَجَعَ بِقَوْلِهِ: "والمُؤْتُونَ"؛ فَعُطِفَ عَلى قَوْلِهِ: "والمُؤْمِنُونَ"؛ وقالَ قَوْمٌ: "والمُقِيمِينَ"؛ عُطِفَ عَلى "وَما أُنْزِلَ"؛ والمُرادُ بِهِمُ المُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ؛ أيْ: يُؤْمِنُ الراسِخُونَ بِهِمْ؛ وبِما هم عَلَيْهِ؛ ويَكُونُ قَوْلُهُ: "والمُؤْتُونَ"؛ أيْ: وهُمُ المُؤْتُونَ؛ وقالَ قَوْمٌ: "والمُقِيمِينَ"؛ عُطِفَ عَلى الضَمِيرِ في "مِنهُمْ"؛ وقالَ آخَرُونَ: بَلْ عَلى الكافِ في قَوْلِهِ: "مِن قَبْلِكَ"؛ ويَعْنِي الأنْبِياءَ؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "سَنُؤْتِيهِمْ"؛ بِالنُونِ؛ وقَرَأتْ فِرْقَةٌ "سَيُؤْتِيهِمْ"؛ بِالياءِ.
{"ayahs_start":160,"ayahs":["فَبِظُلۡمࣲ مِّنَ ٱلَّذِینَ هَادُوا۟ حَرَّمۡنَا عَلَیۡهِمۡ طَیِّبَـٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ كَثِیرࣰا","وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰا۟ وَقَدۡ نُهُوا۟ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَ ٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَـٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِینَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا","لَّـٰكِنِ ٱلرَّ ٰسِخُونَ فِی ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ یُؤۡمِنُونَ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِیمِینَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ سَنُؤۡتِیهِمۡ أَجۡرًا عَظِیمًا"],"ayah":"وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰا۟ وَقَدۡ نُهُوا۟ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَ ٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَـٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَـٰفِرِینَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق