الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَشِّرِ المُنافِقِينَ بِأنَّ لَهم عَذابًا ألِيمًا﴾ ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكافِرِينَ أولِياءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكم في الكِتابِ أنْ إذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها ويُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكم إذا مِثْلُهم إنَّ اللهِ جامِعُ المُنافِقِينَ والكافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ ما عَلى أنَّ الَّتِي قَبْلَها إنَّما هي في المُنافِقِينَ؛ كَما تَرَجَّحَ آنِفًا؛ وجاءَتِ البِشارَةُ هُنا مُصَرَّحًا بِقَيْدِها؛ فَلِذَلِكَ حَسُنَ اسْتِعْمالُها في المَكْرُوهِ؛ ومَتى جاءَتْ مُطْلَقَةً فَإنَّما عُرْفُها في المَحْبُوبِ. (p-٤٧)ثُمَّ نَصَّ تَعالى مِن صِفَةِ المُنافِقِينَ عَلى أشَدِّها ضَرَرًا عَلى المُؤْمِنِينَ؛ وهي مُوالاتُهُمُ الكُفّارَ واطِّراحُهُمُ المُؤْمِنِينَ؛ ونَبَّهَ عَلى فَسادِ ذَلِكَ؛ لِيَدَعَهُ مَن عَسى أنْ يَقَعَ في نَوْعٍ مِنهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَفْلَةً؛ أو جَهالَةً؛ أو مُسامَحَةً. ثُمَّ وقَفَ تَعالى عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ عَلى مَقْصِدِهِمْ في ذَلِكَ؛ أهُوَ طَلَبُ العِزَّةِ والِاسْتِكْثارِ بِهِمْ؟ أيْ: لَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ؛ بَلِ العِزَّةُ كُلُّها لِلَّهِ؛ يُؤْتِيها مَن يَشاءُ؛ وقَدْ وعَدَ بِها المُؤْمِنِينَ؛ وجَعَلَ العاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ؛ و"اَلْعِزَّةُ": أصْلُها الشِدَّةُ؛ والقُوَّةُ؛ ومِنهُ: "اَلْأرْضُ العِزازُ"؛ أيْ: اَلصُّلْبَةُ؛ ومِنهُ: "عَزَّنِي"؛ أيْ: غَلَبَنِي بِشِدَّتِهِ؛ و"اِسْتَعَزَّ المَرَضُ"؛ إذا قَوِيَ؛ إلى غَيْرِ هَذا مِن تَصارِيفِ اللَفْظَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ﴾ ؛ مُخاطَبَةٌ لِجَمِيعِ مَن أظْهَرَ الإيمانَ مِن مُحَقِّقٍ؛ ومُنافِقٍ؛ لِأنَّهُ إذا أظْهَرَ الإيمانَ فَقَدْ لَزِمَهُ أنْ يَمْتَثِلَ أوامِرَ كِتابِ اللهِ تَعالى ؛ والإشارَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأعْرِضْ عنهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: ٦٨] ؛ إلى نَحْوِ هَذا مِنَ الآياتِ. وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "نُزِّلَ عَلَيْكُمْ"؛ بِضَمِّ النُونِ؛ وكَسْرِ الزايِ المُشَدَّدَةِ؛ قالَ الطَبَرِيُّ: وقَرَأ بَعْضُ الكُوفِيِّينَ: "نَزَّلَ"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ والزايِ المُشَدَّدَةِ؛ عَلى مَعْنى: "نَزَّلَ اللهُ"؛ وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ؛ وحُمَيْدٌ: "نَزَلَ"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ والزايِ خَفِيفَةً؛ وقَرَأ إبْراهِيمُ النَخَعِيُّ: "أُنْزِلَ"؛ بِألْفٍ؛ عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ؛ والكِتابُ - في هَذا المَوْضِعِ - القُرْآنُ. وفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ قَوِيٌّ عَلى وُجُوبِ تَجَنُّبِ أهْلِ البِدَعِ؛ وأهْلِ المَعاصِي؛ وألّا يُجالَسُوا؛ وقَدْ رُوِيَ عن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ أنَّهُ أخَذَ قَوْمًا يَشْرَبُونَ الخَمْرَ؛ فَقِيلَ لَهُ عن أحَدِ الحاضِرِينَ: إنَّهُ صائِمٌ؛ فَحَمَلَ عَلَيْهِ الأدَبَ؛ وقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿إنَّكم إذًا مِثْلُهُمْ﴾ ؛ (p-٤٨)وَهَذِهِ المُماثَلَةُ لَيْسَتْ في جَمِيعِ الصِفاتِ؛ ولَكِنَّهُ إلْزامٌ شُبِّهَ بِحُكْمِ الظاهِرِ مِنَ المُقارَنَةِ؛ وهَذا المَعْنى كَقَوْلِ الشاعِرِ: ؎ عَنِ المَرْءِ لا تَسْألْ وسَلْ عن قَرِينِهِ ∗∗∗ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقارَنِ يَقْتَدِي ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعالى المُنافِقِينَ والكافِرِينَ بِجَمْعِهِمْ في جَهَنَّمَ؛ فَتَأكَّدَ بِذَلِكَ النَهْيِ؛ والحَذَرُ مِن مُجالَسَتِهِمْ؛ وخِلْطَتِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب