الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى:
﴿وَإنِ امْرَأةٌ خافَتْ مِن بَعْلِها نُشُوزًا أو إعْراضًا فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحًا والصُلْحُ خَيْرٌ وأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُحَّ وإنِ تُحْسِنُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِساءِ ولَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوها كالمُعَلَّقَةِ وإنْ تُصْلِحُوا وتَتَّقُوا فَإنَّ اللهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾
هَذِهِ الآيَةُ حُكْمٌ مِنَ اللهِ تَعالى في أمْرِ المَرْأةِ الَّتِي تَكُونُ ذاتَ سِنٍّ ودَمامَةٍ؛ أو نَحْوِ ذَلِكَ مِمّا يُرَغِّبُ زَوْجَها عنها؛ فَيَذْهَبُ الزَوْجُ إلى طَلاقِها؛ أو إلى إيثارِ شابَّةٍ عَلَيْها؛ ونَحْوِ هَذا مِمّا يَقْصِدُ بِهِ صَلاحَ نَفْسِهِ؛ ولا يَضُرُّها هي ضَرَرًا يُلْزِمُهُ إيّاها؛ بَلْ يَعْرِضُ (p-٣٥)عَلَيْها الفُرْقَةَ؛ أوِ الصَبْرَ عَلى الأثَرَةِ؛ فَتُرِيدُ هي بَقاءَ العِصْمَةِ؛ فَهَذِهِ الَّتِي أباحَ اللهُ تَعالى بَيْنَهُما الصُلْحَ؛ ورَفَعَ الجُناحَ فِيهِ؛ إذِ الجُناحُ في كُلِّ صُلْحٍ يَكُونُ عن ضَرَرٍ مِنَ الزَوْجِ يَفْعَلُهُ حَتّى تُعالِجَهُ؛ وأباحَ اللهُ تَعالى الصُلْحَ مَعَ الخَوْفِ؛ وظُهُورِ عَلاماتِ النُشُوزِ؛ أوِ الإعْراضِ؛ وهو - مَعَ وُقُوعِها - مُباحٌ أيْضًا؛ و"اَلنُّشُوزُ": اَلِارْتِفاعُ بِالنَفْسِ عن رُتْبَةِ حُسْنِ العِشْرَةِ؛ و"اَلْإعْراضُ" أخَفُّ مِنَ النُشُوزِ.
وأنْواعُ الصُلْحِ كُلُّها مُباحَةٌ في هَذِهِ النازِلَةِ: أنْ يُعْطِيَ الزَوْجُ عَلى أنْ تَصْبِرَ هِيَ؛ أو تُعْطِيَ هي عَلى ألّا يُؤْثِرَ الزَوْجُ؛ أو عَلى أنْ يُؤْثِرَ ويَتَمَسَّكَ بِالعِصْمَةِ؛ أو يَقَعَ الصُلْحُ عَلى الصَبْرِ عَلى الأثَرَةِ؛ فَهَذا كُلُّهُ مُباحٌ.
واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في سَبَبِ الآيَةِ؛ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ ؛ وجَماعَةٌ مَعَهُ: نَزَلَتْ في النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ وسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ ؛ حَدَّثَ الطَبَرِيُّ بِسَنَدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «خَشِيَتْ سَوْدَةُ أنْ يُطَلِّقَها رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَقالَتْ: لا تُطَلِّقْنِي؛ واحْبِسْنِي مَعَ نِسائِكَ؛ ولا تَقْسِمْ لِي؛ فَفَعَلَ؛ فَنَزَلَتْ: ﴿وَإنِ امْرَأةٌ خافَتْ مِن بَعْلِها نُشُوزًا أو إعْراضًا﴾ ؛ اَلْآيَةُ؛» وفي المُصَنَّفاتِ «أنَّ سَوْدَةَ لَمّا كَبِرَتْ وهَبَتْ يَوْمَها لِعائِشَةَ»؛ وهَذا نَحْوُ الأوَّلِ؛ وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ ؛ وسُلَيْمانُ بْنُ يَسارٍ ؛ وعُبَيْدَةُ السَلْمانِيُّ ؛ وغَيْرُهُمْ: نَزَلَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ رافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ؛ وخَوْلَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ؛ وذَلِكَ أنَّهُ خَلا مِن سِنِّها؛ فَتَزَوَّجَ عَلَيْها شابَّةً؛ فَآثَرَ الشابَّةَ؛ فَلَمْ تَصْبِرْ هِيَ؛ فَطَلَّقَها طَلْقَةً؛ ثُمَّ تَراجَعا؛ فَعادَ فَآثَرَ الشابَّةَ؛ فَلَمْ تَصْبِرْ هِيَ؛ فَطَلَّقَها أُخْرى؛ فَلَمّا بَقِيَ مِنَ العِدَّةِ يَسِيرٌ قالَ لَها: إنْ شِئْتِ راجَعْتُكِ وصَبَرْتِ عَلى الأثَرَةِ؛ وإنْ شِئْتِ تَرَكْتُكِ حَتّى يَخْلُوَ أجَلُكِ؛ قالَتْ: بَلْ راجِعْنِي وأصْبِرُ؛ فَراجَعَها؛ فَآثَرَ الشابَّةَ؛ فَلَمْ تَصْبِرْ؛ فَقالَ: إنَّما هي واحِدَةٌ؛ فَإمّا أنْ تُقِرِّي عَلى ما تَرَيْنَ مِنَ الأثَرَةِ؛ (p-٣٦)وَإلّا طَلَّقْتُكِ؛ فَقَرَّتْ؛ فَهَذا هو الصُلْحُ الَّذِي أنْزَلَ اللهُ فِيهِ: "وَإنِ امْرَأةٌ خافَتْ".
وقالَ مُجاهِدٌ: نَزَلَتْ الآيَةُ بِسَبَبِ أبِي السَنابِلِ بْنِ بَعْكَكٍ؛ وامْرَأتِهِ.
وقَرَأ نافِعٌ ؛ وابْنُ كَثِيرٍ ؛ وأبُو عَمْرٍو ؛ وابْنُ عامِرٍ: "يَصّالَحا"؛ بِفَتْحِ الياءِ؛ وشَدِّ الصادِ؛ وألِفٍ بَعْدَها؛ وأصْلُها: "يَتَصالَحا"؛ وقَرَأ حَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ ؛ وعاصِمٌ: "يُصْلِحا"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ وسُكُونِ الصادِ؛ دُونَ ألِفٍ؛ وقَرَأ عُبَيْدَةُ السَلْمانِيُّ: "يُصالِحا"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ مِنَ المُفاعَلَةِ. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ؛ وعُثْمانُ البَتِّيُّ: "يَصَّلِحا"؛ بِفَتْحِ الياءِ؛ وشَدِّ الصادِ؛ أصْلُها: "يَصْطَلِحا"؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: أبْدَلَ الطاءَ صادًا؛ ثُمَّ أدْغَمَ فِيها الصادَ الَّتِي هي فاءٌ؛ فَصارَتْ: "يَصَّلِحا" ؛ وقَرَأ الأعْمَشُ: "إنِ اصّالَحا"؛ وكَذَلِكَ هي في قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وقَوْلُهُ: ﴿ "صُلْحًا"؛﴾ لَيْسَ الصُلْحُ مَصْدَرًا عَلى واحِدٍ مِن هَذِهِ الأفْعالِ الَّتِي قُرِئَ بِها؛ فالَّذِي يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ اسْمًا؛ كَـ "اَلْعَطاءُ"؛ مَعَ "أعْطَيْتُ"؛ و"اَلْكَرامَةُ"؛ مَعَ "أكْرَمْتُ"؛ فَمَن قَرَأ "يُصْلِحا"؛ كانَ تَعَدِّيهِ إلى الصُلْحِ كَتَعَدِّيهِ إلى الأسْماءِ؛ كَما تَقُولُ: "أصْلَحْتُ ثَوْبًا"؛ ومَن قَرَأ: "يَصّالَحا"؛ مِن "تَفاعَلَ"؛ وعُرِفَ "تَفاعَلَ" أنَّهُ لا يَتَعَدّى؛ فَوَجْهُهُ أنَّ "تَفاعَلَ" قَدْ جاءَ مُتَعَدِّيًا في نَحْوِ قَوْلِ ذِي الرُمَّةِ:
؎ ومِن جَرْدَةٍ غُفْلٍ بَساطٍ تَحاسَنَتْ ∗∗∗ بِها الوَشْيَ قَرّاتُ الرِياحِ وخُورُها
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الصُلْحُ مَصْدَرًا حُذِفَتْ زَوائِدُهُ؛ كَما قالَ:
؎ .............. ∗∗∗ ∗∗∗ وإنْ تَهْلِكْ فَذَلِكَ كانَ قَدْرِي
(p-٣٧)أيْ: تَقْدِيرِي
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: هَذا كَلامُ أبِي عَلِيٍّ ؛ عَلى أنَّ "اَلْقَدْرُ" مَصْدَرٌ جارٍ عَلى أنَّ "قَدَرْتُ الأمْرَ"؛ بِمَعْنى: "قَدَّرْتُ"؛ بِالتَشْدِيدِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والصُلْحُ خَيْرٌ﴾ ؛ لَفْظٌ عامٌّ؛ مُطْلَقٌ؛ يَقْتَضِي أنَّ الصُلْحَ الحَقِيقِيَّ الَّذِي تَسْكُنُ إلَيْهِ النُفُوسُ؛ ويَزُولُ بِهِ الخِلافُ؛ خَيْرٌ عَلى الإطْلاقِ؛ ويَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذا العُمُومِ أنَّ صُلْحَ الزَوْجَيْنِ - عَلى ما ذَكَرْنا - خَيْرٌ مِنَ الفُرْقَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُحَّ﴾ ؛ مَعْذِرَةٌ عن عَبِيدِهِ تَعالى ؛ أيْ: لا بُدَّ لِلْإنْسانِ بِحُكْمِ خِلْقَتِهِ وجِبِلَّتِهِ مِن أنْ يَشِحَّ عَلى إرادَتِهِ؛ حَتّى يَحْمِلَ صاحِبَهُ عَلى بَعْضِ ما يَكْرَهُ؛ وخَصَّصَ المُفَسِّرُونَ هَذِهِ اللَفْظَةَ هُنا؛ فَقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: هو شُحُّ المَرْأةِ بِالنَفَقَةِ مِن زَوْجِها وبِقَسْمِهِ لَها أيّامَها؛ وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: اَلشُّحُّ هُنا مِنهُ؛ ومِنها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا أحْسَنُ؛ فَإنَّ الغالِبَ عَلى المَرْأةِ الشُحُّ بِنَصِيبِها مِن زَوْجِها؛ والغالِبَ عَلى الزَوْجِ الشُحُّ بِنَصِيبِهِ مِنَ الشابَّةِ".
و"اَلشُّحُّ": اَلضَّبْطُ عَلى المُعْتَقَداتِ؛ والإراداتِ؛ والهِمَمِ؛ والأمْوالِ؛ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ فَما أفْرَطَ مِنها فَفِيهِ بَعْضُ المَذَمَّةِ؛ وهو الَّذِي قالَ تَعالى فِيهِ: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ [التغابن: ١٦] ؛ وما صارَ إلى حَيِّزِ مَنعِ الحُقُوقِ الشَرْعِيَّةِ؛ أوِ الَّتِي تَقْتَضِيها المُرُوءَةُ؛ فَهو البُخْلُ؛ وهي رَذِيلَةٌ؛ لَكِنَّها قَدْ تَكُونُ في المُؤْمِنِ؛ ومِنهُ الحَدِيثُ: «قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ؛ أيَكُونُ المُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ قالَ: "نَعَمْ"؛» وأمّا الشُحُّ فَفي كُلِّ أحَدٍ؛ لَكِنْ لا يُفْرِطُ؛ إلّا عَلى (p-٣٨)الدِينِ؛ ويَدُلُّكَ عَلى أنَّ الشُحَّ في كُلِّ أحَدٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُحَّ﴾ ؛ وقَوْلُهُ: ﴿شُحَّ نَفْسِهِ﴾ [الحشر: ٩] ؛ فَقَدْ أثْبَتَ أنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ شُحًّا؛ وقَوْلُ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: « "أنْ تَصَدَّقَ وأنْتَ صَحِيحٌ؛ شَحِيحٌ"؛» وهَذا لَمْ يُرِدْ بِهِ واحِدًا بِعَيْنِهِ؛ ولَيْسَ يَجْمُلُ أنْ يُقالَ هُنا: "أنْ تَصَدَّقَ وأنْتَ صَحِيحٌ؛ بَخِيلٌ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإنْ تُحْسِنُوا﴾ ؛ نَدْبٌ إلى الإحْسانِ في تَحْسِينِ العِشْرَةِ؛ وحَمْلِ أخْلاقِ الزَوْجَةِ؛ والصَبْرِ عَلى ما يُكْرَهُ مِن حالِها؛ وتَمَكَّنَ النَدْبُ إلى الإحْسانِ؛ مِن حَيْثُ لِلزَّوْجِ أنْ يَشِحَّ فَلا يُحْسِنُ.
﴿ "وَتَتَّقُوا"؛﴾ مَعْناهُ: تَتَّقُوا اللهَ في وصِيَّتِهِ بِالنِساءِ؛ إذْ هُنَّ عَوانٍ عِنْدَ الأزْواجِ؛ حَسْبَما فَسَّرَهُ النَبِيُّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: « "اِسْتَوْصُوا بِالنِساءِ خَيْرًا فَإنَّهُنَّ عَوانٍ عِنْدَكُمْ".»
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِساءِ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ مَعْناهُ: اَلْعَدْلُ التامُّ؛ عَلى الإطْلاقِ؛ المُسْتَوِي في الأفْعالِ؛ والأقْوالِ؛ والمَحَبَّةِ؛ والجِماعِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ «وَكانَ (p-٣٩)رَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَقْسِمُ بَيْنَ نِسائِهِ؛ ثُمَّ يَقُولُ: "اَللَّهُمَّ هَذا فِعْلِي فِيما أمْلِكُ؛ فَلا تُؤاخِذْنِي فِيما تَمْلِكُ ولا أمْلِكُ"؛» يَعْنِي مَيْلَهُ بِقَلْبِهِ؛ وكانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يَقُولُ: "اَللَّهُمَّ قَلْبِي فَلا أمْلِكُهُ؛ وأمّا ما سِوى ذَلِكَ فَأرْجُو أنْ أعْدِلَ"؛ ورُوِيَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ومَيْلِهِ بِقَلْبِهِ إلى عائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عنها -؛ فَوَصَفَ اللهُ تَعالى حالَةَ البَشَرِ؛ وأنَّهم بِحُكْمِ الخِلْقَةِ لا يَمْلِكُونَ مَيْلَ قُلُوبِهِمْ إلى بَعْضِ الأزْواجِ؛ دُونَ بَعْضٍ؛ ونَشاطِهِمْ إلَيْهِنَّ وبِشْرِهِمْ مَعَهُنَّ؛ ثُمَّ نَهى عَنِ المَيْلِ كُلَّ المَيْلِ؛ وهو أنْ يَفْعَلَ فِعْلًا يَقْصِدُهُ مِنَ التَفْضِيلِ؛ وهو يَقْدِرُ ألّا يَفْعَلُهُ؛ فَهَذا هو كُلُّ المَيْلِ؛ وإنْ كانَ في أمْرٍ حَقِيرٍ؛ فَكَأنَّ الكَلامَ: "وَلا تَمِيلُوا النَوْعَ الَّذِي هو كُلُّ المَيْلِ؛ وهو المَقْصُودُ مِن قَوْلٍ؛ أو فِعْلٍ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَذَرُوها كالمُعَلَّقَةِ﴾ ؛ أيْ: لا هي أيِّمٌ؛ ولا ذاتُ زَوْجٍ؛ وهَذا تَشْبِيهٌ بِالشَيْءِ المُعَلَّقِ مِن شَيْءٍ؛ لِأنَّهُ لا عَلى الأرْضِ اسْتَقَرَّ؛ ولا عَلى ما عُلِّقَ مِنهُ انْحَمَلَ؛ وهَذا مُطَّرِدٌ في قَوْلِهِمْ في المَثَلِ: "اِرْضَ مِنَ المَرْكَبِ بِالتَعْلِيقِ"؛ وفي عُرْفِ النَحْوِيِّينَ في تَعْلِيقِ الفِعْلِ؛ ومِنهُ في حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ: قَوْلُ المَرْأةِ: « "زَوْجِي العَشَنَّقُ؛ إنْ أنْطِقْ أُطَلَّقْ؛ وإنْ أسْكُتْ أُعَلَّقْ".»
وقَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: "فَتَذَرُوها كالمَسْجُونَةِ"؛ وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "فَتَذَرُوها كَأنَّها مُعَلَّقَةٌ".
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿وَإنْ تُصْلِحُوا وتَتَّقُوا﴾ ؛ أيْ: وإنْ تَلْتَزِمُوا ما يُلْزِمُكم مِنَ العَدْلِ فِيما تَمْلِكُونَ؛ ﴿فَإنَّ اللهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ ؛ لِما لا تَمْلِكُونَهُ؛ مُتَجاوِزًا عنهُ؛ وقالَ الطَبَرِيُّ: مَعْنى الآيَةِ: غَفُورًا لِما سَلَفَ مِنكم مِنَ المَيْلِ كُلَّ المَيْلِ؛ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ.
(p-٤٠)قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -:
فَعَلى هَذا فَهي مَغْفِرَةٌ مُخَصَّصَةٌ لِقَوْمٍ بِأعْيانِهِمْ؛ واقَعُوا المَحْظُورَ في مُدَّةِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -.
وجاءَ في الَّتِي قَبْلُ: ﴿ "وَإنْ تُحْسِنُوا"؛﴾ وفي هَذِهِ: ﴿ "وَإنْ تُصْلِحُوا"؛﴾ لِأنَّ الأوَّلَ في مَندُوبٍ إلَيْهِ؛ وهَذِهِ في لازِمٍ؛ لِأنَّ الرَجُلَ لَهُ هُنالِكَ ألّا يُحْسِنَ؛ وأنْ يَشِحَّ ويُصالِحَ بِما يُرْضِيهِ؛ وفي هَذِهِ لَيْسَ لَهُ أنْ يُصْلِحَ؛ بَلْ يَلْزَمُهُ العَدْلُ فِيما يَمْلِكُ.
{"ayahs_start":128,"ayahs":["وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضࣰا فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَاۤ أَن یُصۡلِحَا بَیۡنَهُمَا صُلۡحࣰاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَیۡرࣱۗ وَأُحۡضِرَتِ ٱلۡأَنفُسُ ٱلشُّحَّۚ وَإِن تُحۡسِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا","وَلَن تَسۡتَطِیعُوۤا۟ أَن تَعۡدِلُوا۟ بَیۡنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِیلُوا۟ كُلَّ ٱلۡمَیۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"],"ayah":"وَلَن تَسۡتَطِیعُوۤا۟ أَن تَعۡدِلُوا۟ بَیۡنَ ٱلنِّسَاۤءِ وَلَوۡ حَرَصۡتُمۡۖ فَلَا تَمِیلُوا۟ كُلَّ ٱلۡمَیۡلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلۡمُعَلَّقَةِۚ وَإِن تُصۡلِحُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق