الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا خَيْرَ في كَثِيرٍ مِن نَجْواهم إلا مِن أمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إصْلاحٍ بَيْنَ الناسِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ ﴿وَمَن يُشاقِقِ الرَسُولَ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيرًا﴾ ﴿إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ ومَن يُشْرَكَ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا﴾ اَلضَّمِيرُ في ﴿ "نَجْواهُمْ"؛﴾ عائِدٌ عَلى الناسِ أجْمَعَ؛ وجاءَتْ هَذِهِ الآياتُ عامَّةَ التَناوُلِ؛ وفي عُمُومِها يَنْدَرِجُ أصْحابُ النازِلَةِ؛ وهَذا عَنِ الفَصاحَةِ والإيجازِ المُضَمَّنِ الماضِيَ والغابِرَ في عِبارَةٍ واحِدَةٍ. والنَجْوى: اَلْمُسارَّةُ؛ مَصْدَرٌ؛ وقَدْ تُسَمّى بِهِ الجَماعَةُ؛ كَما يُقالُ: "قَوْمٌ عَدْلٌ؛ ورِضًا"؛ وتَحْتَمِلُ اللَفْظَةُ في هَذِهِ الآيَةِ أنْ تَكُونَ الجَماعَةَ؛ وأنْ تَكُونَ المَصْدَرَ نَفْسَهُ؛ فَإنْ قَدَّرْناها الجَماعَةَ فالِاسْتِثْناءُ مُتَّصِلٌ؛ كَأنَّهُ قالَ: "لا خَيْرَ في كَثِيرٍ مِن جَماعاتِهِمُ؛ المُنْفَرِدَةِ؛ المُتَسارَّةِ؛ إلّا مَن..."؛ وإنْ قَدَّرْنا اللَفْظَةَ المَصْدَرَ نَفْسَهُ فَكَأنَّهُ قالَ: "لا خَيْرَ في كَثِيرٍ مِن تَناجِيهِمْ"؛ فالِاسْتِثْناءُ مُنْقَطِعٌ بِحُكْمِ اللَفْظِ؛ ويُقَدَّرُ اتِّصالُهُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ؛ كَأنَّهُ قالَ: "إلّا نَجْوى مَن..."؛ قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: "اَلنَّجْوى كَلامُ الجَماعَةِ المُنْفَرِدَةِ؛ كانَ ذَلِكَ سِرًّا أو جَهْرًا". قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: "اِنْفِرادُ الجَماعَةِ مِنَ الاسْتِسْرارِ؛ والغَرَضُ المَقْصُودُ أنَّ النَجْوى لَيْسَتْ بِمَقْصُورَةٍ عَلى الهَمْسِ في الأُذُنِ؛ ونَحْوِهِ". (p-٢٣)وَ"اَلْمَعْرُوفُ": لَفْظٌ يَعُمُّ الصَدَقَةَ؛ والإصْلاحَ؛ ولَكِنْ خُصّا بِالذِكْرِ اهْتِمامًا بِهِما؛ إذْ هُما عَظِيما الغَناءِ في مَصالِحِ العِبادِ؛ ثُمَّ وعَدَ تَعالى بِالأجْرِ العَظِيمِ عَلى فِعْلِ هَذِهِ الخَيْراتِ بِنِيَّةٍ وقَصْدٍ لِرِضا اللهِ تَعالى. و"اِبْتِغاءَ"؛ نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ؛ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ؛ ونافِعٌ ؛ وعاصِمٌ ؛ والكِسائِيُّ: "فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ"؛ بِالنُونِ؛ وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ؛ وحَمْزَةُ: "يُؤْتِيهِ"؛ بِالياءِ؛ والقِراءَتانِ حَسَنَتانِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن يُشاقِقِ الرَسُولَ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛ لَفْظٌ عامٌّ؛ نَزَلَ بِسَبَبِ طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ؛ لِأنَّهُ ارْتَدَّ؛ وسارَ إلى مَكَّةَ؛ فانْدَرَجَ الإنْحاءُ عَلَيْهِ في طَيِّ هَذا العُمُومِ المُتَناوِلِ لِمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِفاتِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ؛ وقَوْلُهُ: ﴿ "ما تَوَلّى"؛﴾ وعِيدٌ بِأنْ يُتْرَكَ مَعَ فاسِدِ اخْتِيارِهِ في تَوَلِّي الطاغُوتِ؛ وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "يُوَلِّهِ"؛ و"يُصْلِهِ"؛ بِالياءِ فِيهِما. ثُمَّ أوجَبَ تَعالى أنَّهُ لا يَغْفِرُ أنَّ يُشْرَكَ بِهِ؛ وقَدْ مَضى تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الآيَةِ وما يَتَّصِلُ بِها مِنَ المُعْتَقَدِ؛ والبُعْدُ في صِفَةِ الضَلالِ مُقْتَضٍ بُعْدَ الرُجُوعِ إلى المَحَجَّةِ البَيْضاءِ؛ وتَعَذُّرَهُ؛ وإنْ بَقِيَ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب