الباحث القرآني

(p-٤١٣)قوله عزّ وجلّ: ﴿وَأشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّها ووُضِعَ الكِتابُ وجِيءَ بِالنَبِيِّينَ والشُهَداءِ وقُضِيَ بَيْنَهم بِالحَقِّ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وهو أعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ﴾ ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتّى إذا جاءُوها فُتِحَتْ أبْوابُها وقالَ لَهم خَزَنَتُها ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكم يَتْلُونَ عَلَيْكم آياتِ رَبِّكم ويُنْذِرُونَكم لِقاءَ يَوْمِكم هَذا قالُوا بَلى ولَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذابِ عَلى الكافِرِينَ﴾ ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوى المُتَكَبِّرِينَ﴾ "أشْرَقَتْ مَعْناهُ: أضاءَتْ وعَظُمَ نُورُها، يُقالُ: شَرَقَتِ الشَمْسُ إذا طَلَعَتْ، وأشْرَقَتْ إذا أضاءَتْ. وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ، وعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: "وَأُشْرِقَتِ" بِضَمِّ الهَمْزَةِ وكَسْرِ الراءِ، وهَذا إنَّما يَتَرَتَّبُ مِن فِعْلٍ يَتَعَدّى، فَهَذا عَلى أنْ يُقالَ: أشْرَقَ البَيْتُ، وأشْرَقَهُ السِراجُ، فَيَكُونُ الفِعْلُ مُتَجاوِزًا أو غَيْرَ مُتَجاوِزٍ بِلَفْظٍ واحِدٍ، كَرَجَعَ ورَجَعْتُهُ، ووَقَفَ ووَقَفْتُهُ، ومِنَ المُتَعَدِّي مِن ذَلِكَ يُقالُ: أُشْرِقَتِ الأرْضُ، و"الأرْضُ" في هَذِهِ الآيَةِ: الأرْضُ المُبْدَلَةُ مِنَ الأرْضِ المَعْرُوفَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿بِنُورِ رَبِّها﴾ إضافَةُ خُلُقٍ إلى خالِقٍ، أيْ: بِنُورِ اللهِ تَعالى. و"الكِتابُ": كِتابُ حِسابِ الخَلائِقِ، ووَحَّدَهُ عَلى اسْمِ الجِنْسِ؛ لِأنَّ كُلَّ أحَدٍ لَهُ كِتابٌ عَلى حِدَةٍ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: وُضِعَ اللَوْحُ المَحْفُوظُ. وهَذا شاذٌّ، ولَيْسَ فِيهِ مَعْنى التَوَعُّدِ وهو مَقْصِدُ الآيَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿وَجِيءَ بِالنَبِيِّينَ﴾ أيِ: اسْتُشْهِدُوا عَلى أُمَمِهِمْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "والشُهَداءِ"﴾ قِيلَ: هو جَمْعُ شاهِدٍ، والمُرادُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ شُهَداءَ عَلى الناسِ، وقالَ السُدِّيُّ: الشُهَداءُ: جَمْعُ شَهِيدٍ في سَبِيلِ اللهِ، وهَذا أيْضًا يَزُولُ عنهُ مَعْنى التَوَعُّدِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: والشُهَداءِ الأنْبِياءَ أنْفُسَهُمْ، فَيَكُونُ مِن عَطْفِ الصِفَةِ عَلى الصِفَةِ بِالواوِ، كَما تَقُولُ: جاءَ زَيْدٌ الكَرِيمُ والعاقِلُ. وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: الشُهَداءُ: الحَفَظَةُ. والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "بَيْنَهُمْ"﴾ عائِدٌ عَلى العالَمِ بِأجْمَعِهِ إذْ الآيَةُ تَدُلُّ عَلَيْهِمْ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهم لا يُظْلَمُونَ﴾ مَعْناهُ: لا يُوضَعُ شَيْءٌ مِن أُمُورِهِمْ غَيْرَ مَوْضِعِهِ. (p-٤١٤)وَقَوْلُهُ: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ﴾ مَعْناهُ: جُوزِيَتْهُ مُكَمَّلًا، وفي هَذا وعِيدٌ صَرَّحَ عنهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وَهُوَ أعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ﴾. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَسِيقَ"، "وَجِيءَ" بِكَسْرِ أوَّلِهِ، وقَرَأها ونَظائِرِها بِإشْمامِ الضَمِّ الحَسَنُ، وابْنُ وثّابٍ، وعاصِمٌ، والأعْمَشُ. و"زُمَرًا" مَعْناهُ: جَماعاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ، واحِدَتُها زُمْرَةٌ. وقَوْلُهُ تَعالى: "فُتِحَتْ" جَوابُ "إذا"، والكَلامُ هُنا يَقْضِي أنَّ فَتْحَها إنَّما يَكُونُ بَعْدَ مَجِيئِهِمْ، وفي وُقُوفِهِمْ قَبْلَ فَتْحِها مَذَلَّةٌ لَهُمْ، وهَكَذا هي حالُ السُجُونِ ومَواضِعِ الثِقافِ. والعَذابِ، بِخِلافِ قَوْلِهِ: في أهْلِ الجَنَّةِ: "وَفُتِحَتْ"، بِالواوِ مُؤْذِنَةٌ بِأنَّهم يَجِدُونَها مَفْتُوحَةً كَمَنازِلِ الأفْراحِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: "[فُتِّحَتْ]" بِشَدِّ التاءِ في المَوْضِعَيْنِ، وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ بِتَخْفِيفِها، وهي قِراءَةُ طَلْحَةَ، والأعْمَشِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى تَوْقِيفَ الخَزَنَةِ لَهم عَلى مَجِيءِ الرُسُلِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ [يَأْتِكُمْ]﴾ بِالياءِ مِن تَحْتُ، وقَرَأ الأعْرَجُ: [تَأْتِكُمْ] بِتاءٍ مِن فَوْقُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "مِنكُمْ"﴾ أعْظَمُ في الحُجَّةِ، أيْ: رُسُلٌ مِن جِنْسِكم لا يَصْعُبُ عَلَيْكم مَرامِيهِمْ ولا فَهْمُ أقْوالِهِمْ. وقَوْلُهُ تَعالى:: ﴿قالُوا بَلى﴾ جَوابٌ عَلى التَقْرِيرِ عَلى نَفْيِ الأمْرِ، ولا يَجُوزُ هُنا الجَوابُ بِـ"نَعَمْ" لِأنَّهم كانُوا يَقُولُونَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِنا، وهَكَذا كانَ يَتَرَتَّبُ المَعْنى: ثُمَّ لا يَجِدُوا حُجَّةً، إلّا أنَّ كَلِمَةَ العَذابِ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ، أيِ الكَلِمَةُ المُقْتَضِيَةُ مِنَ اللهِ تَعالى تَخْلِيدَهَمْ في النارِ، وهي عِبارَةٌ عن قَضائِهِ السابِقِ لَهم بِذَلِكَ، وهي الَّتِي في قَوْلِهِ تَعالى لِإبْلِيسَ: ﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ومِمَّنْ تَبِعَكَ مِنهم أجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٥]. و"المَثْوى": مَوْضِعُ الإقامَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب