الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿بَلِ اللهَ فاعْبُدْ وكُنْ مِنَ الشاكِرِينَ﴾ ﴿وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ والسَماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ﴿وَنُفِخَ في الصُورِ فَصَعِقَ مَن في السَماواتِ ومَن في الأرْضِ إلا مَن شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإذا هم قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ المَكْتُوبَةُ: مَنصُوبَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "فاعْبُدْ"،﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ مَعْناهُ: وما عَظَّمُوا اللهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ، ولا وصَفُوهُ بِصِفاتِهِ، ولا نَفَوْا عنهُ ما لا يَلِيقُ بِهِ. واخْتَلَفَ الناسُ في المُعْنى بِالضَمِيرِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ "قَدَرُوا"،﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: نَزَلَ ذَلِكَ في كُفّارِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ كانَتْ هَذِهِ الآياتُ كُلُّها مُحاوَرَةً لَهم ورَدًّا عَلَيْهِمْ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: نَزَلَتِ الآيَةُ في قَوْمٍ مِنَ اليَهُودِ، تَكَلَّمُوا في صِفاتِ اللهِ تَعالى (p-٤١١)وَجَلالِهِ فَألْحَدُوا وجَسَّمُوا وأتَوْا كُلَّ تَخْلِيطٍ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ فِيهِمْ. وفي الحَدِيثِ «أنَّهُ جاءَ حَبْرٌ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَجَلَسَ إلَيْهِ، فَقالَ لَهُ النَبِيُّ عَلَيْهِ السَلامُ: حَدِّثْنا، قالَ: إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ إذا كانَ يَوْمَ القِيامَةِ جَعْلَ السَماواتِ عَلى أُصْبُعٍ، والأرَضِينَ عَلى أُصْبُعٍ، والجِبالَ عَلى أُصْبُعٍ، والماءَ والشَجَرَ عَلى أُصْبُعٍ، وجَمِيعَ الخَلائِقِ عَلى أُصْبُعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أنا المَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتّى بَدَتْ نَواجِذُهُ تَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ.» قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَرَسُولُ اللهِ ﷺ تَمَثَّلَ بِالآيَةِ وقَدْ كانَتْ نَزَلَتْ، وقَوْلُهُ في الحَدِيثِ: "تَصْدِيقًا لَهُ"، أيْ في أنَّهُ لَمْ يَقُلْ إلّا ما رَأى في كُتُبِ اليَهُودِ، ولَكِنَّ النَبِيَّ ﷺ أنْكَرَ المَعْنى لِأنَّ التَجْسِيمَ فِيهِ ظاهِرٌ، [واليَهُودُ مَعْرُوفُونَ بِاعْتِقادِهِ، ولا يُحْسِنُونَ حَمْلَهُ عَلى تَأْوِيلِهِ مِن أنَّ الأُصْبُعَ عِبارَةٌ عَنِ القُدْرَةِ، أو مِن أنَّها أُصْبُعُ خَلْقٍ يَخْلُقُهُ لِذَلِكَ، ويُعَضِّدُها تَنْكِيرُ الأُصْبُعِ]. ورَوى سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ أنَّ سَبَبَ نُزُولِ الآيَةِ «أنَّ طائِفَةً مِنَ اليَهُودِ جاءَتْ إلى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ، هَذا اللهُ خَلَقَ الأشْياءَ، فَمَن خَلَقَ اللهَ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وساوَرَهم فَنَزَلَتِ الآيَةُ،» وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "قَدْرِهِ" بِسُكُونِ (p-٤١٢)الدالِ، وقَرَأ الأعْمَشُ بِفَتْحِها، وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ، والحَسَنُ، وأبُو نَوْفَلٍ: "وَما قَدَّرُوا" بِشَدِّ الدالِّ "حَقَّ قَدَرِهِ" بِفَتْحِها. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ﴾ مَعْناهُ: في قَبْضَتِهِ، وقالَ ابْنُ عُمَرَ ما مَعْناهُ: «إنَّ الأرْضَ في قَبْضَةِ اليَدِ الواحِدَةِ، والسَماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِاليَمِينِ الأُخْرى؛ لِأنَّهُ كِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ،» ورَواهُ عَنِ النَبِيِّ ﷺ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: الأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ والسَماواتُ وكُلُّ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: [مَطْوِيّاتٍ] بِكَسْرِ التاءِ المُنَوَّنَةِ، والناسُ عَلى رَفْعِها. وعَلى كُلِّ وجْهٍ، فاليَمِينُ هُنا والقَبْضَةُ وكُلُّ ما ورَدَ. عِبارَةٌ عَنِ القُدْرَةِ والقُوَّةِ، وما اخْتَلَجَ في الصُدُورِ مِن غَيْرِ ذَلِكَ باطِلٌ، وما ذَهَبَ إلَيْهِ القاضِي مِن أنَّها صِفاتٌ زائِدَةٌ عَلى صِفاتِ الذاتِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وبِحَسْبِ ما يَخْتَلِجُ في النُفُوسِ الَّتِي لَمَّ يَصُنْها العِلْمُ قالَ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿عَمّا يُشْرِكُونَ﴾، أيْ: هو مُنَزَّهٌ عن جَمِيعِ الشُبَهِ الَّتِي لا تَلِيقُ بِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى النَفْخَ في الصُوَرِ لِيُصْعَقَ الأحْياءُ مِن أهْلِ الدُنْيا والسَماءِ، وفي بَعْضِ الأحادِيثِ مِن طَرِيقِ أبِي هُرَيْرَةَ «عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّ قَبْلَ هَذِهِ الصَعْقَةِ صَعْقَةُ الفَزَعِ،» ولَمْ تَتَضَمَّنْها هَذِهِ الآيَةُ. و[صَعِقَ] في هَذِهِ الآيَةِ مَعْناهُ: خَرَّ مَيِّتًا، و"الصُوَرُ": القَرْنُ، ولا يُتَصَوَّرُ هُنا غَيْرُ هَذا، ومَن يَقُولُ: الصُوَرُ جَمْعُ صُورَةٍ فَإنَّما يَتَوَجَّهُ قَوْلُهُ في نَفْخَةِ البَعْثِ. وقَرَأ قَتادَةُ: [وَنُفِخَ في الصُوَرِ] بِفَتْحِ الواوِ، وهي جُمَعُ صُورَةٍ. وقَوْلُهُ: ﴿إلا مَن شاءَ اللهُ﴾، قالَ السُدِّيُّ ؛ «اسْتَثْنى جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ وإسْرافِيلَ ومَلَكَ المَوْتِ، ثُمَّ أماتَهم بَعْدَ هَذِهِ الحالِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عن أنَسٍ، عَنِ النَبِيِّ ﷺ،» وقِيلَ: اسْتَثْنى الأنْبِياءَ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: اسْتَثْنى الشُهَداءَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى﴾ هي نَفْخَةُ البَعْثِ، ورُوِيَ «أنَّ بَيْنَ النَفْخَتَيْنِ أرْبَعِينَ، لا يَدْرِي أبُو هُرَيْرَةَ: سَنَةً أو يَوْمًا أو شَهْرًا أو ساعَةً.» وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب