الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللهِ إنَّ اللهِ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَحِيمُ﴾ ﴿وَأنِيبُوا إلى رَبِّكم وأسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَكُمُ العَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ﴾ ﴿واتَّبِعُوا أحْسَنَ ما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكم مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَكُمُ العَذابُ بَغْتَةً وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾
(p-٤٠٣)هَذِهِ الآيَةُ عامَّةٌ في جَمِيعِ الناسِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، في كافِرٍ ومُؤْمِنٍ، أيْ أنَّ تَوْبَةَ الكافِرِ تَمْحُو كُفْرَهُ، وتَوْبَةَ العاصِي تَمْحُو ذَنْبَهُ، واخْتُلِفَ - هَلْ يَكُونُ في المَشِيئَةِ أو هو مَغْفُورٌ لَهُ ولابُدَّ؟ - فَقالَتْ فِرْقَةٌ مِن أهْلِ السُنَّةِ: هو مَغْفُورٌ لَهُ ولابُدَّ، وهَذا مُقْتَضى ظَواهِرِ القُرْآنِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: التائِبُ في المَشِيئَةِ، لَكِنْ يَغْلِبُ الرَجاءُ في ناحِيَتِهِ، والعاصِي في المَشِيئَةِ، لَكِنْ يَغْلِبُ الخَوْفُ في ناحِيَتِهِ.
واخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ عَطاءُ بْنُ يَسارٍ: نَزَلَتْ في وحْشَيٍّ قاتِلِ حَمْزَةَ، وقالَ السُدِّيُّ، وقَتادَةُ، وابْنُ أبِي إسْحَقَ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ بِمَكَّةَ آمَنُوا ولَمْ يُهاجِرُوا، وفَتَنَتْهم قُرَيْشٌ فافْتَتَنُوا، ثُمَّ نَدِمُوا وظَنُّوا أنَّهم لا تَوْبَةَ لَهُمْ، فَنَزَلَتْ، مِنهُمُ الوَلِيدُ، وهُشامُ بْنُ العاصِي، وهَذا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وأنَّهُ كَتَبَها بِيَدِهِ إلى هِشامِ بْنِ العاصِي، الحَدِيثُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: نَزَلَتْ في قَوْمٍ كُفّارٍ مِن أهْلِ الجاهِلِيَّةِ، قالُوا: وما يَنْفَعُنا الإسْلامُ ونَحْنُ قَدْ زَنَيْنا وقَتَلْنا الناسَ وأتَيْنا كُلَّ كَبِيرَةٍ، فَنَزَلَتْ، وقالَ عَلَيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ: هَذِهِ أرْجى آيَةٍ في القُرْآنِ، ورَوى ثَوْبانِ أنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ: « "ما أحَبَّ أنَّ لِي الدُنْيا بِما فِيها بِهَذِهِ الآيَةِ: يا عِبادِيَ".»
و"أسْرَفُوا" مَعْناهُ: أفْرَطُوا وتَعَدُّوا الطَوْرَ، و"القُنُوطُ": أعْظَمُ اليَأْسِ. وقَرَأ نافِعٌ (p-٤٠٤)وَجُمْهُورُ الناسِ: ﴿ (تَقْنَطُوا)﴾ بِفَتْحِ النُونِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: "يَلْزَمُهم أنْ يَقْرَؤُوا: "مِن بَعْدِ ما قَنِطُوا" بِالكَسْرِ، ولَمْ يَقْرَأْ بِهِ أحَدٌ"، وقَرَأ الأشْهَبُ العُقَيْلِيُّ بِضَمِّ النُونِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وابْنُ وثّابٍ، والأعْمَشُ بِكَسْرِها، وهي لُغاتٌ.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعًا﴾ عُمُومٌ بِمَعْنى الخُصُوصِ؛ لِأنَّ الشِرْكَ لَيْسَ بِداخِلٍ في الآيَةِ إجْماعًا، وهي أيْضًا في المَعاصِي مُقَيَّدَةٌ بِالمَشِيئَةِ، و"جَمِيعًا" نُصِبَ عَلى الحالِ. ورُوِيَ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَرَأ: [إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعًا ولا يُبالِي]» وقَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "إنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُنُوبَ جَمِيعًا لِمَن يَشاءُ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "وَأنِيبُوا"﴾ مَعْناهُ: ارْجِعُوا ومِيلُوا بِنُفُوسِكُمْ، و"الإنابَةُ": الرُجُوعُ بِالنَفْسِ إلى الشَيْءِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَأْتِيَكُمُ العَذابُ﴾ تَوَعُّدٌ بِعَذابِ الدُنْيا والآخِرَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واتَّبِعُوا أحْسَنَ ما أُنْزِلَ إلَيْكم مِن رَبِّكُمْ﴾ مَعْناهُ أنَّ القُرْآنَ العَزِيزَ تَضَمَّنَ عَقائِدَ نَيِّرَةٍ، وأوامِرَ ونَواهِيَ مُنْجِيَةٍ، وعِدِاتٍ عَلى الطاعاتِ والبِرِّ، وحُدُودًا عَلى المَعاصِي ووَعِيدًا عَلى بَعْضِها، فالأحْسَنُ أنْ يَسْلُكَ الإنْسانُ طَرِيقَ التَفَهُّمِ والتَحْصِيلِ والطاعَةِ والِانْتِهاءِ والعَفْوِ في الأُمُورِ ونَحْوِ ذَلِكَ، فَهو أحْسَنُ مِن أنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الغَفْلَةِ والمَعْصِيَةِ فَيُجْزى أو يَقَعُ تَحْتَ الوَعِيدِ، فَهَذا المَعْنى هو المَقْصُودُ بـِ[أحْسَنَ]، ولَيْسَ المَعْنى أنَّ بَعْضَ القُرْآنِ أحْسَنُ مِن بَعْضٍ مِن حَيْثُ هو قُرْآنٌ، وإنَّما هو أحْسَنُ كُلُّهُ بِالإضافَةِ إلى أفْعالِ الإنْسانِ وما يَلْقى مِن عَواقِبِها، قالَ السُدِّيُّ: الأحْسَنُ هو ما أمَرَ اللهُ تَعالى بِهِ في كِتابِهِ. و[بَغْتَةً] مَعْناهُ: فَجْأةً وعَلى غَيْرِ مَوْعِدٍ، و"تَشْعُرُونَ" مُشْتَقٌّ مِنَ الشِعارِ.
{"ayahs_start":53,"ayahs":["۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ","وَأَنِیبُوۤا۟ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُوا۟ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَكُمُ ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ","وَٱتَّبِعُوۤا۟ أَحۡسَنَ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَكُمُ ٱلۡعَذَابُ بَغۡتَةࣰ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ"],"ayah":"۞ قُلۡ یَـٰعِبَادِیَ ٱلَّذِینَ أَسۡرَفُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُوا۟ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِیعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











