الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿إنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَن هو كاذِبٌ كَفّارٌ﴾ [الزمر: ٣] ﴿لَوْ أرادَ اللهُ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هو اللهُ الواحِدُ القَهّارُ﴾ ﴿خَلَقَ السَماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ يُكَوِّرُ اللَيْلَ عَلى النَهارِ ويُكَوِّرُ النَهارِ عَلى اللَيْلَ وسَخَّرَ الشَمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى ألا هو العَزِيزُ الغَفّارُ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْ أرادَ اللهُ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا﴾ مَعْناهُ: اتِّخاذُ التَشْرِيفِ والتَبَنِّي، وعَلى هَذا يَسْتَقِيمُ. قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ﴾، وأمّا الِاتِّخاذُ المَعْهُودُ بِالتَوالُدِ فَمُسْتَحِيلٌ أنْ يُتَوَهَّمَ في جِهَةِ اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، ولا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ مَعْنى قَوْلِهِ: "لاصْطَفى". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا﴾ [مريم: ٩٢] لَفْظٌ يَعُمُّ اتِّخاذَ النَسْلِ واتِّخاذَ الأصْفِياءِ، فَأمّا الأوَّلُ فَمَعْقُولٌ، وأمّا الثانِي فَمَعْرُوفٌ بِخَبَرِ الشَرْعِ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ المَعْنى هُنا الِاصْطِفاءُ والتَبَنِّي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِمّا يَخْلُقُ﴾، أيْ: مِن مَوْجُوداتِهِ ومُحْدَثاتِهِ. ثُمَّ نَزَّهَ تَعالى نَفْسَهُ تَنْزِيهًا مُطْلَقًا عن جَمِيعِ ما لا يَكُونُ مِدْحَةً. واتِّصافُهُ تَعالى (p-٣٧٢)بِالقَهّارِ عَلى الإطْلاقِ؛ لِأنَّ أحَدًا مِنَ البَشَرِ إنِ اتَّصَفَ بِالقَهْرِ فَمُقَيَّدٌ في أشْياءَ قَلِيلَةٍ، وهَوَ في حَيِّزِ قَهْرِهِ لِغَيْرِهِ مَقْهُورٌ لِلَّهِ تَعالى عَلى أشْياءَ كَثِيرَةٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "بِالحَقِّ"﴾ مَعْناهُ: بِالواجِبِ الواقِعِ مَوْقِعَهُ الجامِعِ لِلْمَصالِحِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَيْلَ﴾ مَعْناهُ: يُعِيدُ مِن هَذا عَلى هَذا، ومِنهُ: كَوَّرَ العِمامَةَ الَّتِي يَلْتَوِي بَعْضُها عَلى بَعْضٍ، فَكَأنَّ الَّذِي يَطُولُ مِنَ النَهارِ أوِ اللَيْلِ يَصِيرُ مِنهُ عَلى الآخَرِ جُزْءٌ فَيَسْتُرُهُ، وكَأنَّ الآخَرَ الَّذِي يَقْصُرُ يَلِجُ في الَّذِي يُطُولُ فَيَسْتَتِرُ فِيهِ، فَيَجِيءُ "يُكَوِّرُ" - عَلى هَذا - مُعادِلًا لِقَوْلِهِ تَعالى: "يُولِجُ"، ضِدًّا لَهُ. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: هُما بِمَعْنًى واحِدٍ، وهَذا مِن قَوْلِهِ تَقْرِيرٌ لا تَحْرِيرٌ. وتَسْخِيرُ الشَمْسِ) دَوامُها عَلى الجَرْيِ واتِّساقُ أمْرِها عَلى ما شاءَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى، و"الأجَلُ المُسَمّى" يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ يَوْمَ القِيامَةِ حِينَ تَنْفَسِدُ البِنْيَةُ ويَزُولُ جَرْيُ هَذِهِ الكَواكِبِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ أوقاتَ رُجُوعِها إلى قَوانِينِها كُلَّ شَهْرٍ في القَمَرِ، وسَنَةٍ في الشَمْسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب