الباحث القرآني
(p-٣٦٩)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الزُمَرِ
وهَذِهِ السُورَةُ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعٍ، غَيْرَ ثَلاثِ آياتٍ نَزَلَتْ في شَأْنِ وحْشِيٍّ قاتِلِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وهِيَ: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللهِ﴾ [الزمر: ٥٣] الآياتِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ إلى آخَرِ السُورَةِ هو مَدَنِيٌّ، وقِيلَ فِيها: مَدَنِيٌ سَبْعُ آياتٍ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ فاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِينَ﴾ ﴿ألا لِلَّهِ الدِينُ الخالِصُ والَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أولِياءَ ما نَعْبُدُهم إلا لِيُقَرِّبُونا إلى اللهِ زُلْفى إنَّ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَهم في ما هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾
﴿تَنْزِيلُ﴾ رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ قَوْلُهُ: ﴿مِنَ اللهِ﴾، وقالَتْ فِرْقَةٌ: ﴿تَنْزِيلُ﴾ خَبَرُ ابْتِداءٍ تَقْدِيرُهُ: هَذا تَنْزِيلٌ، والإشارَةُ إلى القُرْآنِ الكَرِيمِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "تَنْزِيلَ" بِنَصْبِ اللامِ.
و"الكِتابِ" في قَوْلِهِ: ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ﴾ هو القُرْآنُ الكَرِيمُ، ويَظْهَرُ لِي أنَّهُ اسْمٌ عامٌّ لِجَمِيعِ ما تَنَزَّلَ مِن عِنْدِ اللهِ مِنَ الكُتُبِ، كَأنَّهُ أخْبَرَ إخْبارًا مُجَرَّدًا أنَّ الكُتُبَ الهادِيَةَ الشارِعَةَ إنَّما تَنْزِيلُها مِنَ اللهِ، وجَعَلَ هَذا الإخْبارَ تَقْدِمَةً وتَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ﴾، و"العَزِيزِ" في قُدْرَتِهِ، و"الحَكِيمِ" في ابْتِداعِهِ. و"الكِتابَ" الثانِي هو القُرْآنُ لا يَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ "بِالحَقِّ"﴾ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أحَدُهُما
(p-٣٧٠)أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: مُتَضَمِّنًا الحَقَّ، أيْ: بِالحَقِّ فِيهِ وفي أحْكامِهِ وأخْبارِهِ، والثانِي أنْ يَكُونَ بِالحَقِّ بِمَعْنى بِالِاسْتِحْقاقِ والوُجُوبِ وشُمُولِ المَنفَعَةِ لِلْعالَمِ في هِدايَتِهِمْ ودَعْوَتِهِمْ إلى اللهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاعْبُدِ اللهَ﴾ يَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ الفاءُ عاطِفَةً جُمْلَةً مِنَ القَوْلِ عَلى جُمْلَةٍ وواصِلَةً، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ كالجَوابِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنّا أنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ﴾ جُمْلَةٌ، كَأنَّهُ ابْتِداءٌ وخَبَرٌ، كَما لَوْ قالَ: الكِتابُ مُنَزَّلٌ، وفي الجُمَلِ الَّتِي هي ابْتِداءٌ وخَبَرٌ إبْهامٌ ما يُشْبِهُ الجَزاءَ، فَجاءَتِ الفاءُ كالجَوابِ، كَما تَقُولُ: زَيْدٌ قائِمٌ فَأكْرِمْهُ، ونَحْوُ هَذا قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ وقائِلَةٍ خَوْلانُ فانْكِحْ فَتاتَهُمْ
التَقْدِيرُ: هَذِهِ خَوْلانُ. و"مُخْلِصًا" حالٌ. و"الدِينَ" نُصِبَ بِهِ، ومَعْنى الآيَةِ الأمْرُ بِتَحْقِيقِ النِيَّةِ لِلَّهِ في كُلِّ عَمَلٍ، و"الدِينَ" هُنا يَعُمُّ المُعْتَقَداتِ وأعْمالَ الجَوارِحِ. وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ألا لِلَّهِ الدِينُ الخالِصُ﴾ بِمَعْنى: مِن حَقِّهِ ومِن واجِباتِهِ، لا يَقْبَلُ غَيْرَهُ، وهَذا كَقَوْلِهِ: "لِلَّهِ الحَمْدُ"، أيْ: واجِبًا ومُسْتَحَقًّا. قالَ قَتادَةُ: ﴿الدِينُ الخالِصُ﴾: لا إلَهَ إلّا اللهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ، وخَبَرُهُ في المَحْذُوفِ المُقَدَّرِ، تَقْدِيرُهُ: "يَقُولُونَ: ما نَعْبُدُهُمْ"، وفي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: [قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ]، وهي قِراءَةُ ابْنِ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٍ، وابْنِ جُبَيْرٍ. و"أولِياءَ" يُرِيدُ: مَعْبُودِينَ، وهَذِهِ مَقالَةٌ شائِعَةٌ في العَرَبِ، يَقُولُ كَثِيرٌ مِنهم في الجاهِلِيَّةِ: "المَلائِكَةُ بَناتُ اللهِ ونَحْنُ نَعْبُدُهم لِيُقَرِّبُونا"، وطائِفَةٌ مِنهم قالَتْ ذَلِكَ في أصْنامِهِمْ وأوثانِهِمْ. وقالَ مُجاهِدٌ: قَدْ قالَ ذَلِكَ (p-٣٧١)قَوْمٌ مِنَ اليَهُودِ في عُزَيْرَ، وقَوْمٌ مِنَ النَصارى في عِيسى، وفي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: [نَعْبُدُكُمْ] بِالكافِ، [لِتُقَرِّبُونا] بِالتاءِ. و"زُلْفى" بِمَعْنى: قُرْبى وتَوْصِلَةً، كَأنَّهُ قالَ: لِتُقَرِّبُونا إلى اللهِ تَقْرِيبًا، وكَأنَّ هَذِهِ الطَوائِفَ كُلَّها كانَتْ تَرى نُفُوسَها أقَلَّ مِن أنْ تَتَّصِلَ هي بِاللهِ، فَكانَتْ تَرى أنْ تَتَّصِلَ بِمَخْلُوقاتِهِ، و"زُلْفى" - عِنْدَ سِيبَوَيْهِ - مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ، كَأنَّهُ يُنَزَّلُ مَنزِلَةَ: مُتَزَلِّفِينَ، والعامِلُ فِيهِ "تُقَرِّبُونا"، هَذا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وفِيهِ خِلافٌ. وباقِي الآيَةِ وعِيدٌ في الدُنْيا والآخِرَةِ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ","إِنَّاۤ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصࣰا لَّهُ ٱلدِّینَ","أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّینُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فِی مَا هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ"],"ayah":"أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّینُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فِی مَا هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق