الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿أفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ العَذابِ يَوْمَ القِيامَةِ وقِيلَ لِلظّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأتاهُمُ العَذابُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ ﴿فَأذاقَهُمُ اللهُ الخِزْيَ في الحَياةِ الدُنْيا ولَعَذابُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ في هَذا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ هَذا تَقْرِيرٌ بِمَعْنى التَعَجُبِ، والمَعْنى: أفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ العَذابِ كالمُنَعَّمِينَ في الجَنَّةِ؟ واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَتَّقِي بِوَجْهِهِ﴾، فَقالَ مُجاهِدٌ: يَجْثُو عَلى وجْهِهِ في النارِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: لِما رُوِيَ أنَّ الكافِرَ يُلْقى في النارِ مَكْتُوفًا مَرْبُوطَةً يَداهُ إلى رِجْلَيْهِ مَعَ عُنُقِهِ، ويُكَبُّ عَلى وجْهِهِ، فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ يَتَّقِي بِهِ إلّا وجْهَهُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: المَعْنى صِفَةُ كَثْرَةِ ما يَنالُهم مِنَ العَذابِ، وذَلِكَ أنَّهُ يَتَّقِيهِ بِجَمِيعِ جَوارِحِهِ وفِيهِ حَواسُّهُ، فَإذا بَلَغَ بِهِ العَذابُ إلى هَذِهِ الغايَةِ ظَهَرَ أنَّهُ لا مُتَجاوَزَ بَعْدَها. وهَذا المَعْنى عِنْدِي أقْيَسُ بَلاغَةً، وفي هَذا المِضْمارِ يَجْرِي قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ يَلْقى السُيُوفَ بِوَجْهِهِ وبِنَحْرِهِ ∗∗∗ ويُقِيمُ هامَتَهُ مَقامَ المِغْفَرِ لِأنَّهُ إنَّما أرادَ عَظِيمَ جُرْأتِهِ عَلَيْها، فَهو يَلْقاها بِكُلِّ مِجَنٍّ، وبِكُلِّ شَيْءٍ مِنهُ حَتّى بِوَجْهِهِ وبِنَحْرِهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ مَعْناهُ: باشِرُوا، وهُنا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: جَزاءَ ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ. (p-٣٩٠)ثُمَّ مَثَّلَ لِقُرَيْشٍ بِالأُمَمِ السالِفَةِ، ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى بِما نالَ تِلْكَ الأُمَمَ مِن كَوْنِها في الدُنْيا أحادِيثَ مُلَعَّنَةً، وأُخْرى أعْظَمَ مِن هَذا، مَعَ ما نالَ نُفُوسَهم مِنَ الألَمِ والذُلِّ والكَرْبِ، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّ ما أُعِدَّ لَهم مِن عَذابِ الآخِرَةِ أكْبَرُ مِن هَذا كُلِّهِ الَّذِي كانَ في الدُنْيا. وقَوْلُهُ: ﴿ "قُرْآنًا"،﴾ قالَتْ فِرْقَةٌ: نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو نَصْبٌ عَلى الحالِ و"عَرَبِيًّا" حالٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: نُصِبَ عَلى التَوْطِئَةِ لِلْحالِ، والحالُ قَوْلُهُ: ﴿ "عَرَبِيًّا"،﴾ ونَفى عنهُ العِوَجَ لِأنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ ولا تَناقُضَ ولا مَغْمَزَ بِوَجْهٍ. واخْتَلَفَتْ عِبارَةُ المُفَسِّرِينَ، فَقالَ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ: المَعْنى: غَيْرُ مُتَضادٍّ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، وقالَ مُجاهِدٌ: غَيْرُ ذِي لَبْسٍ، وقالَ السُدِّيُّ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وقالَ بَكْرٌ المُزَنِيُّ: غَيْرُ ذِي لَحْنٍ. و"العِوَجُ" بِكَسْرِ العَيْنِ في الأمْرُ، وبِفَتْحِها في الأشْخاصِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب