الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿أفَمَن حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ أفَأنْتَ تُنْقِذُ مَن في النارِ﴾ ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهم لَهم غُرَفٌ مِن فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ وعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهِ المِيعادَ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أنْزَلَ مِنَ السَماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ في الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا ألْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطامًا إنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرى لأُولِي الألْبابِ﴾ أسْقَطَ العَلامَةَ الَّتِي في الفِعْلِ المُسْنَدِ إلى الكَلِمَةِ لِوَجْهَيْنِ: أحَدُهُما الحائِلُ الَّذِي بَيْنَ الفِعْلِ والفاعِلِ، ولَوْ كانَ مُتَّصِلًا بِهِ لَمْ يَحْسُنْ ذَلِكَ، والثانِي أنَّ "الكَلِمَةَ" غَيْرُ مُؤَنَّثٍ حَقِيقِيٍّ، وهَذا أخَفُّ وأجْوَدُ مِن قَوْلِهِمْ: "حَضَرَ القاضِيَ اليَوْمَ امْرَأةٌ"؛ لِأنَّ التَأْنِيثَ هُنا حَقِيقِيٌّ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: في هَذا الكَلامِ مَحْذُوفٌ اخْتَصَرَهُ لِدَلالَةِ الظاهِرِ عَلَيْهِ، تَقْدِيرُهُ: أفَمَن حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ تَتَأسَّفُ أنْتَ عَلَيْهِ؟ أو نَحْوَ هَذا مِنَ التَقْدِيرِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ قَوْلَهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ عَلى أنَّهُ يُرِيدُ أنْ يُنْقِذَ مَن في النارِ، أيْ: لَيْسَ هَذا إلَيْكَ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الألِفُ في قَوْلِهِ: ﴿ "أفَأنْتَ"﴾ إنَّما هي مُؤَكِّدَةٌ زادَها لِطُولِ الكَلامِ، وإنَّما مَعْنى الآيَةِ: أفَمَن حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ أفَأنْتَ تُنْقِذُهُ؟ لَكِنَّهُ زادَ الألِفَ الثانِيَةَ تَوْكِيدًا لِلْأمْرِ، وأظْهَرَ (p-٣٨٥)الضَمِيرَ العائِدَ تَشْهِيرًا لِهَؤُلاءِ القَوْمِ، وإظْهارًا لِخِسَّةِ مَنازِلِهِمْ كَقَوْلِ الشاعِرِ: ؎ لا أرى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ وإنَّما أظْهَرَ الضَمِيرَ تَنْبِيهًا عَلى عِظَمِ المَوْتِ، وهَذا كَثِيرٌ. ثُمَّ اسْتَفْتَحَ إخْبارًا آخَرَ بِـ"لَكِنِ"، وهَذِهِ مُعادِلَةٌ وتَحْضِيضٌ عَلى التَقْوى لِمَن فَكَّرَ وازْدَجَرَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن تَحْتِها﴾ أيْ: مِن تَحْتِ الغُرَفِ، وعادَلَتْ: ﴿غُرَفٌ مِن فَوْقِها غُرَفٌ﴾ ما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لَهم مِن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِن النارِ ومِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦]، و"الغُرَفُ": ما كانَ مِنَ المَساكِنِ مُرْتَفِعًا عَنِ الأرْضِ، في الحَدِيثِ: « "إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَراءَوْنَ الغُرَفَ مِن فَوْقِهِمْ كَما تَراءَوْنَ الكَوْكَبَ الَّذِي في الأُفُقِ"،» وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَعْدَ اللهِ﴾ نُصِبَ عَلى المَصْدَرِ، ونَصْبُهُ إمّا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ مِن لَفْظِهِ، وإمّا بِما تَضَمَّنَ الكَلامُ قَبْلُ مِن مَعْنى الوَعْدِ عَلى الِاخْتِلافِ الَّذِي لِلنُّحاةِ في ذَلِكَ. ثُمَّ وقَفَ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ عَلى مُعْتَبَرٍ مِن مَخْلُوقاتِهِ، والخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وكُلُّ بَشَرٍ داخِلٌ مَعَهُ في مَعْناهُ، وقالَ الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ: أشارَ إلى ماءِ المَطَرِ، وقالُوا: العُيُونُ مِنهُ، وذَلِكَ أنَّها تَنْماعُ عِنْدَ وُجُودِهِ وتَيْبَسُ عِنْدَ فَقْدِهِ،. وقالَ الحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنّاقٍ: والإشارَةُ إلى العُيُونِ، ولَيْسَتِ العُيُونُ مِنَ المَطَرِ، ولَكِنْ ماؤُها نازِلٌ مِنَ السَماءِ، قالَ الشَعْبِيُّ: وكُلُّ ماءٍ عَذْبٍ في الأرْضِ فَمِنَ السَماءِ نَزَلَ، والقَوْلانِ مُتَقارِبانِ، و"سَلَكَهُ" مَعْناهُ: أجْراهُ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ: ؎ حَتّى سَلَكْنَ الشَوى مِنهُنَّ في مَسَكٍ ∗∗∗ ∗∗∗ مِن نَسْلِ جَوّابَةِ الآفاقِ مِهْداجُ (p-٣٨٦)وَمِنهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ: ؎ نَطْعَنُهم سُلْكى ومَخْلُوجَةً.... ∗∗∗ كَرَّكَ لَأْمَيْنِ عَلى نابِلِ وواحِدُ اليَنابِيعِ: يَنْبُوعٌ، وهو العَيْنُ بُنِيَ لَها بِناءٌ، مُبالَغَةٌ مِنَ النَبْعِ. و"الزَرْعُ" هُنا واقِعٌ عَلى كُلِّ ما يُزْرَعُ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: "ألْوانُهُ": أعْراضُهُ مِنَ الحُمْرَةِ والصُفْرَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ، و"يَهِيجُ": يَيْبَسُ، هاجَ النَباتُ والزَرْعُ إذا يَبِسَ، ومِنهُ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ في الحَدِيثِ الَّذِي في غَرِيبِ ابْنِ قُتَيْبَةَ: "ذِمَّتِي رَهِينَةٌ، وأنا بِهِ زَعِيمٌ ألّا يَهِيجَ عَلى التَقْوى زَرْعُ قَوْمٍ ولا يَيْبَسَ عَلى التَقْوى.... أصْلَ الحَدِيثِ". و"الحُطامُ": اليابِسُ المُتَفَتِّتُ، ومَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ [لَذِكْرى]﴾ [ق: ٣٧] أيْ: لِلْبَعْثِ مِنَ القُبُورِ وإحْياءِ المَوْتى عَلى ما يُوحِيهِ هَذا المِثالُ المَذْكُورُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب