الباحث القرآني
(p-٣١٩)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ ص
هَذِهِ السُورَةُ مَكِّيَّةٌ بِإجْماعٍ مِنَ المُفَسِّرِينَ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿ص والقُرْآنِ ذِي الذِكْرِ﴾ ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ﴾ ﴿كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ فَنادَوْا ولاتَ حِينَ مَناصٍ﴾ ﴿وَعَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهم وقالَ الكافِرُونَ هَذا ساحِرٌ كَذّابٌ﴾ ﴿أجَعَلَ الآلِهَةَ إلَهًا واحِدًا إنَّ هَذا لَشَيْءٌ عُجابٌ﴾
قَرَأ الحَسَنُ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وابْنُ أبِي إسْحَقَ: "صادِ" بِكَسْرِ الدالِ، عَلى أنَّهُ أمْرٌ مِن: صادى يُصادِي إذا ضاهى وماثَلَ، أيْ صارَ كالصَدى الَّذِي يَحْكِي الصِياحَ، والمَعْنى: ماثِلِ القُرْآنَ بِعَمَلِكَ، وقارِنْهُ بِطاعَتِكَ، وهَكَذا فَسَّرَ الحَسَنُ، أيِ: انْظُرْ أيْنَ عَمَلُكَ مِنهُ؟
وقالَ الجُمْهُورُ: إنَّهُ حَرْفُ المُعْجَمِ المَعْرُوفُ، ويَدْخُلُهُ ما يَدْخُلُ سائِرَ أوائِلِ السُوَرِ مِنَ الأقْوالِ، ويَخْتَصُّ هَذا المَوْضِعُ بِأنْ قالَ بَعْضُ الناسِ: مَعْناهُ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وقالَ الضَحّاكُ: مَعْناهُ: صَدَقَ اللهُ، وقالَ مُجاهِدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ: هو مِفْتاحُ أسْماءِ اللهِ "صَمَدٌ، صادِقُ الوَعْدِ، صانِعُ المَصْنُوعاتِ".
وقَرَأها الجُمْهُورُ بِسُكُونِ الدالِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي إسْحَقَ - بِخِلافٍ عنهُ - بِكَسْرِ الدالِ وتَنْوِينِها [صادٍ]، عَلى القَسَمِ، كَما تَقُولُ: اللهِ لَأفْعَلَنَّ، وحَكى الطَبَرِيُّ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ (p-٣٢٠)أبِي إسْحاقَ: بِدُونِ تَنْوِينٍ، وألْحَقَهُ بِقَوْلِ العَرَبِ: حاثِ باثِ، وخازِ بازِ، وقَرَأ فِرْقَةٌ مِنها عِيسى بْنُ عُمَرَ: [صادَ] بِفَتْحِ الدالِ، وكَذَلِكَ يَفْعَلُ في نُطْقِهِ بِكُلِّ الحُرُوفِ، يَقُولُ: قافَ، ونُونَ، ويَجْعَلُها كَأيْنَ ولَيْتَ، قالَ الثَعْلَبِيُّ: "وَقِيلَ مَعْناهُ: صادَ مُحَمَّدٌ القُلُوبَ، بِأنِ اسْتَمالَها لِلْإيمانِ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ص والقُرْآنِ ذِي الذِكْرِ﴾ قَسَمٌ، وقالَ السُدِّيُّ، وابْنُ عَبّاسٍ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَعْناهُ: ذِي الشَرَفِ الباقِي المُخَلَّدِ، وقالَ قَتادَةُ، والضَحّاكُ: ذِي التَذْكِرَةِ لِلنّاسِ والهِدايَةِ لَهُمْ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْناهُ: ذِي الذِكْرِ لِلْأُمَمِ والقَصَصِ والغُيُوبِ. وأمّا جَوابُ القَسَمِ فاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: الجَوابُ في قَوْلِهِ: "ص" ؛ إذْ هو بِمَعْنى: صَدَقَ مُحَمَّدٌ، أو صَدَقَ اللهُ، وقالَ الكُوفِيُّونَ والزَجّاجُ: الجَوابُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أهْلِ النارِ﴾ [ص: ٦٤]، وقالَ بَعْضُ البَصْرِيِّينَ - ومِنهُمُ الأخْفَشُ -: الجَوابُ في قَوْلِهِ: ﴿إنْ كُلٌّ إلا كَذَّبَ الرُسُلَ﴾ [ص: ١٤].
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذانِ القَوْلانِ بِعِيدانِ.
وقالَ قَتادَةُ، والطَبَرِيُّ: الجَوابُ مُقَدَّرٌ قَبْلَ "بَلْ"، وهَذا هو الصَحِيحُ، تَقْدِيرُهُ: "والقُرْآنِ ما الأمْرُ كَما يَزْعُمُونَ"، ونَحْوُ هَذا مِنَ التَقْدِيرِ، فَتَأمَّلْهُ. وحَكى الزَجّاجُ عن (p-٣٢١)قَوْمٍ أنَّ الجَوابَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ﴾ وهَذا مُتَكَلَّفٌ جِدًّا.
و"العِزَّةُ" هُنا: المُعازَّةُ والمُغالَبَةُ. و"الشِقاقُ" نَحْوُهُ، أيْ: هم في شِقٍّ، والحَقُّ في شِقٍّ.
و"كَمْ" لِلتَّكْثِيرِ، وهي خَبَرٌ فِيهِ مِثالٌ ووَعِيدٌ، وهي في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ"أهْلَكْنا"، و"القَرْنُ": الأُمَّةُ مِنَ الناسِ يَجْمَعُها زَمَنٌ واحِدٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ مِرارًا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ "فَنادَوْا"﴾ مَعْناهُ: مُسْتَغِيثِينَ، والمَعْنى أنَّهم فَعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ المُعايَنَةِ فَلَمْ يَنْفَعْ ذَلِكَ، ولَمْ يَكُنْ في وقْتِ نَفْعٍ، "وَلاتَ" بِمَعْنى: لَيْسَ، واسْمُها مُقَدَّرٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، تَقْدِيرُهُ: ولاتَ الحِينُ حِينَ مَناصٍ، وهي "لا" لَحِقَتْها تاءٌ، كَما لَحِقَتْ "رُبَّتَ وثُمَّتَ"، قالَ الزَجّاجُ: وهي كَتاءِ جَلَسَتْ وقامَتْ، تاءُ الحُرُوفِ كَتاءِ الأفْعالِ دَخَلَتْ عَلى ما لا يُعْرَبُ في الوَجْهَيْنِ، ولا تُسْتَعْمَلُ (لا) مَعَ التاءِ إلّا في الحِينِ والزَمانِ والوَقْتِ ونَحْوِهُ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ ولاتَ ساعَةَ مَندَمِ
وقالَ الآخَرُ:
؎ تَذَكَّرَ حُبَّ لَيْلى لاتَ حِينًا ∗∗∗ ∗∗∗ وأضْحى الشَيْبُ قَدْ قَطَعَ القَرِينا
(p-٣٢٢)وَأنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
؎ طَلَبُوا صُلْحَنا ولاتَ أوانٍ ∗∗∗ ∗∗∗ فَأجَبْنا أنْ لَيْسَ حِينَ بَقاءِ
وأنْشَدَ الزَجّاجُ بِكَسْرِ التاءِ، وهَذا كَثِيرٌ، وقِراءَةُ الجُمْهُورِ فَتْحُ التاءِ مِن "لاتَ" والنُونِ مِن "حِينَ"، ورُوِيَ عن عِيسى كَسْرُ التاءِ مِن "لاتِ" ونَصْبُ النُونِ مِن "حِينَ"، ورُوِيَ عنهُ أيْضًا كَسْرُ النُونِ مِنها.
واخْتَلَفُوا في الوَقْفِ عَلى "لاتَ"، فَذَكَرَ الزَجّاجُ أنَّ الوَقْفَ بِالتاءِ، ووَقَفَ الكِسائِيُّ بِالهاءِ، ووَقَفَ قَوْمٌ - واخْتارَهُ أبُو عُبَيْدٍ - عَلى لا وجَعَلُوا التاءَ مَوْصُولَةً بِحِينَ، فَقالُوا، "لا تَحِينَ"، وذَكَرَ أبُو عُبَيْدٍ أنَّها كَذَلِكَ في مُصْحَفِ عُثْمانَ، ويَحْتَجُّ لِهَذا بِقَوْلِ أبِي وجْزَةَ:
؎ العاطِفُونَ تَحِينَ ما مِن عاطِفٍ ∗∗∗ ∗∗∗ والمُطْعِمُونَ زَمانَ ما مِن مُطْعِمِ
(p-٣٢٣)يَمْدَحُ آلَ الزُبَيْرِ. وقَرَأ بَعْضُ الناسِ: "لاتَ حِينُ" بِرَفْعِ النُونِ مِن: حِينَ عَلى إضْمارِ الخَبَرِ.
و"المَناصُ": المَفَرُّ، ناصَ يَنُوصُ، إذا فاتَ وفَرَّ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: المَعْنى: لَيْسَ بِحِينِ نَزْوٍ ولا فِرارٍ، ضَبَطَ القَوْمُ.
والضَمِيرُ في ﴿ "وَعَجِبُوا"﴾ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ، واسْتَغْرَبُوا أنْ نُبِّئَ بِشْرٌ مِنهم فَأنْذَرَهم وحَذَّرَهُمْ، وأنْ وحَّدَ الإلَهَ، وقالُوا: كَيْفَ يَكُونُ إلَهٌ واحِدٌ يَرْزُقُ الجَمِيعَ ويَنْظُرُ في كُلِّ أمْرِهِمْ؟
(p-٣٢٤)وَ"عُجابٌ" بِناءُ مُبالَغَةٍ، كَما قالُوا: سَرِيعٌ وسِراعٌ، وهَذا كَثِيرٌ، وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ السُلَمِيُّ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ: "عُجّابٌ" بِشَدِّ الجِيمِ، ونَحْوُهُ قَوْلُ الراجِزِ:
؎ جاؤُوا بِصَيْدٍ عَجَبٍ مِنَ العَجَبْ ∗∗∗ ∗∗∗ أُزَيْرِقِ العَيْنَيْنِ طُوّالِ الذَنَبْ
وقَدْ قالُوا: رَجُلٌ كِرامٌ، أيْ كِرِيمٌ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["صۤۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِی ٱلذِّكۡرِ","بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی عِزَّةࣲ وَشِقَاقࣲ","كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ","وَعَجِبُوۤا۟ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرࣱ كَذَّابٌ","أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ"],"ayah":"كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق