الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذَلِكَ وإنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ﴾ ﴿يا داوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً في الأرْضِ فاحْكم بَيْنَ الناسِ بِالحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الهَوى فَيُضِلَّكَ عن سَبِيلِ اللهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عن سَبِيلِ اللهِ لَهم عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الحِسابِ﴾ ﴿وَما خَلَقْنا السَماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النارِ﴾ ﴿أمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصالِحاتِ كالمُفْسِدِينَ في الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كالفُجّارِ﴾ ﴿كِتابٌ أنْزَلْناهُ إلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبابِ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَغَفَرْنا لَهُ ذَلِكَ﴾ مَعْناهُ: سَتَرْنا، و"ذَلِكَ" إشارَةٌ إلى الذَنْبِ المُتَقَدِّمِ، و"الزُلْفى": القُرْبَةُ والمَكانَةُ الرَفِيعَةُ. و"المَآبُ": المَرْجِعُ في الآخِرَةِ، مِن: آبَ يَؤُوبُ إذا رَجَعَ. وبَعْدَ هَذا حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ظاهِرُ الكَلامِ، تَقْدِيرُهُ: وقُلْنا لَهُ: ﴿يا داوُدُ إنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً﴾، واسْتَدَلَّ بَعْضُ الناسِ مِن هَذِهِ الآيَةِ عَلى احْتِياجِ الأرْضِ إلى خَلِيفَةٍ مِنَ اللهِ تَعالى.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولَيْسَ هَذا بِلازِمٍ مِنَ الآيَةِ، بَلْ لُزُومُهُ مِنَ الشَرْعِ والإجْماعِ، ولا يُقالُ: "خَلِيفَةُ اللهِ" إلّا لِرَسُولِهِ، وأمّا الخُلَفاءُ: فَكُلُّ واحِدٍ مِنهم خَلِيفَةُ الَّذِي قَبْلَهُ، وما يَجِيءُ في الشِعْرِ مِن تَسْمِيَةِ أحَدِهِمْ خَلِيفَةَ اللهِ، فَذَلِكَ تَجَوُّزٌ وغُلُوٌّ، كَما قالَ ابْنُ قَيْسِ الرُقَيّاتِ:
؎ خَلِيفَةُ اللهِ في بَرِّيَّتِهِ ∗∗∗ جَفَّتْ بِذاكَ الأقْلامُ والكُتُبُ
ألّا تَرى أنَّ الصَحابَةَ رَضِيَ اللهُ عنهم حَرَّرُوا هَذا المَعْنى، فَقالُوا لِأبِي بَكْرٍ الصَدِيقِ:
(p-٣٤٣)خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، فَبِهَذا كانَ يُدْعى مُدَّتَهُ، فَلَمّا ولِيَ عُمَرُ قالُوا: يا خَلِيفَةَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، فَطالَ الأمْرُ، ورَأوا أنَّهُ في المُسْتَقْبَلِ سَيَطُولُ أكْثَرَ فَدَعَوْهُ: أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وقَصُرَ هَذا الِاسْمُ عَلى الخُلَفاءِ.
وقوله عزّ وجلّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عن سَبِيلِ اللهِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبابِ﴾ اعْتِراضٌ بَيْنَ الكَلامَيْنِ مِن أمْرِ داوُدَ وسُلَيْمانَ، هو خِطابٌ لِمُحَمَّدٍ ﷺ وعِظَةٌ لِأُمَّتِهِ، ووَعِيدٌ لِلْكَفَرَةِ بِهِ. وقَرَأ أبُو حَيْوَةَ: "يُضِلُّونَ" بِضَمِّ الياءِ. و"نَسُوا" مَعْناهُ - في هَذِهِ الآيَةِ -: تَرَكُوا.
وأخْبَرَ تَعالى أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَظُنُّونَ أنَّ خَلْقَ السَماءِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما إنَّما هو باطِلٌ لا مَعْنى لَهُ، وأنَّ الأمْرَ لَيْسَ يَؤُولُ إلى ثَوابٍ ولا إلى عِقابٍ، وأخْبَرَ تَعالى عن كَذِبِ ظَنِّهِمْ، وتَوَعَّدَهم بِالنارِ. ثُمَّ وقَفَ تَعالى عَلى الفَرْقِ - عِنْدَهُ - بَيْنَ المُؤْمِنِينَ العامِلِينَ بِالصالِحاتِ، وبَيْنَ المُفْسِدِينَ الكَفَرَةِ، وبَيْنَ المُتَّقِينَ والفُجّارِ. وفي هَذا التَوْقِيفِ حَضٌّ عَلى الإيمانِ وتَرْغِيبٌ فِيهِ، ووَعِيدٌ لِلْكَفَرَةِ.
ثُمَّ أحالَ في طَلَبِ الإيمانِ والتَقْوى عَلى كِتابِهِ العَزِيزِ بِقَوْلِهِ: ﴿كِتابٌ أنْزَلْناهُ﴾، المَعْنى: هَذا كِتابٌ لِمَن أرادَ التَمَسُّكَ بِالإيمانِ والقُرْبَةَ إلَيْنا، وفي هَذِهِ الآياتِ اقْتِضابٌ وإيجازٌ بَدِيعٌ، كَإعْجازِ القُرْآنِ العَزِيزِ. ووَصَفَهُ بِالبَرَكَةِ لِأنَّ أجْمَعَها فِيهِ؛ لِأنَّهُ يُورِثُ الجَنَّةَ، ويُنْقِذُ مِنَ النارِ، ويَحْفَظُ المَرْءَ في حالِ الحَياةِ الدُنْيا، ويَكُونُ سَبَبَ رِفْعَةِ شَأْنِهِ في الحَياةِ الآخِرَةِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿لِيَدَّبَّرُوا﴾ بِالياءِ بِشَدِّ الدال والباءِ، والضَمِيرُ لِلْعالَمِ، وقَرَأ حَفْصٌ عن عاصِمٍ: "لِتَدَّبَّرُوا" بِالتاءِ عَلى المُخاطَبَةِ، وقَرَأ أبُو بَكْرٍ عنهُ بِتَخْفِيفِ الدالِ، أصْلُهُ: تَتَدَبَّرُوا، وظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ يُعْطِي أنَّ التَدَبُّرَ مِن أسْبابِ إنْزالِ القُرْآنِ، فالتَرْتِيلُ إذًا أفْضَلُ لِهَذا؛ إذِ التَدَبُّرُ لا يَكُونُ إلّا مَعَ التَرْتِيلِ، وباقِي الآيَةِ بَيِّنٌ.
{"ayahs_start":25,"ayahs":["فَغَفَرۡنَا لَهُۥ ذَ ٰلِكَۖ وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلۡفَىٰ وَحُسۡنَ مَـَٔابࣲ","یَـٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَـٰكَ خَلِیفَةࣰ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا نَسُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ","وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَاۤءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَا بَـٰطِلࣰاۚ ذَ ٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ فَوَیۡلࣱ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنَ ٱلنَّارِ","أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِینَ كَٱلۡفُجَّارِ","كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ مُبَـٰرَكࣱ لِّیَدَّبَّرُوۤا۟ ءَایَـٰتِهِۦ وَلِیَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"],"ayah":"كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ مُبَـٰرَكࣱ لِّیَدَّبَّرُوۤا۟ ءَایَـٰتِهِۦ وَلِیَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق