الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿أمْ لَهم مُلْكُ السَماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا في الأسْبابِ﴾ ﴿جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزابِ﴾ ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْمُ نُوحٍ وعادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتادِ﴾ ﴿وَثَمُودُ وقَوْمُ لُوطٍ وأصْحابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزابُ﴾ ﴿إنْ كُلٌّ إلا كَذَّبَ الرُسُلَ فَحَقَّ عِقابِ﴾ "أمْ" في هَذِهِ الآيَةِ مُعادِلَةٌ لِلْألِفِ المَقْدَّرَةِ في "أمْ" الأُولى، وكَأنَّهُ تَعالى يَقُولُ في هَذِهِ الآيَةِ: أمْ لَهم هَذا المُلْكُ فَتَكُونَ النُبُوءَةُ والرِسالَةُ عَلى اخْتِيارِهِمْ ونَظَرِهِمْ، ﴿فَلْيَرْتَقُوا في الأسْبابِ﴾ إنْ كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ، أيْ: إلى السَماءِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما. و"الأسْبابُ" كُلُّ ما يُتَوَصَّلُ بِهِ إلى الأشْياءِ، وهي هُنا بِمَعْنى الحِبالِ والسَلالِمِ. وقالَ قَتادَةُ: أرادَ أبْوابَ السَماءِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ﴾، اخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في الإشارَةِ بِـ"هُنالِكَ" إلى ما هِيَ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ: أشارَ إلى الِارْتِقاءِ في الأسْبابِ، أيْ: هَؤُلاءِ القَوْمُ إنْ رامُوا ذَلِكَ جُنْدٌ مَهْزُومٌ. قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ وهَذا قَوِيٌّ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: الإشارَةُ بِـ"هُنالِكَ" إلى حِمايَةِ الأصْنامِ وعَضُدِها، أيْ: هَؤُلاءِ القَوْمُ جُنْدٌ مَهْزُومٌ في هَذِهِ السَبِيلِ، وقالَ مُجاهِدٌ: الإشارَةُ بِـ"هُنالِكَ" إلى يَوْمِ بَدْرٍ، وكانَ غَيْبًا أعْلَمَ اللهُ بِهِ عَلى لِسانِ رَسُولِهِ ﷺ أنَّ جُنْدَ المُشْرِكِينَ يُهْزَمُونَ، فَخَرَجَ في بَدْرٍ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: الإشارَةُ إلى مَن حَضَرَ عامَ الخَنْدَقِ بِالمَدِينَةِ. وقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الأحْزابِ﴾، أيْ: مِن جُمْلَةِ أحْزابِ الأُمَمِ الَّذِينَ تَعَصَّبُوا في الباطِلِ وكَذَّبُوا الرُسُلَ فَأخَذَهُمُ اللهُ تَعالى. (p-٣٢٨)وَ"ما"، في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿جُنْدٌ ما هُنالِكَ﴾ زائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ، وفِيها تَخْصِيصٌ. واخْتَلَفَ المُتَأوِّلُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذِي الأوتادِ﴾ [الفجر: ١٠]، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّهُ كانَتْ لَهُ أوتادٌ وخَشَبٌ يُلْعَبُ لَهُ بِها وعَلَيْها، وقالَ السُدِّيُّ: كانَ يَقْتُلُ الناسَ بِالأوتادِ يَشُدُّهم في الأرْضِ بِها، وقالَ الضَحّاكُ: أرادَ المَبانِيَ العِظامَ الثابِتَةَ. وهَذا أظْهَرُ الأقْوالِ، كَما يُقالُ لِلْجِبالِ أوتادٌ لِثُبُوتِها، ويُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ لَهُ: "ذُو الأوتادِ" عِبارَةٌ عن كَثْرَةِ أخْبِيَتِهِ وعِظَمِ عَساكِرِهِ، ونَحْوٌ مِن هَذا قَوْلُهُمْ: "أهْلُ العَمُودِ". وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "لَيْكَةِ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "الأيْكَةِ"، وقَدْ تَقَدَّمَ. ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى أنَّ هَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ هُمُ الأحْزابُ، وضَرَبَ بِهِمُ المَثَلَ لِقُرَيْشٍ في أنَّهم كَذَّبُوا، ثُمَّ أخْبَرَ أنَّ عِقابَهُ حَقٌّ عَلى جَمِيعِهِمْ، أيْ فَكَذَلِكَ يَحِقُّ عَلَيْكم أيُّها المُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ، وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "إنْ كُلٌّ لَمّا"، وحَكى أبُو عَمْرٍو الدانِي أنَّ فِيها: "إنْ كُلُّهم إلّا كَذَّبَ".
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب